ارشيف من :آراء وتحليلات
المشترك والخاص بين زيارة البابا والتحركات المنددة بالإساءة الى الرسول محمد (ص)
الإساءة الأخيرة للرســـــول الأكرم (ص) تشكل دعوة مشتركة لكل حريص على قيم السماء ومبادئها وشرائعها من أجل دفعة موحدة تكون قادرة على ردع ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه التطاول على المقدسات الدينية |
ثمة ما هو مشترك وما هو خاص بين حدث زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى لبنان، والتحركات التي عمت تقريباً العالمين العربي والاسلامي احتجاجاً وتنديداً بالاساءة المخططة والمبرمجة في الغرب عموماً والولايات المتحدة تحديداً لشخص الرسول الأكرم (ص) ومن خلاله لكرامة وعزة بل لمجمل الشخصية المعنوية للاسلام والمسلمين في كل انحاء المعمورة، وهي اساءة مكملة في العمق لكل عملية الاستعمار المادي والرمزي من قبل الغرب لعالمنا العربي والاسلامي معاً.
يأتي رأس الكنيسة الغربية من روما حاملاً معه دعوة ورسالة بالغة الأهمية للتعايش الاسلامي ـ المسيحي، ويخصص لبنان بالذات ليكون المنبر الذي يطلق منه هذه الرسالة، وهو التخصيص الثاني من قبل الفاتيكان خلال خمسة عشر عاماً، حيث زار لبنان عام 1997 البابا يوحنا بولس الثاني، وهذا أمر لافت لأن يخصص بلد صغير كلبنان بهذا المستوى من الاهتمام الفاتيكاني، واذا كان من قاسم مشترك بين دوافع وأهداف الزيارتين، فهو التالي:
أ ـ توفير أعلى احتضان روحي للمسيحيين في لبنان ومنه في المنطقة كعملية اسناد لوجودهم وموقعهم ودورهم، وكرافعة لهم في حالات الاحباط التي كانوا يشعرون بها بفعل الظروف التي مروا بها بعيد دخول لبنان مرحلة تطبيق الطائف.
ب ـ تلمس التهديدات او مؤشرات التهديد الآخذة في التشكل في أفق المنطقة بفعل صعود المد السلفي التكفيري على نحو خاص، هذا المد الذي سيأخذ أبعاده الكاملة بعد حدث 11 أيلول والاجتياح الاميركي للعراق.
قد تكون في زيارة البابا يوحنا خصوصية لبنانية أكثر من زيارة البابا بنديكتوس الحالية، حيث لا يبدو المسيحيون اللبنانيون في موقع المحبط سياسياً على الصعيد الداخلي، إلا أن هذا لا يلغي الخصوصية المشتركة بين مسيحيي لبنان والمشرق عموماً والتي تقلق الفاتيكان والمتمثلة بالتهديد العملي للوجود المسيحي في المشرق الآتي في الحقيقة من مصدرين يكمل أحدهما الآخر:
الأول: ويتمثل بالسياسات العدوانية الاميركية ـ الصهيونية اتجاه المنطقة وشعوبها، والثاني: يتمثل بالدور التدميري الذي تمارسه الاتجاهات السلفية التكفيرية ليس فقط بحق الأقليات، بل بحق المسلمين المختلفين معها، وبالتالي بحق مجتمعاتها عموماً.
هنا لا يعاني المسيحيون لوحدهم من هذا الخطر، وان كان شعورهم بالخطر أكبر ربما لكونهم أقليات، كما هو شعور باقي الأقليات التي تحاول بدورها أن توجد سبل ووسائل حفظ نفسها في ظل مائدة نار الفتن التي ينفخ فيها الغرب تحديداً وادواته من المنطقة، وفي ظل الاقتراب المتزايد لهذه النار من لبنان، والتي يعمل أطراف لبنانيون ومنهم مسيحيون على تعجيل اقحام لبنان فيها، وتحديداً مسيحيي الرابع عشر من آذار.
من نافل القول هنا، ان اختيار البابا لبنان لتوجيه رسائله لا يأتي مصادفة، وإنما لكون لبنان يبقى يشكل عصب المسيحية المشرقية،بل وكعبة المسيحيين في المنطقة. ولذا، كان في الأهمية بمكان تظهير هذه المشاركة المهمة مسيحياً ووطنياً في لقاء البابا، في مسعى واضح لتأكيد رسالتين: رسالة التعايش الاسلامي ـ المسيحي التي ركز عليها البابا كثيراً. ورسالة ابراز الواقع المسيحي كقيمة مغلبة وحاضرة لا كقيمة اضافية.
