ارشيف من :آراء وتحليلات

طاولة الحوار في مهب رياح الخلافات اللبنانية والإقليمية

طاولة الحوار في مهب رياح الخلافات اللبنانية والإقليمية
سركيس ابوزيد

شهدت كواليس "14 آذار" على امتداد الأسابيع الماضية مداولات لرسم معالم المرحلة المقبلة وفق التوجهات التالية:

1- تراهن قوى "14 آذار" على سقوط النظام في سوريا. وهذا التقدير يتعارض مع تقويم "8 آذار" من أن الأزمة طويلة في سوريا، وأن الرئيس الأسد ما زال يتمتع بمقومات الصمود حتى العام 2014 على الاقل عندما يحين الموعد الدستوري الطبيعي للانتخابات الرئاسية.

2- قررت "14 آذار" الاستمرار بالمطالبة باستقالة الحكومة لإبقاء سيف الضغط السياسي مُصْلتاً فوق رأسها، ولكن من دون القيام بأي خطوة عملية تؤدي الى سقوط الحكومة... لان مصلحة "14 آذار" تكمن في بقاء هذه الحكومة لأنها تقيّد حزب لله وتضبط إيقاعه وقوته، ولأنها في حالة سياسية تخدم المواجهة بين الشرعية اللبنانية والنظام السوري.

3- مواقف الرئيس ميشال سليمان شكلت مفاجأة غير متوقعة وخاصة أن تغيير لهجته بدأ بعد زيارته الى المملكة السعودية التي أسست لتفاهم مع القيادة السعودية ومع الحريري حول المرحلة المقبلة والتي تتضمن حكومة انتقالية للانتخابات في وقت مناسب. ويبني الرئيس سليمان حساباته على أساس تغيير موازين القوى في المنطقة، فآثر الابتعاد عن النظام السوري وأخذ مسافة منه لحجز مكان ودور له في المرحلة المقبلة وتأمين جهوزية إزاء الخيارات المستجدة...

4- الرئيس نجيب ميقاتي في وضع دقيق لجهة الحسابات والخيارات، وهذا ناجم عن حساباته للمرحلة المقبلة: من جهة هو في موقع متماهٍ مع "14 آذار"... ومن جهة ثانية هو مدرك أن رأسه مطلوب من سعد الحريري الذي يضع "فيتو" عليه، سواء في الانتخابات المقبلة أو في رئاسة أي حكومة جديدة...

5- أكمل وليد جنبلاط عملية عودته الى ضفة "14 آذار" وقام بالخطوة الأهم المتعلقة بالموقف من حزب لله وسلاحه ولم يعد ينقصه إلا الانسحاب من الحكومة في التوقيت والظرف اللذين لا يجعلانه يتحمل مسؤولية إسقاط الحكومة... من الواضح ايضا أن قوى "14 آذار" ستخوض الانتخابات بالتحالف مع جنبلاط ومن دون تغييرات أساسية على لوائح العام 2009، ومن الواضح أيضا أن حملة جنبلاط على إيران وحزب لله تندرج في إطار عملية إعادة بناء العلاقة مع القيادة السعودية.

6- البطريرك بشارة الراعي عدّل في خطابه السياسي وأعاد تموضعه ليصبح متوازنا ووسطيًا ومنسجمًا الى حد بعيد مع سياسة وخيارات الرئيس سليمان...

استنادا الى هذه القراءة المجتزأة، تواكب قوى "14 آذار" هذه المتغيّرات بتغييرات في عملها تطال:

- الخطاب السياسي التعبوي الذي يركز أكثر على سلاح حزب لله وعلى دور إيران في لبنان، بعدما استنفد غرض الهجوم على سوريا.

- البنية التنظيمية بحيث تُنشأ هيئة قيادية (مركز القرار القيادي) وهيئة عامة (الإطار التشاوري الدائم) كهيئة تواصل وتفاعل بين القيادة والقواعد، وهيئة تنفيذية بمثابة حكومة ظل. وهذه الصيغة ما زالت مدار خلاف وتجاذبات داخل مكونات هذا الفريق.

- توافق على قانون انتخاب وعدم الإفساح في المجال أمام اختلافات حول القانون واللوائح والحصص. الهدف هو الفوز بالانتخابات بعد الإصرار على إجرائها... وبعد الانتخابات تبدأ مرحلة جديدة مع حكومة "14 آذار" ومع الاستعداد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من صفوفها. على ان تسبق الانتخابات حكومة انتقالية حيادية...

خطة "14 اذار" تضع البلاد وطاولة الحوار في مهب رياح التغيير في لبنان والمنطقة ما يطرح اسئلة من دون اجوبة واضحة، فهل تستمر وتثمر طاولة الحوار الوطني في قصر بعبدا؟...

بين جلستي الحوار السابقة واللاحقة، طرأت تطورات ومتغيّرات وضعت الحوار في خطر وجعلته مهددا بالتوقف لأن الظروف والمناخات لم تعد مؤاتية لاستكماله، مع تعاظم أزمة الثقة بين أطرافه والشكوك بجدوى استمراره...

وقد صدر عن تيار "المستقبل"، إشارات سياسية تفيد بمراجعة من جانبه لموقفه من الحوار مع انتفاء جدواه ومبرر استمراره. وحتى لا تصل الأمور الى هذا الحد من التدهور، يبذل الرئيس ميشال سليمان جهودا مركزة لاحتواء سلبيات التطورات الأخيرة ولجم التوترات السياسية وتلافي انعكاسها على طاولة الحوار... فهل تنجح المساعي لعقد حوار بناء ام أن التطورات تتجه الى المواجهة...؟.
2012-10-16