ارشيف من :آراء وتحليلات

البنتاغون يضع القيود.... وهواجس أردوغان من كبش التسوية

البنتاغون يضع القيود.... وهواجس أردوغان من كبش التسوية
ينقل سياسي لبناني عن أميركيين أن بلادهم أخذت علما بتحركات عسكرية إيرانية وروسية لدى تفقد رئيس الأركان التركي نجدت أوزيل قواته المرابطة على الحدود مع سوريا. لم يفاجأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بهذه المعلومات، فهو أكثر من يعلم بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أضاء منذ زمن اللون الأحمر بوجه أي تدخل عسكري خارجي في الأزمة السورية وخصوصا من قبل "الناتو"، واعتبر ذلك غير مسموح به تحت أي حجة أو ذريعة.

ولو أن لدى أردوغان رغبة عارمة باستدراج سوريا إلى مواجهة عسكرية وتفجير حرب إقليمية، غير أن تهديداته الأخيرة لدمشق، ومنها حصول حكومته على تفويض برلماني يجيز للجيش التركي شن عمليات عسكرية خارج الحدود  ولهجته الاستفزازية، لا علاقة لها بهذه الرغبة إطلاقا، فهو يدرك أن لعبة الحرب الإقليمية مقفلة بإحكام على توازانات القوى العظمى، وفتح المنافذ أمام هذا الخيار لا يكون بسقوط قذيفة مجهولة المصدر على الجانب التركي واتخاذها ذريعة لتفجير المنطقة برمتها ووضع الأمن والسلم الدوليين أمام مهب امتحانات تعجيزية.

البنتاغون يضع القيود.... وهواجس أردوغان من كبش التسوية

ونقلا عن شخصيات لبنانية التقت بأميركيين في قبرص، يقول السياسي، أن الجانب الأميركي أفصح عن رغبة واشنطن في الانسحاب من الموضوع السوري، لكن ما يشغل الإدارة الأميركية، هو كيفية الحفاظ على صورة اردوغان وحكومته بعد هذا الانسحاب، لأنه في حال حدوث هذا التطور المرتقب ستكون أضراره باهظة الثمن على المستقبل السياسي لأردوغان ولحزبه العدالة والتنمية، بعد أن رفع أردوغان من سقف رهاناته على الأحداث السورية، لجهة إيقاظ أحلام عثمنة المنطقة والتربع على عرش زعامتها، وطموح بلاده لتكون عقدة وصل إمدادات الغاز من آسيا إلى أوروبا.

من المعروف، أن أردوغان شخصية سياسية استعراضية، وهو يستخدم الاستعراض كوسيلة للكسب السياسي، كما حدث في سجاله مع شيمون بيريز في دافوس في ال 2009، أو تهديداته لـ "إسرائيل" إثر حادثة سفينة مرمرة، وهي تهديدات لم يترجم منها شيئ، أو تلويحه بالتدخل العسكري في سوريا لأكثر من مرة ولم يفعل، أو محاولته في مؤتمر حزبه الأخير إضفاء هالة على سياساته الفاشلة بدعوة ضيوف أمثال الرئيس المصري ورؤساء دول من آسيا الوسطى وخالد مشعل وغيرهم، ومن ثم إلقائه خطابا يدغدغ فيه أحلام الأتراك بماض ذهب ولن يعود.

ليس خفيا أن هناك تناغما بين سياسات أردوغان ووزارة الخارجية الأميركية حيال الوضع في سوريا، قوام هذا التناغم الذهاب إلى أقصى مدى في استخدام الجماعات الدينية المتطرفة لتقويض حكم الرئيس بشار الأسد قبل حلول موعد التسوية، وقد حاول اردوغان كما غيره من الأوروبيين والخليجيين اللعب على حبل التباينات بين المؤسسات الصانعة للسياسة الأميركية، غير أنه اصطدم بمواقف البنتاغون الذي لم يستسغ التوسع في لعبة استخدام الجماعات المذكورة بعد دروس أفغانستان والعراق ومؤخراً ما حدث في ليبيا ومصر وتونس واليمن إثر عرض مقتطفات من الفيلم المسيء للنبي محمد (ص).

في زيارته الأخيرة لتركيا، رفض رئيس الأركان الأميركي الجنرال ديمبسي تقديم أي دعم عسكري للجماعات الدينية المتطرفة وللتنظيمات التابعة للقاعدة، في حين طالب الجنرال الأميركي الجانب التركي بمساعدة بلاده في موضوع طالبان في أفغانستان، وكان لافتا عندما أعلنت الوزيرة هيلاري كلينتون تخصيص مبلغ 48 مليون دولار للمعارضة السورية، أن سألها نائب رئيس الأركان الأميركي لأية معارضة ستذهب هذه الأموال، وأصر على ضرورة معرفة الجيش الأميركي للجهة السورية التي ستتسلم الاموال المذكورة.

البنتاغون يضع القيود.... وهواجس أردوغان من كبش التسوية

أدرك أردوغان أن لعبته في سوريا وصلت إلى جدار البنتاغون العالي، وتناهى إليه الإهانة التي وجهها ديمبسي لنتنياهو وجماعته عنما طلب منهم السكوت في الموضوع الإيراني، وهو يعرف ماذا كان رد أوباما على نتنياهو عندما طلب الأخير من أوباما اعتذارا من ديمبسي، وكان جواب الرئيس الأميركي بأنه لا يمكنه إجبار رئيس الأركان على تقديم مثل هذا الاعتذار.

هذه الأجواء بلغت مسامع الكثيرين في المنطقة، ففي لقاء الرئيس نجيب ميقاتي الأخير مع كلينتون قالت له أن إدارتها باتت عاجزة في الموضوع السوري، وليس بعيداً عن هذه الأجواء تصريح جيفري فيلتمان وهو من صقور الإدارة الأميركية الذي يعلن فيه معارضته تسليح المعارضة السورية، وعلى هذا الإيقاع كان تمايز السعودية بموقفها عن قطر، لجهة ترحيبها بمهمة الأخضر الإبراهيمي خلافا للدوحة التي ما زالت تنادي بتسليح الجماعات المناوئة للنظام في سوريا.

في وقت نقل الأميركيون إلى الروس ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حفظ ماء وجه أردوغان في حال الوصول إلى تسوية، يؤكد السياسي نفسه، ان اردوغان لن يذهب إلى الحرب، وأن تهديداته بعمل عسكري ضد سوريا، هو تهويل على كافة الأطراف بما في ذلك حلفائه، وهي من باب تحسين شروط جلوسه على مائدة التفاوض وحتى لا يكون كبش التسوية المقبلة.
حسين حمية

2012-10-15