ارشيف من :آراء وتحليلات

المؤسسات المالية العالمية تختلف حول طرق مواجهة الأزمة

المؤسسات المالية العالمية تختلف حول طرق مواجهة الأزمة
أعلن صندوق النقد الدولي دعمه لليونان الغارقة في الركود وإسبانيا الغارقة في الديون، ودعا الى منحهما المزيد من الوقت من أجل تخفيض عجز الميزانية لديهما. وحذر الصندوق من أن الاحجام الكبيرة جداً والسريعة لتخفيض النفقات يمكن أن تؤدي الى المزيد من الاضرار، لا ان تساعد.

ولكن المانيا أعلنت رفضها لهذا الطرح، بحجة ان التراجع عن الأهداف الموضوعة من اجل تخفيض الدين سوف يؤدي فقط الى تقويض الثقة بجميع الاجراءات الهادفة الى السيطرة على الأزمة. وحسبما نشرت "رويترز" ، فهذا يدل على وجود تناقض بين الصندوق وبين الدولة التي تعتبر المقرض الأكبر في اوروبا.

وصرح وزير المالية الالماني فولفانغ شويبليه "ان صندوق النقد الدولي يعلن باستمرار ان المديونية العامة هي مشكلة. وهكذا فحينما توجد قضايا متوسطة الأجل، لا يمكن أن نعتمد على الثقة حينما يأخذ البعض في الانحراف في وجهة اخرى".

ووصف شويبليه موقفه بتعبير مجازي: "عندما تصعد الى جبل، وفي لحظة ما تقرر العودة قليلاً الى أسفل، فإن الجبل يصبح أكثر علوًا".

المؤسسات المالية العالمية تختلف حول طرق مواجهة الأزمة

ونشر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي دراسة يقول فيها ان التدامج المالي سيكون له مفعول سلبي على نمو الاقتصاد أكثر مما كان يحسب حتى الآن. ويقول التقرير إنه منذ انفجار الأزمة فإن المضاعفات المالية كانت اكبر بثلاث مرات مما كانت عليه سنة 2009. وهذا يعني أن الاجراءات التقشفية يمكن أن تحمل اضراراً عميقة، ما يجعل من الأصعب على الاقتصاد ان يتخلص من عبء الدين.

واعلنت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد "بدلاً من ان يتم تكديس كل الصعوبات الآن، فإنه من الافضل احياناً ان يتم إعطاء المزيد من الوقت أخذاً بالاعتبار الظروف القائمة وواقع ان الكثير من الدول يمر في الوقت ذاته في سياسات واحدة تهدف الى تخفيض عجوزاتها". "هذا ما نوصي به البرتغال، وهذه هي نصيحتنا لإسبانيا، وهذا ما ندافع عنه فيما يخص اليونان، التي قلت مراراً بشأنها انها تحتاج الى سنتين إضافيتين، من أجل تنفيذ برنامج التدامج المالي الذي يجري بحثه الآن". ووصفت لاغارد بـ"المرعبة وغير المقبولة" مستويات البطالة في البلدان المأزومة، إذ توجد معلومات رسمية أن واحداً من كل اربعة أشخاص هو دون مدخول معاشي.

وفي الاسبوع الماضي منحت منطقة اليورو سنة إضافية للبرتغال ـ حتى سنة 2014 ـ كي تخفض عجز ميزانيتها الى ما دون السقف الموضوع من قبل الاتحاد الاوروبي وهو 3% من الناتج الداخلي القائم.

ويؤكد صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الإسباني والعديد من الاقتصاديين أن توقعات الحكومة الاسبانية لسنة 2013 متفائلة جداً، وهذا يزيد المخاطر من أن البلاد لن تستطيع التوصل الى تحقيق الأهداف المالية الموضوعة.

وحسب رأي مدريد فإن الاقتصاد الإسباني سوف ينكمش في السنة القادمة 0،5%، اما توقعات صندوق النقد الدولي فهي انه سينكمش تقريباً ثلاث مرات اكثر اي 1،3%.

ويظهر صندوق النقد الدولي مقداراً أقل من الصبر حيال أوروبا، حينما

يتعلق الامر بالجهود لأجل انشاء اتحاد مالي وبنكي اكثر قوة. ويعتبر الصندوق ان التقدم هو ضعيف جداً ويتهم بالتقاعس في رفع مستوى الامن الاقتصادي، وهو ما ينعكس سلباً على النمو العالمي.


