ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد أن احتلوا "وول ستريت" إضراب المعلمين يضرب الولايات المتحدة الأميركية

بعد أن احتلوا "وول ستريت" إضراب المعلمين يضرب الولايات المتحدة الأميركية
الإضرابات في الولايات المتحدة الأميركة لا تشبه غيرها في الدول الأخرى. فهذه الولايات التي تدعي انها متزعمة العالم الأول، وأنها على رأس التحضر في هذا العصر، لا يجد شعبها أنه معني بالتزعم او برئاسة اي عنوان. وهذا ما عبر عنه الناشطون الذين اعلنوا للعالم أنهم يمثلون 99 بالمئة من الشعب الأميركي، بينما 1 بالمئة هم من يتزعم العالم بقوة المال المستحوذ عليه من خيرات الشعب الأميركي والشعوب الأخرى.

إضافة إلى الإضرابات التي امتدت إلى انحاء الولايات المتحدة الأميركية بدءاً باحتلال وول ستريت عام 2011، كرت السبحة إلى أن بدأ تحرك النقابات كل منها بمطلبها، وآخرها كان تحرك المعلمين الذي اعلنوا عن إضراب سيبدأ في شيكاغو على أن يمتد إلى باقي الولايات كما حصل في وول ستريت. وكان قد سبقه في عام 2003 إضراب المعلمين في ولاية كاليفورنيا ثم امتد إلى مقاطعة المعلمين في كافة المدارس في أميركا للعمل التطوعي بعد الدوام الرسمي كما جاء على لسان مسؤول اتحاد المعلمين "ساسكاتشوان" في موقع سي بي سي الإلكتروني، بما فيها وقف الأنشطة اللاصفية ووقف عمل التدريب للفرق الرياضية المدرسية. ويضيف "ساسكاتشوان" ان المفاوضات قد فشلت مع الحكومة بشأن ما يطالب به مجلس المعلمين بزيادة 16 بالمئة على الرواتب، بينما الحكومة لم تقدم سوى 6 بالمئة.

بعد أن احتلوا "وول ستريت" إضراب المعلمين يضرب الولايات المتحدة الأميركية

ويطالب المعلمون في الولايات المتحدة الأميركية الحكومات المتعاقبة بتسهيل حصول المعلمين على راتب يوفر لهم مستوى اقتصادي مزدهر في بلد صيته الازدهار في العالم كما تدعي الحكومة وكونهم من الشريحة المهمة في بناء المجتمع الأميركي. ولكن الحكومة ترى أن المطالب مبالغ فيها كما صرحت المسؤولة السابقة في وزارة التربية "دونا هاربيور" في بيان صحفي اوضح انها ستكلف 320 مليون دولار في الولاية الواحدة، بينما تعرض الحكومة حلاً يكلف 100 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، ودعت إلى عدم تعريض امتحانات الطلاب للخطر جراء هكذا تحركات. وهي بذلك تستذكر التجارب السابقة في إضرابات المعلمين في الولايات المتحدة الأميركية حيث كان اكبرها اضراب ولاية فلوريدا عام 1968 حيث شُلت الحياة التعليمية واستمر الإضراب ثلاثة اشهر إلى أن اعلنت الحكومة انها سوف تلبي المطالب التي كانت تتضمن تحسين الأجور وايضاً الغاء الفصل العنصري الذي كان لا يزال يُطبق في بعض المدارس. إلا أن الحكومة في ذاك الوقت كانت تخدع المعلمين، وما حصل بعد التوقف عن الإضراب هو ان المعلمين لم ينالوا مطالبهم بل انقلبت الحكومة عليهم وصرفت عدداً من المعلمين بعد ان ألزمتهم بالتوقيع على انسحابهم من الخدمة.

