ارشيف من :آراء وتحليلات

مصر ولجنتها الرباعية: استعادة الدور وفرملة ادوار في الازمة السورية

 مصر ولجنتها الرباعية: استعادة الدور وفرملة ادوار في الازمة السورية

 لا تُسلط الاضواء كفاية على الاطار الجديد الذي اقترحته مصر للنظر في سبل معالجة الازمة السورية المستمرة منذ سنة ونصف، اي اللجنة الرباعية التي تضم مصر وايران والسعودية وتركيا، وهي الاطراف الاقليمية التي تؤدي ادوار محورية في الصراع الراهن. وسبب الاحجام عن توفير تغطية متناسبة مع اهمية المبادرة المصرية ان القاهرة بهذه الخطوة اصابت اكثر من هدف. فهي من ناحية تحاول اعادة الحل الى اطاره العربي الاسلامي بعيدا عن الاطراف الخارجية، وتحديدا الولايات المتحدة التي تمارس انتهازية تقليدية في التعاطي مع ثورات ما يسمى "الربيع العربي" وتحاول توظيف الاحداث بما يضمن لها مصالحها التقليدية في المنطقة. وينعكس ذلك في ثوابت المبادرة المصرية التي تتضمن:

1_ الوقف الفوري لأعمال القتل والعنف؛

2_ الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها؛

 3_ رفض التدخل العسكري الخارجي في سوريا؛

 4_ إطلاق عملية سياسية بمشاركة مختلف أطياف الشعب السوري ومكوناته؛

5_ دعم مهمة المبعوث العربي الأممي المشترك الاخضر الإبراهيمي؛

وقد وردت هذه الثوابت في تصريح رسمي للمتحدث باسم الخارجية المصرية نزيه النجار عشية التحضير لاول اجتماع للجنة الرباعية على مستوى كبار المسؤولين في وزارات خارجية الدول الاربع. وتظلل مصر مقاربتها السورية باطار اشمل يرى ان ما يجري في دمشق ينذر "بتداعيات سلبية ستصيب الجميع في المنطقة إذا تعثر التوصل لحلّ للأزمة".

وتتكئ مصر في حراكها على وقائع عملية تمكنها من استعادة زمام المبادرة العربية وتصدر الموقف العربي بعيداً عن الاطراف التي انخرطت حتى العظم في المسار الدموي للعنف وتقوم _ قطر والسعودية تحديداً_ بتغذيته بما يحتاج من مال وسلاح ومقاتلين باتت جنسياتهم ومرسليهم ومموليهم معروفة ومعلنة ومصرح عنها رسمياً. فالقاهرة الجديدة التي يقودها الاخوان المسلمون بات تمثل المرجعية السياسية لهذا "التنظيم الدولي" كما يوصف، وبالتالي يمكن ان تؤثر اكثر من غيرها على المجموعة الاكبر في المعارضة السورية اي "الاخوان المسلمين"، وبهذا المعنى يمكن للقاهرة ان تزعم ان لها القدرة الاكبر على النطق باسم الفرع السوري للاخوان وبالتالي يعطيها ميزة اكبر من غيرها التاثير على مجريات الاوضاع الميدانية وضبط سلوك جزء كبير من المعارضة في حال تم بلورة حل معين يمكن ان تتفق عليه المكونات السورية. 

الميزة الثانية ان القاهرة الجديدة لم تسلك مسار الاخرين في معاداة الاطراف الدولية المرتبطة بالازمة السورية، اي الصين وروسيا وايران. بل ان اول زيارة دولية قام بها الرئيس المصري محمد مرسي كانت الى بكين ومن ثم عاد منها مباشرة الى طهران، رغم كل الانتقادات التي وجهت له، مما اعطى مؤشرات حول السلوك المستقبلي للسياسة المصرية الذي يقف على طرف نقيض مما تريده واشنطن واطراف عربية اخرى وايضا تركيا من مصر ان تؤديه. لكن مرسي اختار تلك الزيارتين لكي يكون متصدرا ومتبوعا وليس تابعا او ملحقا باي من الدول الاقل حجما او تاثيرا من بلاده في شؤون المنطقة، وبالتالي استعادة دور بلاده المحوري في السياسات الاقليمية. وبهذا السلوك يمكن للقيادة المصرية ان تخاطب الجميع، او بالاحرى طرفي الازمة السورية، الداخليين والخارجيين، وبالتالي المضي قدما في بلورة حلول يمكن ان تتطور وتصبح محل توافق القوى المعنية.
عدم حضور وزير الخارجية السعودي اجتماع القاهرة يعود الى ان المبادرة ستحد من قدرة المملكة على التاثير في الحدث السوري لحساب تصاعد التأثير المصري ولصالح الخيار السلمي وليس العنفي الذي تعتمده الرياض

