ارشيف من :آراء وتحليلات

وحدة الإساءات... إلى رسول الله (ص) وإلى سوريا

وحدة الإساءات... إلى رسول الله (ص) وإلى سوريا
عرب أميركا أو المتصهينون العرب، ممثلين بمسؤولين سياسيين وإعلاميين ومنتحلي صفة رجال الدين، ساءهم جداً إطلاق هذه الحملة الجديدة على رسول الله (ص)، وهي الحملة التي انطلقت من الولايات المتحدة وسارعت فرنسا إلى فتح جبهتها الخاصة بها عبر قيام إحدى صحفها بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة بينها اثنتان تصوران الرسول (ص) عارياً بالكامل.

ساءهم ذلك لا غضباً للرسول (ص). لأن نظرة سريعة على سيرهم الذاتية، ومواقفهم المعروفة من قضايا الأمة، والأفكار السامة والقيم الفاسدة التي يروجونها بمختلف الوسائل، تكفي للدلالة على أنهم يشكلون جزءاً أساسياً من الحلف العالمي الحاقد على الإسلام والمتربص به منذ نشأته حتى أيامنا هذه.
وحدة الإساءات... إلى رسول الله (ص) وإلى سوريا

بل غضباً على التطورات التي نجمت عن الإساءات الجديدة وشكلت انعطافة كبرى على مستوى الحدث الذي يهز العالم منذ ما يقرب العشرين شهراً. فالمعروف أن سوريا قد احتلت، منذ آذار/ مارس 2011، موقع الصدارة بين الأحداث في المنطقة والعالم، وأن كل يوم مر منذ ذلك التاريخ لم يكن غير يوم جديد للتحريض على سوريا، وللكيد لها بمختلف الأشكال والوسائل العسكرية والاستخباراتية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية من قبل جبهة عالمية يمتد محورها من واشنطن إلى تل أبيب وتدور في فلكها باريس ولندن وأنقرة والرياض والدوحة، إضافة إلى ما لا يحصى من العواصم والمنظمات الدولية والإقليمية التي يوظفها المشروع الاستكباري.

وبالطبع، يوماً للتبشير بالسقوط الوشيك للنظام السوري ومن بعده لمنظومة المقاومة في المنطقة والعالم: ألم يكن الخطاب المعادي لسوريا حريصاً على التذكير في كل لحظة بأن العقاب لن يقتصر على النظام السوري وأنه سيمتد ليشمل حزب الله وإيران وروسيا والصين وفنزويلا، وبالتالي كل بلد يرفض الخضوع بهذا القدر أو ذاك لإملاءات الولايات المتحدة وحلف الناتو والكيان الصهيوني؟
وبطبيعة الحال، يوماً للتبشير باليوم التالي لسقوط سوريا بوصفه، حسب زعمهم، يوماً للصلح العربي الشامل والكامل مع الكيان الصهيوني، وللسلام والأمن والرفاهية التي يقولون كذباً واستهانة بعقول الناس بأنها ستعم المنطقة في ظل ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير المكون من إمارات ومشيخات وأشباه دول في كيانات مقطعة الأوصال وشبه ذائبة بين جدران الفصل العنصري والديني والطائفي والإتني والعشائري أشبه ما تكون بالجزر المتناثرة في الضفة الغربية وعلى شواطئ الخليج أو في المدن الليبية التي تحولت ببركة الناتو إلى دويلات مستقلة قائمة بذاتها.

وحدة الإساءات... إلى رسول الله (ص) وإلى سوريالكن الحملة الجديدة على الرسول (ص)، وهي في الحقيقة حملة تستهدف الإسلام والمسلمين الحقيقيين بقدر ما تستهدف المسيحية والمسيحيين الحقيقيين وكافة الديانات والمذاهب والأفكار الوفية للإنسان ـ كما يجب أن يكون ـ بوصفة خليفة الله على الأرض... فجّرت ردود أفعال شعبية وأحياناً رسمية في طول العالم العربي والإسلامي عادت معها عقارب البوصلة لتأخذ موقعها في الاتجاه الصحيح.

لم يعد بإمكان قنوات الفتنة الفضائية وغير الفضائية الناطقة بلسان المتآمرين على سوريا أن تكرس كل وقتها لبث الأخبار الكاذبة والصور الملفقة عن الأحداث في سوريا. وجدت نفسها مجبرة على تقديم تغطية ما للإساءات الجديدة المقترفة بحق رسول الله (ص). لم يكن بإمكانها، رغم اللف والدوران الهادفين إلى تبرئة دوائر القرار العليا في الولايات المتحدة، أن تتجاهل كون الولايات المتحدة هي البلد الذي تم فيه إنتاج ونشر الفيلم المسيء تحت سمع وبصر المسؤولين الأميركيين. وبالتأكيد، بإيحاء وتشجيع من قبلهم. ولا أن تطمس كون الإساءة الجديدة هي حلقة في سلسلة طويلة من الإساءات التي اشتملت، بين الكثير من الإساءات الأخرى التي لا يلحظها كثير من الناس، على تدنيس المصحف في قواعد الناتو في أفغانستان وفي سجن غوانتانمو الأميركي، وعلى الرسوم الكاريكاتورية والأشرطة المسيئة في الدانمارك وهولندا وإحراق المصحف من قبل قس أميركي، وتمزيق الإنجيل من قبل نائب إسرائيلي...

والأهم من ذلك أنها لا تجد وسيلة، حتى من النوع الأكثر صفاقة وكذباً، للقول بأن الجهات الغربية التي تسيء للإسلام هي غير الجهات الغربية والإسرائيلية والعربانية التي تسيء لسوريا.

لا مشكلة لديها مع عصابات المرتزقة التي تعمل على تدمير سوريا. فأفراد هذه العصابات مرتزقة لا دين لهم ولا يقين غير المال الذي يتقاضونه من خزائن أميركا وعملائها في المنطقة.

لكن الفيلم الأميركي المسيء، والرسوم الكاريكاتورية الفرنسية التي لا تقل إساءة قد وضعتها ووضعت جميع أعداء سوريا في ورطة حقيقية: كيف يمكن مثلاً لهؤلاء الذين يظنون أنهم مسلمون وجهاديون يقاتلون الجيش السوري ويرتكبون المجازر بحق الشعب السوري ويعملون آلة الدمار في مؤسسات الدولة السورية أن يستمروا في ما هم فيه عندما يكتشفون للمرة الألف أن الجهات التي تمولهم وتسلحهم وتزودهم بـ "وسائل الاتصال" وتعقد لهم المؤتمرات... هي نفسها التي تكيد لرسول الله (ص)؟!
عقيل الشيخ حسين
2012-09-20