وعلى ما يبدو فإن محاولات الحكومات المتعاقبة في الولايات المتحدة الأميركية تنصب على عدم تمكين المعلمين. ودائماً يضعون في عين الاعتبار فشل اضراب 1968 وما قامت به الحكومة آنذاك بتفتيت النقابات من أجل تفتيت المطالب، وتهديد النقابات التي عادت وانتظمت في نقابة واحدة. ومن التهديدات ان المشاركين في الإضراب سوف يُفصلون من العمل والنقابات سوف تُحل من الناحية القانونية إذا ما دعت للإضراب، وهذا ما يستهجنه المعلمون في بلد الحريات. ويسأل دافعو الضرائب من الأهل الحكومة عن تحمل مسؤوليتها تجاه ما يجري كما يطالب "بيار دين" رئيس مجلس إدارة السوق الحرة في بنسلفانيا ونائب مدير الشؤون العامة في مؤسسة الكومنولث في مقالة له على موقع "بنسلفانيا فاونديشن"، ويعتبر ان تعاطي الحكومة الأميركية في مسألة اضراب المعلمين هو اهانة لدافعي الضرائب من الشعب الذين يحق لابنائهم الحصول على تعليم منتظم، لا سنوات دراسية متقطعة بسبب الإضرابات المتكررة منذ العام 2003، لان ذلك باعتقاده يقلل من قدرة الأولاد الذين تتراوح اعمارهم بين خمسة إلى ثماني عشرة سنة بالحصول على التعليم من دون انقطاع وتبعدهم عن التفوق العلمي العالمي العام في سوق عالمية تنافسية بشكل متزايد. ويُذكر ان اضراب بنسلفانيا الذي انتهى الخريف الماضي لم يثمر عن أي تقدم في المفاوضات بسبب اعلان الولاية ان هناك عجزاً في موازنة التربية والتعليم بقيمة 5 ملايين دولار كما ذكر موقع الكومنويلث الالكتروني في آب 2011 .

ويبدو ان معارك المطالب في الولايات المتحدة تعكس الحالة الاقتصادية التي يعيشها الشعب الأميركي، وفشل النظام المعتمد في الاقتصاد والاجتماع والسياسة ايضاً. وتكرار التحركات في الولايات مثل يوتاه وبوسطن ماساشوستس لم تتوقف، والآن في شيكاغو حيث دعا المعلمون إلى إضراب مفتوح في وقفة احتجاجية للمعلمين بالتوقف عن العمل للمرة الأولى منذ ربع قرن بعدما فشلت المحاولات للوصول لاتفاق على الاصلاحات المطلوبة، ولكن ادارة اوباما تضعه في سياق العرقلة السياسية لزيادة العقبات يوماً بعد يوم أمام إعادة انتخاب أوباما مجددًا في الانتخابات المقبلة. ومن المتوقع أن يؤثر هذا الإضراب بالسلب على التصويت لأوباما في الانتخابات المنتظرة في تشرين الثاني /نوفمبر المقبل. وخاصة أن ولاية شيكاغو هي موطن باراك اوباما وكذلك هي موطن "ارن دانكن" وزير التربية في حكومته. ولغاية الآن لم يتخذ اوباما ولا وزير التربية اي موقف سلبي من تحرك المعلمين خوفاً من أي يؤثر ذلك سلباً على الانتخابات، وهذا ما دفع المرشح الجمهوري إلى اتهام اوباما بأنه قد ادار ظهره للطلاب ولم يهتم بمصلحتهم لأنه لم يوقف إضراب المعلمين كما ذكرت صحيفة سياتل تايمز في موقعها الالكتروني.

يشار إلى أن سبب إضراب المعلمين في شيكاغو هو نتيجة فشل النقابات التعليمية في التوصل إلى اتفاق بشأن مجموعة من الإصلاحات روج لها رئيس البلدية "رام إيمانويل" اليد اليمنى السابق لأوباما، والذي ساعده على دخول البيت الأبيض، والذي كان قد وعد المعلمين مسبقًا بزيادة الرواتب لكنه لم يحقق وعوده، ما اضطر المعلمين إلى الإضراب حتى تحقيق مطالبهم في زيادة الرواتب.

تأتي اهمية اضراب شيكاغو من كون هذه الولاية ممنوعة من الإضرابات، وخاصة اضرابات المعلمين. وهناك فقط 12 ولاية تسمح لمعلميها في المدارس العامة بالِإضراب وهي: ألاسكا، كاليفورنيا، كولورادو، هاواي، إلينوي، لويزيانا، مينيسوتا، مونتانا، حيث باقي الولايات تُغرّم المعلمين عن كل يوم اضراب إذا ما أقدموا على الإضراب بحسب ما ذكر " بيار دين" في مقالته في موقع بنسلفانيا الالكتروني، ويضيف أنه لم يحصل أي إضراب ما بين عامي 1975 و 1987. ففي ولاية أيوا على سبيل المثال وضعت غرامة مفروضة على المعلمين بسبب الإضراب التي تصل إلى 500 دولار أو بالسجن ثلاثين يوماً كحد أقصى، وعدم السماح بالدخول بالنقابة لمدة سنتين، إضافة إلى خسارة المعلم المشارك في الإضراب لنسبة من تعويضاته في نهاية الخدمة.

هذه هي الولايات المتحدة الأميركية التي تجوب العالم بجيوشها معلنة انها معنية بنشر الديمقراطية في العالم بقوة السلاح، بينما شعبها يعاني الويلات من قوانينها التي لا زالت مرتبطة بالقرون الوسطى وعصر الظلام الغربي.

نزيهة صالح
2012-09-12