ارشيف من :آراء وتحليلات
أميركا تنتخب في عصر التكنولوجيا والاتصالات وفق قانون انتخابي عمره اكثر من 220 سنة
تجري الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية عادة في أول يوم ثلاثاء يأتي بعد أول يوم أحد من شهر تشرين الثاني/نوفمبر كل اربع سنوات. وسوف يشهد هذا العام2012 الانتخابات السابعة والخمسين في 6 تشرين ثاني/نوفمبر المقبل وسيترافق معها أيضاً انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب ومنصب الحكام في الولايات.
تجري هذه الانتخابات كل اربع سنوات بالطريقة نفسها والأسلوب ذاته، ضمن نظام انتخابي لم يعد معمولاً به إلا في الولايات المتحدة الأميركية ودولة الفاتيكان. ولم يجر أي تطور او تعديل على هذا النظام على الرغم من ان الولايات المتحدة تنادي بالتغيير دائماً وتحرّض دول العالم على تغيير وتطوير أنظمتها السياسية والانتخابية إلى الأفضل، بينما لا تطبق هذا النداء داخل بيتها.
وينشغل العالم الآن كله مترقباً ومحللاً ما قبل وما بعد الانتخابات الأميركية، وتبرز التوقعات والرهانات حول من سيفوز، وتكثر التكهنات عن توجهات السياسة الأميركية خلال ولاية الرئيس الجديد او الرئيس الذي يعاد انتخابه. فما هي حقيقة هذا النظام الانتخابي في بلد تملأ اخباره الدنيا وتشغل الناس؟
عندما يهب الشعب الأميركي في اليوم المعلن للإنتخابات الرئاسية لإنتخاب الرئيس، يظن البعض ان الشعب ينتخب رئيسه مباشرة، بينما في الحقيقة هم ينتخبون مجمعا انتخابيا مؤلفا من 538 عضوا، وهذا المجمع الإنتخابي هو الذي ينتخب الرئيس الذي يفوز بـ270 صوتاً أو اكثر. وهناك تفاوت في نسبة التمثيل في المجمع الإنتخابي ولا تتساوى الولايات الخمسون بنسبة التمثيل، فمثلا هناك 55 ممثلا ثابتا لولاية كاليفورنيا في المجمع الإنتخابي، وفي حال حصول أي مرشح على الأغلبية البسيطة من أصوات الولاية يحصل مباشرة على أصوات الولاية الـ55، وتتمثل فلوريدا بـ 19 ممثلا، بينما ولايتا نبراسكا وماين فإن اصوات المجمع الإنتخابي يُقسم بحسب نسب التصويت الشعبي.
هذا النظام الذي لا زال معمولا به منذ عام 1789، وضعه المشرعون بحجة اتساع رقعة الولايات المتحدة وصعوبة تواصل الشعب مع المرشحين مباشرة بسبب بُعد المسافات، لذلك شرعوا عملية الإنتخاب غير المباشر. إلا ان هذا القانون الإنتخابي قد تم رفضه حتى في ذاك الزمن، وقد شهدت أول انتخابات رئاسية اميركية عام 1789 والتي فاز فيها جورج واشنطن مشاركة عشر ولايات فقط، ومن الولايات المهمة التي قاطعت الإنتخابات كانت ولاية نيويورك.
ينادي البعض الآن في زمن ثورة التكنولوجيا والإتصالات المتطورة بوضع نظام انتخابي عصري بدلا من نظام مر عليه اكثر من 220 سنة. وفي دراسة قام بها الباحث اكرم الالفي للمعهد العربي للدراسات، بينت هذه الدراسة ان لا قيمة للتصويت الشعبي في احتساب نسبة الفوز او الخسارة للمرشحين، مقدما المثل في انتخابات عام 2000، حين فاز جورج بوش الإبن بالإنتخابات رغم حصول منافسه آل غور على أغلبية الأصوات الشعبية، بينما المجمع الإنتخابي اعطى جورج بوش أحقية الفوز.
