ارشيف من :آراء وتحليلات
إسبانيا تسير نحو المجهول
صوفيا ـ جورج حداد*
لا تزال احداث المصادمات بين المتظاهرين والشرطة التي جرت الاسبوع الماضي حول البرلمان الاسباني في مدريد، لا تزال تتفاعل فصولا على خلفية الازمة الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية المفتوحة في اسبانيا.
وقد اتهم المتظاهرون الشرطة باللجوء الى استخدام العنف لمنع المتظاهرين الذين يطلقون على انفسهم تسمية "الغاضبين" (Indignados) من احتلال البرلمان تحت شعار "احتلوا البرلمان" (Ocupa el Congreso). وقد اصيب عشرات الاشخاص بجروح بينهم اكثر من عشرين شرطيا، كما تم اعتقال العشرات ايضا. واستخدمت الشرطة العصي والطلقات المطاطية لمنع الجمهور من اقتحام البرلمان. وقدرت الشرطة عدد المتظاهرين بـ 6000 شخص، ولكن منظمي التظاهرة يقدرون العدد بعدة اضعاف هذا العدد. وقالت "البي بي سي" ان احد مواقع التواصل الاجتماعي الذي اسهم في الدعوة الى المظاهرة يقول "لقد انتزعوا الديمقراطية، ونحن حاولنا استعادتها".
وفي هذا الوقت فإن التدابير التقشفية الجديدة لاجل مواجهة الازمة التي اعلنت عنها الحكومة، تأتي في وقت بلغت فيه البطالة في اسبانيا نسبة 25%، وفي صفوف الشبان فهي حوالى 50%.
وتعتزم الحكومة الاستمرار في تطبيق التخفيضات في نفقات الميزانية المتعلقة بالخدمات الاجتماعية، بهدف التوصل الى تخفيض دين الدولة. وقد اثار ذلك الاستياء اكثر ما يكون في مختلف المحافظات التي تطالب مدريد بأن تقدم لها المساعدة المالية.
وحتى الامس القريب فإن الازمة الاقتصادية قد أدت فقط الى اسقاط بعض الحكومات الاوروبية. اما الان، واخذا بالحسبان اسبانيا، فإن الازمة اخذت تهدد وحدة البلاد. لقد وجدت اسبانيا نفسها في عداد البلدان الأولى التي توجب عليها الصراع من اجل الاحتفاظ باليورو. اما الان فإنها تجد نفسها تواجه خطر تفكيك الوحدة الوطنية وانفصال بعض الاقاليم. فأزمة انفجار الميول القومية في كاتالونيا، تبين ان هناك خطرا من أن تتحول الى أزمة دستورية، ليست اقل جدية من المشكلات المالية لمدريد وهي مرتبطة تماما بتلك المشكلات. وهكذا فإن ما يحدث الآن في اسبانيا، تجري متابعته باهتمام في بلجيكا، بريطانيا وايطاليا، التي توجد فيها ايضا محافظات أوتونومية (ذات حكم ذاتي) وتطمح هي ايضا الى الانفصال.
فمحافظة كاتالونيا، التي تنتج 1/5 من الناتج الداخلي القائم لاسبانيا، بدأت الان تطالب بالاستقلال. وكانت قد جرت في 11 ايلول/سبتمبر الماضي مظاهرة ضخمة في برشلونة شارك فيها 1،5 متظاهر طالبوا بالاستقلال، وقد ايد رئيس الحكومة المحلية ارتور ماس المتظاهرين قائلا "هذا لا يمكن تجاهله. ان كاتالونيا تحتاج الى دولة".