لكن الخطوة التنفيذية الاهم تمثلت باشراك ايران في صلب البحث المصري عن حل سياسي من خلال دعوتها لتكون طرفاً اساسياً في اللجنة الرباعية الى جانب السعودية وتركيا، مع الاشارة الى ان هناك هجوماً اميركياً اوروبياً سعودياً كبيراً على ايران ادى الى ابعادها عن مؤتمر جنيف الاخير وعن كل الاجتماعت السابقة. وهذا الاستدعاء المصري لايران لم يرق للكثيرين، وتحديدا السعودية، التي لم تشارك بوزير خارجيتها سعود الفيصل في اجتماع اللجنة الرباعية الذي انعقد في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية. واذا كانت الرياض في الاساس غير مرتاحة لتولي الاخوان المسلمين قيادة مصر، ولم يسجل التاريخ وئاماً بين هذا التنظيم وهذه المملكة، فان دخول ايران الى اطر الحل السياسي من البوابة المصرية لم يكن ليرض الرياض باي شكل من الاشكال، سيما وان السعودية كانت من اشرس المعارضين لحضور ايران مؤتمر جنيف. كما ان عدم حضور الفيصل الاجتماع يعود الى ان هذه المبادرة ستحد من قدرة المملكة على التاثير في الحدث السوري لحساب تصاعد التاثير المصري ولصالح الخيار السلمي وليس العنفي الذي تعتمده الرياض. وبهذا المعيار يمكن قياس اهمية الخطوة المصرية في تشكيل اللجنة الرباعية والرهان عليها في السعي لحل الازمة ومن ثم سحب البساط من تحت اقدام الاميركيين الذين ليس فقط يضمرون السوء لسوريا بل لمصر ومختلف الدول العربية.

 وعليه يمكن القول ان فتح خط القاهرة _ طهران السياسي سيؤدي الى مسارات جديدة في الازمة السورية، ومنها على سبيل المثال ما بادر وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي الى طرحه في اجتماع القاهرة القاضي بارسال مراقبين من الدول الاربع: مصر والسعودية وايران وتركيا الى سوريا، كخطوة اجرائية يمكن ان تكون خطوة مهمة في سياق الحد من موجة العنف، وهو اقتراح لم يصدر اي موقف سلبي منه من القاهرة حتى الان، مما يعني انه قابل للنقاش والحوار. ومن الواضح من خلال خلاصات تواجد صالحي على راس وفد من الخارجية الايرانية ومحادثاته الايجابية مع الرئيس محمد مرسي كما وصفها المتحدث الرئاسي المصري ياسر علي ان منسوب التنسيق والتعاون بين البلدين، سواء على المستوى الثنائي او فيما يتعلق بالملف السوري، مرشح للارتفاع الايجابي، حيث إنّ الرئيس مرسي أوضح لوزير الخارجية الإيراني "ضرورة استكمال جولات الحوار لتصفية الأجواء بين البلدين، حتى تعود العلاقات بشكل كامل بين مصر وإيران" بحسب تاكيد ياسر علي، فيما اعرب صالحي في مستهل الزيارة عن تفائله تجاه مستقبل العلاقات مع مصر، موضحا "ان هذه العلاقات تسیر بشكل طیب وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بین البلدین الى الضعفین خلال الاشهر القلیلة الماضیة ویعد هذا مؤشر جید علی مستقبل هذه العلاقات التي تربط البلدین منذ تاریخ طویل".

واللافت ان صالحي اختار ان يغادر القاهرة مباشرة الى دمشق ليلتقي الرئيس السوري بشار الاسد ويضعه في اجواء لقاء القاهرة ويؤكد له موقف طهران الداعم للاصلاحات التي بداها استجابة للمطالب الشعبية وايضا سعيه وجهوده لاستعادة الامن، كما سمع الوزير الايراني من الرئيس الاسد انفتاح بلاده في التعامل مع كل المبادرات التي طرحت لإيجاد حل للأزمة، معتبرا ان الحرب الحالية لا تستهدف سوريا فقط انما منظومة المقاومة في المنطقة كلها، مشيرا إلى أن "مفتاح نجاح أي مبادرة هو النيّات الصادقة لمساعدة سوريا وبناء هذه المبادرات على أسس صحيحة تحترم السيادة السورية، وحرية قرار الشعب السوري، ورفض التدخل الخارجي". وهذه الثلاثية هي جزء من ثوابت المبادرة المصرية، بما يعني ان هناك قواسم مشتركة في الخطابين المصري والسوري بمعزل عن التصريحات المرتفعة اللهجة التي تصدر بين الحين والآخر، مع الاشارة الى أن اعراض مصر عن الاعمال الاجرائية العنفية ضد النظام في سوريا، واكتفائها بمواقف سياسية يتيح لها اكثر من غيرها ان تستمر في مبادرتها رغم العقبات الاميركية والاسرائيلية والعربية والتركية التي ستوضع في طريقها، لكن قدراً من التنسيق المصري العالي مع الصين وايران وايضا روسيا يمكن ان يحشر الاخرين _واشنطن وحلفاؤها_ في الزاوية ويدفعهم الى قبول حلول لا يريدونها في نهاية المطاف.


عبد الحسين شبيب
2012-09-24