تزداد الآن حدة المنافسة بين مرشحي الحزب الجمهوري ميت رومني والمرشح الديمقراطي الرئيس الحالي باراك اوباما. وفي ترقب لإستطلاعات الرأي التي تجري بشكل دائم، و استنادا إلى دراسة الألفي، فإن الحزبين الوحيدين الذين يخوضان المعركة الإنتخابية يراهنان على عدة عوامل منها:
الأقليات: حيث يراهن الحزب الديمقراطي على زيادة الوزن النسبي للأقليات الملونة كالقادمين من اميركا الجنوبية والذين يُطلق عليهم "هسبانيين" إضافة إلى السود واليهود، وكذلك الطلاب الجامعيين والأمهات غير المتزوجات. بينما يراهن الجمهوريون على العرق الأبيض والعمال غير الجامعيين والإنجيليين من البروتستانت المتشددين والذي يشكلون نسبة عالية من سكان المناطق الريفية. وبحسب الدراسات الديموغرافية الأميركية فإن نسبة الأقليات من إجمالي الناخبين في الولايات المتحدة ارتفعت من 15% إلى 26% في الفترة من 1988 إلى 2008. وهي المجموعات التي تصوت بتوسط 70% للديمقراطيين وقد ارتفعت خلال انتخابات 2008 إلى 80%. ما يشير إلى أن التحولات الديموغرافية في أميركا تجعل الكفة تميل سياسياً لصالح الديمقراطيين. وعلى سبيل المثال، فإن نسبة "الهسبانيين" من السكان يتوقع أن تصل إلى 30% بحلول عام 2050 مقابل 16%حالياً، وفي المقابل تنخفض نسبة البيض خلال نفس الفترة من 65% إلى 46%..
المرأة: يحصل الحزب الديمقراطي على أغلبية الأصوات النسائية (وخاصة النساء الأمهات غير المتزوجات) منذ عام 1992 بسبب دفاعه عن حق الإجهاض.
الشباب: ويشكلون نسبة 16% من السكان، وتصوت هذه الشريحة عادة لصالح الديمقراطيين بنسبة 60% وتشكل ثقلاً انتخابيا في ولايات فلوريدا وأوهايو وفيرجينيا بشكل خاص.
العرق الأبيض: ومعظمهم من الإنجيليين وطائفة المورمون المتشددة دينيا (طائفة مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني)، ترفض الإجهاض وتعارض تنظيم الأسرة والعلاقات غير الشرعية خارج الزواج، وتقليديا يصوت أكثر من 60 % من هذه الطبقة لصالح الجمهوريين، وهم معروفون بطبقة الصناعات التقليدية وتتميز هذه الطبقة بمعاداتها للملونين والأجانب.
السياسة الخارجية: لم يسجل ان ايا من الحزبين قد مارس اي تغيير او صنع اي تحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، وخاصة فيما يتعلق بـ"إسرائيل"، فالحزبان يتبارزان فيما بينهما حول اي منهما يقدم لـ"إسرائيل" أفضل من الآخر. على الرغم من ان بعض المراقبين والمحللين تحدثوا عن ان باراك اوباما قد مارس سلوكا مختلفا عن اسلافه مع "اسرائيل" في الآونة الأخيرة عندما لم يعطها الضوء الأخضر لضرب المنشآت النووية الإيرانية. فهذا لا يعني ان هناك تمايزا حصل في عهد اوباما مرده ان المؤسسة العسكرية الأميركية هي التي رفضت السماح لـ"إسرائيل" القيام بأية عملية عسكرية ضد ايران، ولا يعني انه كان لا بد لاوباما من ان ينصاع إلى القرار العسكري الاميركي وليس إلى المسؤولين الإسرائيليين المتعطشين لضرب ايران منذ عدة سنوات. وهذا التمايز إذا صح لا يعني ايضا ان هناك استقلالية تامة للمؤسسة العسكرية الاميركية بمعنى انها ليست مخترقة من اللوبي اليهودي كما هو الحال في الجسم السياسي الاميركي، وان المؤسسة العسكرية هي الحاكمة وتتمتع بإستقلالية تامة في القرار ما يعني ايضا انها مرجعية اساسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، وإذا صح الكلام عن استقلالية المؤسسة العسكرية فيتوجب إذاً حين يكون الكلام عن السياسة الخارجية الاميركية التطلع إلى ما تراه المؤسسة العسكرية الأميركية اولا، وهل هذه المؤسسة هي ايضا محكومة من الشركات الكبرى التي تحسم حساب الخسارة والربح في اي قرار يتعلق بالحرب والسلم؟
اما فيما يتعلق بالعوامل الأخرى مثل العامل الإقتصادي والضرائب والرعاية الصحية والهجرة فإنها لا شك مؤثرة في نسبة التصويت التي ينالها المرشح للرئاسة ولكنها تلعب دورا مرحليا وسرعان ما ينساها الناخب الأميركي. ويبقى القول انه قد حان للشعب الأميركي ان يصنع تغييره بدءا بتغيير نظامه الإنتخابي إلى نظام يعطي الحرية للعمل السياسي وتعدد الأحزاب بدل الثنائية التي تحكم بلدا يتخطى عدد سكانه 308 ملايين نسمة استنادا إلى احصاء عام 2010.