وحسب استطلاع للرأي جرى مؤخرا أيد 51% من الكاتالونيين انفصال كاتالونيا عن اسبانيا. والاستياء الاكبر في المحافظة يتأتى، حسب رأي السكان، من التوزيع غير العادل للمداخيل من الضرائب، حيث يجري تجفيف مالي للمحافظة التي تقدم 10% من الناتج الداخلي القائم فيها لتمويل المحافظات الأخرى الاكثر فقرا في اسبانيا. وحسب رأي الكاتالونيين فإنهم يدفعون من الضرائب، 16 مليار يورو اكثر مما يتم انفاقه من قبل الحكومة المحلية. وهناك شعور متعاظم بأن كاتالونيا تعطي كثيرا وتأخذ قليلا، وان هناك عدم تناسب في توزيع المداخيل. وهذا ما يجعل المحافظة بالرغم من غناها تحتاج الى طلب مساعدة من الحكومة المركزية بمبلغ 5 مليارات يورو. ويؤكد جوردي باكر، مدير مركز(CIDOB) "الحقيقة ان الناس الذين خرجوا الى المظاهرات، يريدون الاستقلال التام، وليس فقط سياسة حكم ذاتي مالي". وهو يؤكد ان هذه الميول موجودة منذ عشرات السنين، ولكن الكاتالونيين كانوا يعتقدون انه من الممكن ان يكونوا امة مستقلة في اطار دولة موحدة. ولكن هذا قد تغير الان. واوجز الاسباب في ما يلي "يوجد ثلاثة اسباب لنمو التوجه نحو الانفصال: فشل الاصلاح الهادف الى توسيع الاستقلال الذاتي، عجز اسبانيا عن معالجة الازمة، والشعور بأن كاتالونيا تقدم كثيرا جدا، وتحصل على القليل جدا من الحكومة المركزية".
ان رفض راخوي لاجراء تغيير في العلاقات بين المركز والمحافظات دفع رئيس الحكومة المحلية ارتور ماس للدعوة الى اجراء انتخابات محلية سابقة لاوانها في 25 تشرين الثاني القادم. وحسب رأي المحللين فهي ستكون بمثابة استفتاء على مطالبته بتطبيق استقلال ذاتي اكبر. ويرشح من التوقعات ان حزبه اليمين الوسط "التقارب والاتحاد" (CiU) سوف يحصل على الاغلبية المطلقة، ما يعزز مواقع المطالبين بالاستقلال. ويقول ماس "آن الاوان لتقبل المخاطرة. لو كانت محافظتنا دولة مستقلة، لكنا الان احدى الدول الخمسين الاكثر تصديرا في العالم. اذا لم يتم التفاهم على المسائل الاقتصادية فإن باب الحرية هو مفتوح". ويستعرض بول بريستين الخبير باسبانيا في London School of Economics ان ازمة كاتالونيا "في المدى القصير سوف لن تساعد، بل هي ستزيد فقدان الثقة بمستقبل اسبانيا".
ولكن ما دام ان السياسيين الاسبان لا يستطيعون ان يطرحوا مستقبلا افضل امام الناس، فمن المرجح ان المزيد من الكاتالونيين سوف ينظرون الى الاستقلال بوصفه مخرجا من الوضع الحالي.
ويبدو ان ادارة البلاد بدأت تنزلق من يدي رئيس الوزراء ماريانو راخوي. فهو، وعلى خلفية الاحتجاجات الشديدة في مدريد وكافة انحاء البلاد، والغرق في الركود والبطالة القياسية، لا يزال يصر على ان اسبانيا لا تحتاج الى المساعدة الدولية. وهو يرفض النداءات بهذا الخصوص من قبل مديري البنوك المحليين وزعماء فرنسا وايطاليا، بحجة ان المساعدة الدولية ستكون مرفقة بشروط اضافية تحت شكل برنامج اقتصادي موضوع في بروكسل. ولكن بدون ذلك فإن البنك المركزي الاوروبي لن يقدم على ان يشتري كميات غير محدودة من السندات الاسبانية وبذلك العمل على خفض الفوائد على السندات الى مستويات مقبولة. وقد قرر الاتحاد الاوروبي ان يصرف 100 مليار يورو لمساعدة البنوك الاسبانية، ولكن توجد تخوفات من ان هذا لن يكفي وان مدريد ستحتاج الى المزيد من الدعم.
وفي حين ان الالوف يتظاهرون حول البرلمان في مدريد ضد سياسة التقشف، فإن رئيس الوزراء راخوي اعلن عن تخفيضات جديدة في ميزانية 2013. واكد رئيس الوزراء انه سينفذ التعهدات التي قطعها امام المفوضية الاوروبية ( ومنها مثلا عجز ميزانية بنسبة 6،3% فقط لهذه السنة) والاخذ بالاعتبار توصية المفوضية الاوروبية بايجاد مراقبة مالية مستقلة جديدة. وذلك بهدف استعادة ثقة المستثمرين.
ومنذ ايام نشرت جريدة Financial Times تحليلا للاوضاع في اسبانيا جاء فيه ان انتقال الاستياء الى شوارع مدريد، والميول الانفصالية في كاتالونيا هي تحذير من انه اذا لم يتم ايجاد طريقة لان يبدأ الاقتصاد الاسباني بالنمو مجددا، فإن البلاد يمكن ان تتأرجح في اتجاه محفوف بالخطر.
