ارشيف من :أخبار عالمية

فتنة الفيلم ومخطط تقسيم مصر: ما معنى ان يكون المنتج قبطيا ولماذا النبي الاعظم؟

فتنة الفيلم ومخطط تقسيم مصر: ما معنى ان يكون المنتج قبطيا ولماذا النبي الاعظم؟
لا يحتاج قراءة السلوك الاميركي إزاء تعدد وتكرار الاساءات الى المقدسات الاسلامية  المنتجة في الغرب الى "براءة" في تفسيره وحصره في نطاق "حرية التعبير" التي "لا تستطيع الولايات المتحدة ان تمنعها لأن لدينا تقليداً عريقاً من حرية التعبير تكرس في دستورنا وقوانيننا" على ما قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في سياق تعليقها على الاحتجاجات المتصاعدة في العالم الاسلامي المطالبة بمعاقبة منتج فيلم "براءة المسلمين" المهين  للرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. دحض هذه المقولة لا يحتاج سوى الى التذكير بتوقيف "القانون الاميركي" لابداعات "حرية التعبير" عند حد ما يسمونه "معاداة السامية" اي التعرض لليهود ومقدساتهم. عند ذلك يغدو القبض على "حرية التعبير" التي تتذرع بها كلينتون امراً مشروعاً وجائزاً وايضاً تقليداً راسخاً لدى الادارات الاميركية المتعاقبة.

فتنة الفيلم ومخطط تقسيم مصر: ما معنى ان يكون المنتج قبطيا ولماذا النبي الاعظم؟

هل يجوز بعد ذلك ان نصدق ان الولايات المتحدة فعلاً هي مستاءة ولا علم مسبق لها وانها ترفض مثل هذه الاساءات، وان الفيلم الاخير فعلاً "بريء" من تهمة التسييس والتوظيف في إطار خطة اميركية معدة مسبقة ومحددة أدواتها وتشمل اهدافاً استراتيجية واهدافا تكتيكية؟ الجواب يكمن في المعطيات التالية.

 
استراتيجية الحرب الناعمة" التي اعدتها الادارة الاميركية بالتوازي مع حروبها العسكرية هي مخصصة حصراً لتدمير منظومة الحماية الثقافية والاخلاقية في العالم الاسلامي، وليس اي حضارة اخرى.
في ما يتعلق بالهدف الاستراتيجي فإنه يندرج في سياق ما بات يعرف بتحطيم مقدسات الآخرين تدريجيا وتعويدهم ـ وتحديداً المسلمين ـ على هكذا سلوكيات يتم فيها اختبار رد افعالهم  تجاهها تمهيداً لقرارات أكبر من ذلك، كتلك التي أشار اليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في معرض تحليله لخلفيات هذا السلوك الأميركي الغربي العدواني الذي يحاول فحص تصرفاتننا قبيل اللجوء الى الضربة الأخيرة في الصراع العربي الاسرائيلي المتمثل باحتمال حرق وهدم المسجد الاقصى المبارك. كما ان النيل من المقدسات بهذه الطريقة البذيئة وتحت تلك اللافتة الحقوقية العالمية "حرية التفكير والتعبير" باتت احدى الادوات المنهجية المعتمدة في تفكيك بنية المجتمع العربي والاسلامي وتحطيم قيمه، الى حد بات فيه هذا المجتمع يناقش قضايا مثل "حقوق المثليين" وغيرها من الفظائع الاخلاقية التي تم "تسليلها" اليه في حمأة الانشغال بقضايا سياسية وامنية واقتصادية، ليصبح النقاش في هكذا "قضايا" امراً عادياً، ويخرج من "بيننا" من يدعو الى تشريعات لما يسمونه "حقوق" هؤلاء الشاذين الذين افتت الشريعة الاسلامية بعقاب قاس لهم لا هوادة فيه. هكذا يتعود المجتمع العربي والاسلامي على "منظومة قيم" جديدة يتم تمريرها تدريجياً وتكتسب مع مرور الزمن "شرعيتها" من تقلص ردة الفعل عليها، وتصبح اموراً "مقبولة"، بل ربما تصل الى حد يصبح الاحتجاج والاعتراض عليها مخالفاً للقانون.

في الخلاصة هي حرب ثقافات وحضارات بشر بها "اليهودي الاميركي" صموئيل هنتغنتون بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الشيوعي، وسمى الحضارتان الغربية والاسلامية كاحد ابرز الحضارات المرشحة للتصارع في الحقبة المقبلة على خلفية جغرافيا الاحتكاك المباشر بينهما و/او جغرافية المصالح الموزعة على اكثر من منطقة في هذا العالم. وعليه فإن الهجوم الغربي الاميركي على قيم الثقافة الاسلامية ومحاولة تحطيمها سيبقى امراً قائما وموجوداً في خلفية اي صراع مهما كان عنوانه ومجاله، سياسياً او  عسكرياً او اقتصادياً. ويمكن القول بيقين "ان استراتيجية الحرب الناعمة" التي اعدتها الادارة الاميركية بالتوازي مع حروبها العسكرية هي مخصصة حصراً لتدمير منظمة الحماية الثقافية والاخلاقية في العالم الاسلامي، وليس اي حضارة اخرى.