في المقابل كان يسجل مشهد آخر في المنطقة عموماً ولبنان تحديداً، وهو مشهد كان يتحرك على وقع ردود الفعل الشعبية المتنوعة على الفيلم المسيء لشخص الرسول الأكرم محمد (ص) وهنا نسجل جملة ملاحظات أبرزها:
أولاً: ان الفيلم كسيناريو وكاخراج وتنفيذ وتمويل وتمثيل منتج غربي ـ صهيوني عموماً واميركي تحديداً.
ثانياً: جرى اشراك مسيحيين اقباط متطرفين فيه، والمخاطب هنا بهذا الاشراك على نحو خاص الواقع المصري، ومنه الواقع العربي والاسلامي عموماً.
ثالثاً: جرى عرض توقيت الفيلم ـ بمعزل عما اذا كان هذا الأمر صدفة ام لا لأن ما يهمنا هنا النتائج والتداعيات، مع زيارة البابا الى لبنان.
رابعاً: سجلت ردود فعل اسلامية مختلفة على الفيلم منها ما اتخذ طابعا عنفيا، ومنها ما اتخذ طابعا سلميا وحضاريا الى أبعد الحدود.
خامساً: ان الفيلم سقط على واقع اسلامي يتشكل من تيارات مختلفة منها ما هو تكفيري يلغي الآخر حتى بالمعنى المادي ومنها ما هو أقل من ذلك، ومنها ما هو عقلاني، معتدل... الخ... من الأوصاف والنعوت.
سادساً: لقد سجلت ردود فعل مسيحية مهمة على الفيلم سواء في مصر أم في لبنان، أم غيرهما من البلدان العربية، وهي مواقف شاحبة ومنددة ورافضة.
تقودنا هذه الملاحظات الى التالي:
أولاً: ان أول من حاول قتل كل نتائج زيارة البابا الى لبنان واحتواء رسالته، ووضع حد لها، هو الغرب عموماً والولايات المتحدة تحديداً. وهي محاولة تؤكد بأن هناك بونا واسعا بين حرص الفاتيكان على المسيحيين في المنطقة، وحرص الولايات المتحدة على مصالحها فقط بمعزل عمن يمكن ان يدفع أثمانها.
ثانياً: يترتب على الاستنتاج الآنف استنتاج آخر لا يقل أهمية، وهو ما كان ينقض مواقف الفاتيكان أصلاً، وهو أنه لا يكفي الدعوة الى التعايش والشراكة الاسلامية ـ المسيحية بدون العمل على توفير كل العوامل المنغصة أو المهددة لها، وأبرزها السياسات الاستعمارية الغربية في المنطقة، ووجود الكيان الاسرائيلي، وهنا يمكن للفاتيكان كممثل لأكبر تكتل مسيحي في العالم أن يمارس دوراً ضاغطاً مهماً لنصرة القضايا المحقة للشعوب، والوقوف في وجه الظلم والطغيان والاحتلالات المنظمة والناهبة للمنطقة. ان مصدر الخطر الأول على المسيحيين في المنطقة هو الولايات المتحدة والكيان الصهيوني قبل أي طرف آخر. وهذه يجب ان تشكل احد التقاطعات الكبرى الاسلامية ـ المسيحية، ولم يكن بدعاً ان تضع تظاهرة الضاحية التي نظمها حزب الله في الضاحية الجنوبية تنديداً بالاساءة الى الرسول الأكرم محمد (ص) عنواناً مركزياً لها، وعدواً واحداً هو الولايات المتحدة، مشخصة للجميع العدو الحقيقي الذي لا يريد ان تلتقي كل مكوناته على كلمة واحدة.
وهنا لا بد من الاشارة الى أن الموقف الذي تبناه الفاتيكان في سوريا كان مهماً لأن يذهب باتجاه الأسباب التي تعزز الفتنة هناك، وتهدد سوريا بحرب أهلية لا هوادة فيها، لأنه يدرك أن لبنان أقرب ما يكون الى سوريا، وأن منع امتداد النار الى لبنان لا يكون الا من خلال اطفائها في مهدها، أي في سوريا.
خلاصة القول هنا، المطلوب اليوم أكثر من دعوة الى تعايش وشراكة أو شركة اسلامية ـ مسيحية، المطلوب عمل مشترك يشخص مصدر الخطر، ويتعامل مع أسبابه بالوسائل اللازمة لايجاد المظلة القوية الحاضنة، والركائز القوية لأي تعايش او شراكة اسلامية ـ مسيحية.
ثالثاً: اذا كان الاستنتاج الأول يذهب باتجاه توفير الشروط الضرورية الخارجية لإيجاد الأرضية المشتركة الصلبة للتعايش الاسلامي ـ المسيحي، فثمة عمل مشترك اسلامي ـ مسيحي يؤسس لنتائج مهمة على صعيد توفير الأرضية الداخلية لهذا التعايش ويتمثل برد فعل موحد وعلى كل المستويات وفي كل الاتجاهات من أجل وضع حد نهائي لكل اساءة تمس الديانات المقدسة وتسيء الى أهلها، وهنا لا فرق خصوصاً بين الديانات الكبرى الاسلامية والمسيحية واليهودية.