لا تزال احداث المصادمات بين المتظاهرين والشرطة التي جرت الاسبوع الماضي حول البرلمان الاسباني في مدريد، لا تزال تتفاعل فصولا على خلفية الازمة الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية المفتوحة في اسبانيا.
وقد اتهم المتظاهرون الشرطة باللجوء الى استخدام العنف لمنع المتظاهرين الذين يطلقون على انفسهم تسمية "الغاضبين" (Indignados) من احتلال البرلمان تحت شعار "احتلوا البرلمان" (Ocupa el Congreso). وقد اصيب عشرات الاشخاص بجروح بينهم اكثر من عشرين شرطيا، كما تم اعتقال العشرات ايضا. واستخدمت الشرطة العصي والطلقات المطاطية لمنع الجمهور من اقتحام البرلمان. وقدرت الشرطة عدد المتظاهرين بـ 6000 شخص، ولكن منظمي التظاهرة يقدرون العدد بعدة اضعاف هذا العدد. وقالت "البي بي سي" ان احد مواقع التواصل الاجتماعي الذي اسهم في الدعوة الى المظاهرة يقول "لقد انتزعوا الديمقراطية، ونحن حاولنا استعادتها".
وفي هذا الوقت فإن التدابير التقشفية الجديدة لاجل مواجهة الازمة التي اعلنت عنها الحكومة، تأتي في وقت بلغت فيه البطالة في اسبانيا نسبة 25%، وفي صفوف الشبان فهي حوالى 50%.
وتعتزم الحكومة الاستمرار في تطبيق التخفيضات في نفقات الميزانية المتعلقة بالخدمات الاجتماعية، بهدف التوصل الى تخفيض دين الدولة. وقد اثار ذلك الاستياء اكثر ما يكون في مختلف المحافظات التي تطالب مدريد بأن تقدم لها المساعدة المالية.
وحتى الامس القريب فإن الازمة الاقتصادية قد أدت فقط الى اسقاط بعض الحكومات الاوروبية. اما الان، واخذا بالحسبان اسبانيا، فإن الازمة اخذت تهدد وحدة البلاد. لقد وجدت اسبانيا نفسها في عداد البلدان الأولى التي توجب عليها الصراع من اجل الاحتفاظ باليورو. اما الان فإنها تجد نفسها تواجه خطر تفكيك الوحدة الوطنية وانفصال بعض الاقاليم. فأزمة انفجار الميول القومية في كاتالونيا، تبين ان هناك خطرا من أن تتحول الى أزمة دستورية، ليست اقل جدية من المشكلات المالية لمدريد وهي مرتبطة تماما بتلك المشكلات. وهكذا فإن ما يحدث الآن في اسبانيا، تجري متابعته باهتمام في بلجيكا، بريطانيا وايطاليا، التي توجد فيها ايضا محافظات أوتونومية (ذات حكم ذاتي) وتطمح هي ايضا الى الانفصال.
فمحافظة كاتالونيا، التي تنتج 1/5 من الناتج الداخلي القائم لاسبانيا، بدأت الان تطالب بالاستقلال. وكانت قد جرت في 11 ايلول/سبتمبر الماضي مظاهرة ضخمة في برشلونة شارك فيها 1،5 متظاهر طالبوا بالاستقلال، وقد ايد رئيس الحكومة المحلية ارتور ماس المتظاهرين قائلا "هذا لا يمكن تجاهله. ان كاتالونيا تحتاج الى دولة".
وحسب استطلاع للرأي جرى مؤخرا أيد 51% من الكاتالونيين انفصال كاتالونيا عن اسبانيا. والاستياء الاكبر في المحافظة يتأتى، حسب رأي السكان، من التوزيع غير العادل للمداخيل من الضرائب، حيث يجري تجفيف مالي للمحافظة التي تقدم 10% من الناتج الداخلي القائم فيها لتمويل المحافظات الأخرى الاكثر فقرا في اسبانيا. وحسب رأي الكاتالونيين فإنهم يدفعون من الضرائب، 16 مليار يورو اكثر مما يتم انفاقه من قبل الحكومة المحلية. وهناك شعور متعاظم بأن كاتالونيا تعطي كثيرا وتأخذ قليلا، وان هناك عدم تناسب في توزيع المداخيل. وهذا ما يجعل المحافظة بالرغم من غناها تحتاج الى طلب مساعدة من الحكومة المركزية بمبلغ 5 مليارات يورو. ويؤكد جوردي باكر، مدير مركز(CIDOB) "الحقيقة ان الناس الذين خرجوا الى المظاهرات، يريدون الاستقلال التام، وليس فقط سياسة حكم ذاتي مالي". وهو يؤكد ان هذه الميول موجودة منذ عشرات السنين، ولكن الكاتالونيين كانوا يعتقدون انه من الممكن ان يكونوا امة مستقلة في اطار دولة موحدة. ولكن هذا قد تغير الان. واوجز الاسباب في ما يلي "يوجد ثلاثة اسباب لنمو التوجه نحو الانفصال: فشل الاصلاح الهادف الى توسيع الاستقلال الذاتي، عجز اسبانيا عن معالجة الازمة، والشعور بأن كاتالونيا تقدم كثيرا جدا، وتحصل على القليل جدا من الحكومة المركزية".
