ارشيف من :آراء وتحليلات

تصويب المسارات... بالغضب لرسول الله (ص)

تصويب المسارات... بالغضب لرسول الله (ص)
ربما لم يحفل التاريخ بشيء مثلما حفل بالإساءات إلى الإسلام من أعدائه ومدعيه وفي أحيان ـ عن حسن ظن وغير قصد وفهم ـ من بعض الملتزمين به. والأكيد أن المستوى الرخيص جداً للإساءات المعاصرة التي افتتحها سلمان رشدي في كتابه السيئ الذكر ووصلت، بعد تدنيس المصاحف وإحراقها والرسوم الكاريكاتورية وغيرها، إلى الفيلم الأميركي المسمى رياءً ـ وبعده تجنياً ـ "براءة المسلمين "... أي استتباعاً "تجريم الإسلام"، في تعبير واضح عن فشل أعداء الإسلام وفراغ جعبتهم من الحجج الجديرة بالاحترام والنقاش، وخلو ساحتهم للشتائم وأشكال التعبير الرعاعية والبهيمية غير اللائقة بمن يدعون لأنفسهم تمثيل الإنسانية الراقية وتجسيد قيم الحرية والديموقراطية واحترام الآخر.

لم يطلب أحد من الغرب العلماني والمتعصب لعلمانيته أن يقتنع بتعاليم نبي الإسلام (ص) أو بتعاليم أنبياء العهدين القديم والجديد (ع) ولا أن يقتل نفسه دفاعاً عن حرية الآخر في التعبير عن آرائه ومعتقداته. لكن علمانية الغرب هي ما يطلب منه إذا ما كان صادقاً أن ينفتح على الرأي الآخر وأن يتسامح مع الآخر في حرية تفكيره، وأن يعبر عن ذلك بالفم الملآن، وبالتالي أن يستنكر الإساءات الموجهة إلى الإسلام وبقية الديانات ويعمل على منع تكرارها. وإلا فإن صمته عليها لا يعني شيئاً آخر غير إدقاعه الحضاري واضمحلال فكره المتقلص إلى بذاءات من النوع الذي تطلع به علينا بين الفينة والفينة أعمال "فنية" و"أدبية" ركيكة تتحول بسطوة وسائل الإعلام إلى بدائل لهيرودوس وأفلاطون وديكارت وشكسبير وروسو وسارتر وغيرهم وغيرهم من إعلام الفكر الغربي. إن تسويق مثل هذه الأعمال هو تعبير مريع عن الدرك الذي هبط إليه الفكر الغربي وعن الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها الحضارة الغربية.

تصويب المسارات... بالغضب لرسول الله (ص)

وعلى هذا، لا يمكن توجيه أصابع التجريم إلى شخصين أو ثلاثة قاموا بإنتاج الفيلم الرخيص. فهؤلاء ليسوا غير أدوات تحركها أصابع الدوائر السياسية العليا في الولايات المتحدة والغرب بغية تحقيق أهداف سياسية معروفة تعيد إنتاج الغرب بما هو الغرب الاستعماري المسؤول عن ركام المآسي التي عاشها العالم منذ عصر النهضة الأوروبية المتزامن مع انطلاق الحركة الاستعمارية المسؤولة عن الوضع الكارثي الذي يعيشه عالم اليوم.

هذا الفيلم الذي شارك في إنتاجه مسيحيون أقباط، وقبله إحراق المصحف من قبل رجل دين مسيحي في الولايات المتحدة، هو بالدرجة الأولى تحريض سافر على مسيحيي الشرق. الأصابع الخفية والظاهرة التي تقف وراء إنتاجه وترويجه تفترض ـ في الوقت الذي يتعرض فيه مسيحيو فلسطين والعراق وسوريا لخطر الاجتثاث ـ أن مسلمين كثيرين سيردون بإفراغ غضبهم على المسيحيين، خصوصاً في مصر التي ترشحها الدوائر الاستكبارية لتكون مسرحاً لفتنة أدهى من تلك التي عصفت وتعصف ببلدان عربية وإسلامية أخرى في أيامنا هذه.

كما تراهن الدوائر نفسها على فتنة أخرى تنشب بين المسلمين في البلدان التي وصلت فيها بعض أحزابهم إلى السلطة في عدد من بلدان الثورات العربية. إذ من الملاحظ أن الاحتقان والتوتر قد هيمنا على الأجواء في سياق حماية السفارات الأميركية، والاشتباكات حولها بين المتظاهرين ورجال الأمن وما خلفته من قتلى وجرحى وضغائن، والتصريحات المثيرة للجدل والخلاف التي أطلقها مسؤولون في ليبيا وتونس ومصر واليمن وصولاً إلى باكستان وأفغانستان.

تصويب المسارات... بالغضب لرسول الله (ص)

لكن ليس كل مراهن يكسب رهانه. وكل رهان مفتوح على احتمال المفعول العكسي. فببركة رسول الله (ص)، وللدفاع عنه بكل السبل، اتحد مسلمو العالم من جاكرتا إلى الرباط مروراً بباكستان وأفغانستان وإيران والعراق ولبنان ومصر، وتجاوزوا ما يحاك لهم من مؤامرات وفتن طائفية، وأحرقوا أعلام الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، الأمر الذي أثار خوف دوائر الاستكبار التي خفت إلى إعلان قلقها إزاء ما أسمته بالتطرف الذي يتهدد الثورات العربية، بحسب ما صرح به "صديق إسرائيل" المعروف، وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس.

أجل، وسواء شاء فابيوس ذلك أم لم يشأ، فإن الثورات العربية قد حققت على ضوء ما تكشف لها من حقد غربي رسمي على رسول الله (ص) وعلى الإسلام والمسلمين والمسيحيين وغيرهم من شرفاء العالم، خطوات واسعة على طريق الثورة الحقيقية التي لا يمكنها أن تكون في عالم اليوم غير ثورة، فيما يتجاوز حسني مبارك وأمثاله من الحكام، على التحالف السرطاني الغربي ـ الصهيوني.
والأكيد، إضافة إلى تصحيح مسار الثورات العربية باتجاه مقارعة الغرب والكيان الصهيوني بدلاً من توسل الحظوة لديهما وتسول الخسيس من أموالهما، أن سوريا ستكون المنتصر الأكبر عبر تفكيك التحالف غير المقدس بين بعض من يعتبرون أنفسهم إسلاميين، وبين الدوائر الغربية والصهيونية التي تصب حقدها على رسول الله (ص) وتبذل كل جهدها في تسعير الحرب على سوريا.
عقيل الشيخ حسين
2012-09-18