ان الاساءة الأخيرة للرسول الأكرم (ص) تشكل دعوة مشتركة لكل حريص على قيم السماء ومبادئها وشرائعها من أجل دفعة موحدة تكون قادرة على ردع ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه التطاول على المقدسات الدينية.
يأتي رأس الكنيسة الغربية من روما حاملاً معه دعوة ورسالة بالغة الأهمية للتعايش الاسلامي ـ المسيحي، ويخصص لبنان بالذات ليكون المنبر الذي يطلق منه هذه الرسالة، وهو التخصيص الثاني من قبل الفاتيكان خلال خمسة عشر عاماً، حيث زار لبنان عام 1997 البابا يوحنا بولس الثاني، وهذا أمر لافت لأن يخصص بلد صغير كلبنان بهذا المستوى من الاهتمام الفاتيكاني، واذا كان من قاسم مشترك بين دوافع وأهداف الزيارتين، فهو التالي:
أ ـ توفير أعلى احتضان روحي للمسيحيين في لبنان ومنه في المنطقة كعملية اسناد لوجودهم وموقعهم ودورهم، وكرافعة لهم في حالات الاحباط التي كانوا يشعرون بها بفعل الظروف التي مروا بها بعيد دخول لبنان مرحلة تطبيق الطائف.
ب ـ تلمس التهديدات او مؤشرات التهديد الآخذة في التشكل في أفق المنطقة بفعل صعود المد السلفي التكفيري على نحو خاص، هذا المد الذي سيأخذ أبعاده الكاملة بعد حدث 11 أيلول والاجتياح الاميركي للعراق.
قد تكون في زيارة البابا يوحنا خصوصية لبنانية أكثر من زيارة البابا بنديكتوس الحالية، حيث لا يبدو المسيحيون اللبنانيون في موقع المحبط سياسياً على الصعيد الداخلي، إلا أن هذا لا يلغي الخصوصية المشتركة بين مسيحيي لبنان والمشرق عموماً والتي تقلق الفاتيكان والمتمثلة بالتهديد العملي للوجود المسيحي في المشرق الآتي في الحقيقة من مصدرين يكمل أحدهما الآخر:
الأول: ويتمثل بالسياسات العدوانية الاميركية ـ الصهيونية اتجاه المنطقة وشعوبها، والثاني: يتمثل بالدور التدميري الذي تمارسه الاتجاهات السلفية التكفيرية ليس فقط بحق الأقليات، بل بحق المسلمين المختلفين معها، وبالتالي بحق مجتمعاتها عموماً.
هنا لا يعاني المسيحيون لوحدهم من هذا الخطر، وان كان شعورهم بالخطر أكبر ربما لكونهم أقليات، كما هو شعور باقي الأقليات التي تحاول بدورها أن توجد سبل ووسائل حفظ نفسها في ظل مائدة نار الفتن التي ينفخ فيها الغرب تحديداً وادواته من المنطقة، وفي ظل الاقتراب المتزايد لهذه النار من لبنان، والتي يعمل أطراف لبنانيون ومنهم مسيحيون على تعجيل اقحام لبنان فيها، وتحديداً مسيحيي الرابع عشر من آذار.
من نافل القول هنا، ان اختيار البابا لبنان لتوجيه رسائله لا يأتي مصادفة، وإنما لكون لبنان يبقى يشكل عصب المسيحية المشرقية،بل وكعبة المسيحيين في المنطقة. ولذا، كان في الأهمية بمكان تظهير هذه المشاركة المهمة مسيحياً ووطنياً في لقاء البابا، في مسعى واضح لتأكيد رسالتين: رسالة التعايش الاسلامي ـ المسيحي التي ركز عليها البابا كثيراً. ورسالة ابراز الواقع المسيحي كقيمة مغلبة وحاضرة لا كقيمة اضافية.
في المقابل كان يسجل مشهد آخر في المنطقة عموماً ولبنان تحديداً، وهو مشهد كان يتحرك على وقع ردود الفعل الشعبية المتنوعة على الفيلم المسيء لشخص الرسول الأكرم محمد (ص) وهنا نسجل جملة ملاحظات أبرزها:
أولاً: ان الفيلم كسيناريو وكاخراج وتنفيذ وتمويل وتمثيل منتج غربي ـ صهيوني عموماً واميركي تحديداً.
ثانياً: جرى اشراك مسيحيين اقباط متطرفين فيه، والمخاطب هنا بهذا الاشراك على نحو خاص الواقع المصري، ومنه الواقع العربي والاسلامي عموماً.