ان ردود فعل الاسواق الناشئة تتميز بخيبة الامل، حينما ترى كيف ان مشكلات منطقة اليورو تصب في اقتصاداتها. ولا يزال صندوق النقد الدولي يتوقع ان هذه المجموعة من الدول سوف تشهد نمواً يزيد أربع مرات على نمو الدول المتطورة، ولكن بالنسبة لاثنتين من تلك الدول ـ وهي كبيرة الحجم، وهي البرازيل والهند ـ فقد جرى تخفيض التوقعات بشأنها بشكل ملحوظ. وقد صرح وزير المالية الهندي بالانيابان تشيدامبارام "ان على اوروبا ان تعمل معا لانجاز العمل. فما يحدث يؤثر على الدول النامية".

ويقول جيم يون كيم، رئيس البنك الدولي "ان الدول النامية، التي كانت محرك النمو، لن تكون محمية من نمو فقدان الامن في الاقتصاد العالمي. ان المعلومات الاقتصادية في الاسابيع الاخيرة هي معبرة. فكل طرف هو مهدد اثناء فترة فقدان الامن، ولكن الاطراف الأفقر تمتلك موارد اقل لكي تستطيع الاحتمال يوماً بعد يوم، هذا اذا كان لديها اصلاً مثل تلك الموارد".

وابدى صندوق النقد الدول خيبة امل من ان اوروبا لا تزال تعمل قطعة قطعة في الصراع ضد أزمة المديونية فيها، وحذر من أن الانخفاض الاخير في سعر القروض لبلدان مثل اسبانيا يمكن ان يكون حقا ذا تأثير قصير الأجل، اذا لم يعمد قادة منطقة اليورو الى وضع برنامج شامل ومقنع.

وفي تقريره الأخير حول الثبات المالي، اعلن صنوق النقد الدولي، انه دون اتخاذ تدابير سريعة، بما في ذلك تفعيل برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات، فإن العلاوة التي يريدها المقرضون، لاجل ان يدعموا الدين الاسباني او الايطالي، سوف تتضاعف. كما عمدت مؤخراً مؤسسة التصنيفات Standard & Poor's الى تخفيض تصنيف اسبانيا، ويمكن ان تلحق بها في اقرب وقت مؤسسة Moody's.

المؤسسات المالية العالمية تختلف حول طرق مواجهة الأزمة

واعلن صندوق النقد الدولي انه مستعد كي يساعد في البرنامج الاوروبي لانقاذ اسبانيا من الافلاس، في حال طلبت ذلك السلطات في مدريد. وحسبما أوردت "رويترز" فإن اسبانيا كانت مستعدة لان تخطو هذه الخطوة في شهر ايلول/سبتمبر الماضي، ولكن المانيا سدت عليها الطريق، لانها كانت تفضل تقديم مساعدة اضافية لدول مثل اليونان. وقد صرح خوسيه فينالس، مسؤول القضايا العملوية واسواق الرساميل في صندوق النقد الدولي، محذراً من انه لا يجوز منع المساعدة للاسبانيين، اذا طلبت مدريد من البنك المركزي الاوروبي البدء في شراء سندات الدين الخاصة بها في برنامج المساعدة الجديد، المسمى Outright Monetary Transaction (ОМТ). واضاف "اذا قرروا تفعيل هذه الآلية ويمكنهم المحافظة على سياسة خصوصية كافية، فإنه من المهم جدا للدول المقرضة ان لا توقف عمل برنامج ОМТ لاسبانيا او لا ي دولة اخرى".

ان ممثلي البلدان الاوروبية لا يريدون ان يتركز الاهتمام على اوروبا فقط في لقاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي سيجري هذا الخريف في طوكيو. وبحسب رأي الممثلين الاوروبيين يجب ان يعار اهتمام اكبر للصعوبات في واشنطن حيث، وبسبب المديونية، يمكن ان يبدأ بشكل اوتوماتيكي تطبيق التخفيضات في الميزانية ورفع الضرائب. وهذا يمكن ان يحدث سنة 2013، اذا لم يبادر الكونغرس الى اتخاذ خطوات مقابلة.

وقد اعلن وزير المالية الاميركي تيموتي غايتنير انه بعد نهاية الانتخابات الرئاسية في 6 تشرين الثاني، فإن الولايات المتحدة الأميركية لديها الوقت الكافي حتى نهاية السنة، لاجراء المحادثات في اطار الاصلاحات في دين الدولة. وحسب كلماته فإن مفعول هذه الاصلاحات ينبغي ان يصل الى درجة ان الدين ينبغي ان ينخفض الى مستوى 2ـ3% من الناتج الداخلي القائم في الاقتصاد الاميركي الذي هو الاكبر في العالم. واضاف "ان هذا هو تحد معتدل، بالمقارنة مع الصعوبات المالية التي تواجهها غالبية الدول في العالم".

وتقول كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي "اننا ننتظر الافعال وننتظر من اعضاء الصندوق العمل بجرأة لاجل التعاون".

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

2012-10-15