ارشيف من :أخبار لبنانية

الرصاص باتجاه عون والإصابات بين فريق 14 آذار

الرصاص باتجاه عون والإصابات بين فريق 14 آذار



حسين حمية

بدا أن حادثة إطلاق النار على الموكب الوهمي للعماد ميشال عون في صيدا، أصابت فريق 14 آذار وخصوصاً مسيحييه إصابات بليغة، ففور شيوع النبأ، سارع هذا الفريق إلى استنفار إعلامي، وعلت صرخاتهم في مختلف وسائل الإعلام لتسخيف القصة ونسفها. ففي أول الأمر نفوا حدوث الواقعة من أساسها، لكن بعد إظهار الثقب في باب إحدى سيارات الموكب، تراجعوا عن النفي وسلّموا بحصول الواقعة لكن اعتبروها مسرحية، ثم ما لبثت أن ربطت السنتهم (البعض منها) بانتظار التحقيق، بعد تأكيد وزير الداخلية مروان شربل مستنداً إلى تقرير أمني تعرض الموكب المذكور لإطلاق النار.

لقد تصرف فريق 14 آذار بالأمس بهستيريا امتزجت فيها الأنانية والشخصانية بالحقد والرعونة، وهي ليست المرة الأولى التي يتعاطى فيه هذا الفريق مع العماد عون بهذا الشكل منذ الافتراق السياسي بين الطرفين في انتخابات ال2005، فمنذ ذلك التاريخ تحول عون إلى هدف يومي لهذا الفريق وإعلامه، وتم تناوله بطريقة مؤذية تقوم على تلفيق الإشاعات ونسج الأكاذيب وتزوير الأحداث والتواريخ واستخدام التشهير، ما اضطر التيار الوطني الحر للجوء إلى القضاء في أكثر من مناسبة لوضع حد لهذه الحملة الممنهجة على زعيمه، وقد ربح بعض الدعاوى، فيما هناك قسم منها معلق لم يجر البت فيه.

قيل في العماد عون في إعلام 14 آذار ما لا يقال في عدو، أو حتى في إسرائيل التي دمرت لبنان في عدوانها في عام 2006، وتم تفريغ "أدباء" في البذاءة والشتم لهذه المهمة الدنيئة، وهي مهمة يكشف بعض خيوطها في ما نشر من وثائق ويكيليكس، لجهة إزاحة العماد عون عن الزعامة المسيحية عقاباً له على تحالفه مع المقاومة، واقتلاعه من وجدان الناس ومن ثم اغتياله شعبياً وسياسياً.
اتهموه بشهوة السلطة وكأنهم هم متطوعون لوجه الله، وقالوا عنه إنه ماخوذ بطموحه الرئاسي في حين غيره تسول التأييد لترشيحه في السفارات واللوبيات الدولية، وتحدثوا عن تفرده الحزبي وهم يترأسون أحزابهم منذ عقود ويورثونها أولادهم، وأخذوا عليه علاقته مع سوريا علماً أنه خاصمها أثناء وجودها في لبنان وصالحها بعد خروجها منه، بينما هم استزلموا لها عندما كانت في بيروت واستأسدوا عليها لما غادرته.

من حيث المنطق والعقل وما درجت عليه الأمور، كان المفترض في قوى 14 آذار انتظار اكتمال جلاء ملابسات ما يحيط بحادثة إطلاق النار، أو البناء على مقتضى الرواية الرسمية والانطلاق منها للنفي أو للتوصيف او التحليل، لكن هناك أكثر من سبب لهذا التسرع، وهي أسباب تعود إلى الظروف الذاتية لهذا الفريق وعدم قدرته على مجاراة التحولات والتبدلات التي تدور من حوله.
لقد اعتاد هذا الفريق على تحقيق الكسب السياسي من خلال تصويره للعبة السياسية في لبنان على أنها بين جلاد وضحية، وهو دائماً يناط به دور الضحية كونه داعية حداثة (كما يزعم) في مواجهة جماعة متخلفة أو كونه مناضلاً في وجه قوى ظلامية، أو حاملاً لمشروع دولة مقابل مشاريع الدويلات. وما جعله متمسكاً بثنائية الجلاد والضحية وجدواها، أنه في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري نجح في استثمار هذه اللعبة بالتضليل الإعلامي والتدخل الخارجي. من هنا يجد صعوبة في التنازل عن احتكار دور الضحية، لأن فقدانه يؤدي إلى انسداد أبواب الارتزاق السياسي خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.

أمر آخر، ولذات الاسباب الانتخابية، تتضاءل آمال هذا الفريق في ظل الحكومة الحالية في الاحتفاظ بقوته النيابية الحالية، وهو منذ نحو السنة ينصب لها مكائد لدفعها للاستقالة عبر الشارع، وإذ فشل، فإنه يعوّل اليوم على إسقاطها عبر الضغوط الدولية، بالترويج أنها غير مؤهلة لإجراء الانتخابات لعدم حياديتها أو لتهاونها في أمن المعارضة بعدم تسليم كامل الداتا للأجهزة الأمنية، في وقت يتعرض قادة هذه المعارضة لمحاولات اغتيال كما زعم رئيس حزب القوات سمير جعجع أو النائب بطرس حرب أو ما يحكى عن لوائح اغتيال لشخصيات لبنانية. طبعاً حادثة إطلاق النار على موكب عون تعطّل مثل هذا السيناريو، وتفتح أعين الدول الغربية على أخطار تأتي من جهات أخرى (معادية لـ 8 آذار) غير تلك التي يتحدث عنها فريق 14 آذار.
مع أن خصومات عون السياسية واسعة نسبياً، نظراً لأدائه السياسي البعيد عن المراوغات والمساومات والذي يضعه في مواجهة دائمة مع كامل الطبقة السياسية اللبنانية بما في ذلك بعض حلفائه، إلا أن هناك قوى طائفية متطرفة تبالغ في عداوتها لزعيم التيار الوطني (منها من هدده بالتصفية)، وقد اسهم خطاب 14 آذار في تثبيت هذه العداوة، عندما صوّر عون عدواً للسنّة بسبب تحميله الحريريين تبعات الأزمات الاقتصادية في لبنان، وعليه، سواء أكانت حادثة إطلاق النار على موكب عون محاولة اغتيال أم رسالة له، كلا الأمرين سيضاعف من وتيرة القلق عند المسيحيين في لبنان وسوريا، في وقت تعيش هذه الجماعة هواجس ما حل بمسيحيي العراق وما يتهدد أقباط مصر، وهذا ما تتغاضى عنه قوى 14 آذار التي حاولت تنويم المسيحيين على حرير التحالف الغربي مع الجماعات التكفيرية.

كشفت حادثة صيدا مدى تهور فريق 14 آذار في تعاطيه مع الأحداث الجسام التي تدور في المنطقة وخصوصاً في سوريا، وهو تهور ناجم عن تقديمه مصالحه الذاتية وحساباته الفئوية على أي اعتبار آخر، إضافة إلى استخدامه التضليل والتزوير للتستر على عقم رهاناته. وإذا كان التحامل على العماد عون في السابق يمكن صرفه في كسب بعض المقاعد النيابية والوزارية، غير أنه في هذه اللحظة سيكون له معنى آخر مختلف كلياً، وهذا ما يوجب على مسيحيي 14 آذار الإقلاع عن لعب دور الضحية.
2012-09-25