ثالثاً: جرى عرض توقيت الفيلم ـ بمعزل عما اذا كان هذا الأمر صدفة ام لا لأن ما يهمنا هنا النتائج والتداعيات، مع زيارة البابا الى لبنان.
رابعاً: سجلت ردود فعل اسلامية مختلفة على الفيلم منها ما اتخذ طابعا عنفيا، ومنها ما اتخذ طابعا سلميا وحضاريا الى أبعد الحدود.
خامساً: ان الفيلم سقط على واقع اسلامي يتشكل من تيارات مختلفة منها ما هو تكفيري يلغي الآخر حتى بالمعنى المادي ومنها ما هو أقل من ذلك، ومنها ما هو عقلاني، معتدل... الخ... من الأوصاف والنعوت.
سادساً: لقد سجلت ردود فعل مسيحية مهمة على الفيلم سواء في مصر أم في لبنان، أم غيرهما من البلدان العربية، وهي مواقف شاحبة ومنددة ورافضة.
تقودنا هذه الملاحظات الى التالي:
أولاً: ان أول من حاول قتل كل نتائج زيارة البابا الى لبنان واحتواء رسالته، ووضع حد لها، هو الغرب عموماً والولايات المتحدة تحديداً. وهي محاولة تؤكد بأن هناك بونا واسعا بين حرص الفاتيكان على المسيحيين في المنطقة، وحرص الولايات المتحدة على مصالحها فقط بمعزل عمن يمكن ان يدفع أثمانها.
ثانياً: يترتب على الاستنتاج الآنف استنتاج آخر لا يقل أهمية، وهو ما كان ينقض مواقف الفاتيكان أصلاً، وهو أنه لا يكفي الدعوة الى التعايش والشراكة الاسلامية ـ المسيحية بدون العمل على توفير كل العوامل المنغصة أو المهددة لها، وأبرزها السياسات الاستعمارية الغربية في المنطقة، ووجود الكيان الاسرائيلي، وهنا يمكن للفاتيكان كممثل لأكبر تكتل مسيحي في العالم أن يمارس دوراً ضاغطاً مهماً لنصرة القضايا المحقة للشعوب، والوقوف في وجه الظلم والطغيان والاحتلالات المنظمة والناهبة للمنطقة. ان مصدر الخطر الأول على المسيحيين في المنطقة هو الولايات المتحدة والكيان الصهيوني قبل أي طرف آخر. وهذه يجب ان تشكل احد التقاطعات الكبرى الاسلامية ـ المسيحية، ولم يكن بدعاً ان تضع تظاهرة الضاحية التي نظمها حزب الله في الضاحية الجنوبية تنديداً بالاساءة الى الرسول الأكرم محمد (ص) عنواناً مركزياً لها، وعدواً واحداً هو الولايات المتحدة، مشخصة للجميع العدو الحقيقي الذي لا يريد ان تلتقي كل مكوناته على كلمة واحدة.
وهنا لا بد من الاشارة الى أن الموقف الذي تبناه الفاتيكان في سوريا كان مهماً لأن يذهب باتجاه الأسباب التي تعزز الفتنة هناك، وتهدد سوريا بحرب أهلية لا هوادة فيها، لأنه يدرك أن لبنان أقرب ما يكون الى سوريا، وأن منع امتداد النار الى لبنان لا يكون الا من خلال اطفائها في مهدها، أي في سوريا.
خلاصة القول هنا، المطلوب اليوم أكثر من دعوة الى تعايش وشراكة أو شركة اسلامية ـ مسيحية، المطلوب عمل مشترك يشخص مصدر الخطر، ويتعامل مع أسبابه بالوسائل اللازمة لايجاد المظلة القوية الحاضنة، والركائز القوية لأي تعايش او شراكة اسلامية ـ مسيحية.
ثالثاً: اذا كان الاستنتاج الأول يذهب باتجاه توفير الشروط الضرورية الخارجية لإيجاد الأرضية المشتركة الصلبة للتعايش الاسلامي ـ المسيحي، فثمة عمل مشترك اسلامي ـ مسيحي يؤسس لنتائج مهمة على صعيد توفير الأرضية الداخلية لهذا التعايش ويتمثل برد فعل موحد وعلى كل المستويات وفي كل الاتجاهات من أجل وضع حد نهائي لكل اساءة تمس الديانات المقدسة وتسيء الى أهلها، وهنا لا فرق خصوصاً بين الديانات الكبرى الاسلامية والمسيحية واليهودية.
ان الاساءة الأخيرة للرسول الأكرم (ص) تشكل دعوة مشتركة لكل حريص على قيم السماء ومبادئها وشرائعها من أجل دفعة موحدة تكون قادرة على ردع ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه التطاول على المقدسات الدينية.