ان رفض راخوي لاجراء تغيير في العلاقات بين المركز والمحافظات دفع رئيس الحكومة المحلية ارتور ماس للدعوة الى اجراء انتخابات محلية سابقة لاوانها في 25 تشرين الثاني القادم. وحسب رأي المحللين فهي ستكون بمثابة استفتاء على مطالبته بتطبيق استقلال ذاتي اكبر. ويرشح من التوقعات ان حزبه اليمين الوسط "التقارب والاتحاد" (CiU) سوف يحصل على الاغلبية المطلقة، ما يعزز مواقع المطالبين بالاستقلال. ويقول ماس "آن الاوان لتقبل المخاطرة. لو كانت محافظتنا دولة مستقلة، لكنا الان احدى الدول الخمسين الاكثر تصديرا في العالم. اذا لم يتم التفاهم على المسائل الاقتصادية فإن باب الحرية هو مفتوح". ويستعرض بول بريستين الخبير باسبانيا في London School of Economics ان ازمة كاتالونيا "في المدى القصير سوف لن تساعد، بل هي ستزيد فقدان الثقة بمستقبل اسبانيا".
ولكن ما دام ان السياسيين الاسبان لا يستطيعون ان يطرحوا مستقبلا افضل امام الناس، فمن المرجح ان المزيد من الكاتالونيين سوف ينظرون الى الاستقلال بوصفه مخرجا من الوضع الحالي.
ويبدو ان ادارة البلاد بدأت تنزلق من يدي رئيس الوزراء ماريانو راخوي. فهو، وعلى خلفية الاحتجاجات الشديدة في مدريد وكافة انحاء البلاد، والغرق في الركود والبطالة القياسية، لا يزال يصر على ان اسبانيا لا تحتاج الى المساعدة الدولية. وهو يرفض النداءات بهذا الخصوص من قبل مديري البنوك المحليين وزعماء فرنسا وايطاليا، بحجة ان المساعدة الدولية ستكون مرفقة بشروط اضافية تحت شكل برنامج اقتصادي موضوع في بروكسل. ولكن بدون ذلك فإن البنك المركزي الاوروبي لن يقدم على ان يشتري كميات غير محدودة من السندات الاسبانية وبذلك العمل على خفض الفوائد على السندات الى مستويات مقبولة. وقد قرر الاتحاد الاوروبي ان يصرف 100 مليار يورو لمساعدة البنوك الاسبانية، ولكن توجد تخوفات من ان هذا لن يكفي وان مدريد ستحتاج الى المزيد من الدعم.
وفي حين ان الالوف يتظاهرون حول البرلمان في مدريد ضد سياسة التقشف، فإن رئيس الوزراء راخوي اعلن عن تخفيضات جديدة في ميزانية 2013. واكد رئيس الوزراء انه سينفذ التعهدات التي قطعها امام المفوضية الاوروبية ( ومنها مثلا عجز ميزانية بنسبة 6،3% فقط لهذه السنة) والاخذ بالاعتبار توصية المفوضية الاوروبية بايجاد مراقبة مالية مستقلة جديدة. وذلك بهدف استعادة ثقة المستثمرين.
ومنذ ايام نشرت جريدة Financial Times تحليلا للاوضاع في اسبانيا جاء فيه ان انتقال الاستياء الى شوارع مدريد، والميول الانفصالية في كاتالونيا هي تحذير من انه اذا لم يتم ايجاد طريقة لان يبدأ الاقتصاد الاسباني بالنمو مجددا، فإن البلاد يمكن ان تتأرجح في اتجاه محفوف بالخطر.