بهذا الاطار يمكن تفسير الوظيفة الاستراتيجية لفيلم "براءة المسلمين. لكن  الوظيفية التكتيكية الاخرى تتعلق وفق ما هو متوافر من معطيات بمشروع التقسيم الاميركي الموجود منذ عقود لدى البيت الابيض، وتم تطبيق أبرز حلقاته مؤخراً في السودان الذي قسم الى دولتين. وعليه يمكن ببساطة طرح السؤال التالي: هل ببساطة اراد كاهن قبطي معادي للاسلام هو زكريا بطرس ان يسيء الى الرسول محمد، فأوعز الى منتجين من اتباعه في مقدمهم القبطي المصري نقولا باسيلي نقولا بانتاج هذا الفيلم والموجه تحديدا الى النبي محمد؟ لا يحتاج الجواب الى ذكاء او توقد ذهن او أي ابداع استثنائي ليقول ان وظيفة الفيلم التكتيكية هي استثارة الغالبية من الشعب المصري المسلم ضد المسيحيين الاقباط من اجل تفعيل نزاع طائفي كاد يشتعل في اكثر من استحقاق لولا الحكمة التي يمارسها قادة المجتمع المصري ووعي الناس هناك.

 المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر قبيل "استقرار الجمهورية الجديدة" هي الفرصة الافضل للضرب على الحديد وهو حام لتعزيز الهواجس والشكوك المسيحية الاسلامية
وهذا النزاع المراد تفعيله هو سياق ضروري من اجل تهيئة الميدان والواقع المصري لتقسيم جمهورية مصر العربية الى عدة دويلات كما هي موجودة في المخطط الذي اعده د.برنـارد لويـس، الملقب بـ"بطريـرك الاستشـراق الاميركي الصهيوني"، لتقسيم الدول العربية والاسلامية الي عدة دويلات (مشروع "الشرق الاوسط الكبير" الذي تبناه الكونغرس الأمريكي عام 1983 لتقسـيم المنطقـة العربية إلى دويلات صغيرة طائفيـة يسـهل التحكم فيها)، ومنها مصر حيث وزع خريطة تقسيمها على اربع دويلات هي دويلة اسلامية فى الشرق، ودويلة مسيحية فى الصعيد، ودويلة نوبية فى جنوب مصر مع حدود السودان، ودويلة فى سيناء يتم "طرد" الفلسطينيين من قطاع غزة اليها. الوظيفة السياسية لهذا الفيلم الذي يمكن بشجاعة القول ان الادارة الاميركية متواطئة في تسهيل عملية انتاجه ونشره، يمكن تقصيها في الاجابة على السؤال التالي: هل الادارة الاميركية و"اسرائيل" مرتاحتان لسلوك القيادة المصرية الجديدة بقيادة الاخواني محمد مرسي؟ حتما لا. واذا هم عبروا عن انزعاجهم من  زيارته الصين ثم ايران فانهم يتوقعون "الاسوأ" منه، وبالتالي فان المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر قبيل "استقرار الجمهورية الجديدة" هي الفرصة الافضل للضرب على الحديد وهو حام لتعزيز الهواجس والشكوك المسيحية الاسلامية، والا ما معنى ان يكون من انتج هذا الفيلم القذر قبطيا ومصرياً؟ وما معنى ان يصب حقده واساءته على الرسول الاعظم وهو يعرف مسبقا مدى عشق المسلم المصري للنبي محمد، والجميع يعرف ان المصريين يتبركون باسم محمد ويجعلونه الاسم الاول الذي يسبق اسمهم الحقيقي ويتنادون به حتى ولو كانوا رؤساء ووزراء (محمد حسني مبارك على سبيل المثال). كان المطلوب ان ينفعل الشارع المصري وان يهجم على كنيسة المنتجين الاقباط وان يشتعل نزاع طائفي بقية ادوات تسعيره حتما جاهزة لتادية دورها،  بحيث لا يمكن السيطرة عليها الا بحل "سياسي مبدع" كالذي اجترح لحرب شطري السودان الشمال والجنوب فكان تقسيمه الى دولتين.

فتنة الفيلم ومخطط تقسيم مصر: ما معنى ان يكون المنتج قبطيا ولماذا النبي الاعظم؟

بمعزل عن  كيفية سير رياح الفتنة بغير ما اشتهاه صانعو سفينة "البراءة" فان المرجح ان تظهر لاحقاً المزيد من المواد التحريضية التي يراد لها ان تلهب مشاعر التقسيم وتوجد مبرراته في اكثر من بلد عربي واسلامي مدرج على لائحة التفتيت المذهبي والطائفي، بما يعني ان النظر والتعاطي مع جريمة بحجم الاساءة الى اعظم مخلوق بشري خلقه الله تعالى على الكرة الارضية، يفترض ان تتجاوز النظر اليها كونها عمل دعائي شخصي قام بها افراد، فيما هو في الحقيقة من تنظيم دول وحكومات لديها اجندات معروفة ومنشورة نحتاج فقط الى ان تبقى ماثلة في الاذهان، حتى لا يتعود الاميركي على استغباء شعوب هذه المنطقة ويتنصل امامهم من هكذا افعال بزعم انه مكبل اليدين امام المس بحرية هكذا مجرمين محترفين، فيما هو يقف وراءهم بكل قوة وصلافة، والا الا يستحق مليار وستمئة مليون مسلم ان يعتقل من اجلهم بضعة اشخاص كما يزعمون؟.

عبد الحسين شبيب
2012-09-19