نزيهة صالح
تجري هذه الانتخابات كل اربع سنوات بالطريقة نفسها والأسلوب ذاته، ضمن نظام انتخابي لم يعد معمولاً به إلا في الولايات المتحدة الأميركية ودولة الفاتيكان. ولم يجر أي تطور او تعديل على هذا النظام على الرغم من ان الولايات المتحدة تنادي بالتغيير دائماً وتحرّض دول العالم على تغيير وتطوير أنظمتها السياسية والانتخابية إلى الأفضل، بينما لا تطبق هذا النداء داخل بيتها.
وينشغل العالم الآن كله مترقباً ومحللاً ما قبل وما بعد الانتخابات الأميركية، وتبرز التوقعات والرهانات حول من سيفوز، وتكثر التكهنات عن توجهات السياسة الأميركية خلال ولاية الرئيس الجديد او الرئيس الذي يعاد انتخابه. فما هي حقيقة هذا النظام الانتخابي في بلد تملأ اخباره الدنيا وتشغل الناس؟
عندما يهب الشعب الأميركي في اليوم المعلن للإنتخابات الرئاسية لإنتخاب الرئيس، يظن البعض ان الشعب ينتخب رئيسه مباشرة، بينما في الحقيقة هم ينتخبون مجمعا انتخابيا مؤلفا من 538 عضوا، وهذا المجمع الإنتخابي هو الذي ينتخب الرئيس الذي يفوز بـ270 صوتاً أو اكثر. وهناك تفاوت في نسبة التمثيل في المجمع الإنتخابي ولا تتساوى الولايات الخمسون بنسبة التمثيل، فمثلا هناك 55 ممثلا ثابتا لولاية كاليفورنيا في المجمع الإنتخابي، وفي حال حصول أي مرشح على الأغلبية البسيطة من أصوات الولاية يحصل مباشرة على أصوات الولاية الـ55، وتتمثل فلوريدا بـ 19 ممثلا، بينما ولايتا نبراسكا وماين فإن اصوات المجمع الإنتخابي يُقسم بحسب نسب التصويت الشعبي.
هذا النظام الذي لا زال معمولا به منذ عام 1789، وضعه المشرعون بحجة اتساع رقعة الولايات المتحدة وصعوبة تواصل الشعب مع المرشحين مباشرة بسبب بُعد المسافات، لذلك شرعوا عملية الإنتخاب غير المباشر. إلا ان هذا القانون الإنتخابي قد تم رفضه حتى في ذاك الزمن، وقد شهدت أول انتخابات رئاسية اميركية عام 1789 والتي فاز فيها جورج واشنطن مشاركة عشر ولايات فقط، ومن الولايات المهمة التي قاطعت الإنتخابات كانت ولاية نيويورك.
ينادي البعض الآن في زمن ثورة التكنولوجيا والإتصالات المتطورة بوضع نظام انتخابي عصري بدلا من نظام مر عليه اكثر من 220 سنة. وفي دراسة قام بها الباحث اكرم الالفي للمعهد العربي للدراسات، بينت هذه الدراسة ان لا قيمة للتصويت الشعبي في احتساب نسبة الفوز او الخسارة للمرشحين، مقدما المثل في انتخابات عام 2000، حين فاز جورج بوش الإبن بالإنتخابات رغم حصول منافسه آل غور على أغلبية الأصوات الشعبية، بينما المجمع الإنتخابي اعطى جورج بوش أحقية الفوز.
تزداد الآن حدة المنافسة بين مرشحي الحزب الجمهوري ميت رومني والمرشح الديمقراطي الرئيس الحالي باراك اوباما. وفي ترقب لإستطلاعات الرأي التي تجري بشكل دائم، و استنادا إلى دراسة الألفي، فإن الحزبين الوحيدين الذين يخوضان المعركة الإنتخابية يراهنان على عدة عوامل منها:
الأقليات: حيث يراهن الحزب الديمقراطي على زيادة الوزن النسبي للأقليات الملونة كالقادمين من اميركا الجنوبية والذين يُطلق عليهم "هسبانيين" إضافة إلى السود واليهود، وكذلك الطلاب الجامعيين والأمهات غير المتزوجات. بينما يراهن الجمهوريون على العرق الأبيض والعمال غير الجامعيين والإنجيليين من البروتستانت المتشددين والذي يشكلون نسبة عالية من سكان المناطق الريفية. وبحسب الدراسات الديموغرافية الأميركية فإن نسبة الأقليات من إجمالي الناخبين في الولايات المتحدة ارتفعت من 15% إلى 26% في الفترة من 1988 إلى 2008. وهي المجموعات التي تصوت بتوسط 70% للديمقراطيين وقد ارتفعت خلال انتخابات 2008 إلى 80%. ما يشير إلى أن التحولات الديموغرافية في أميركا تجعل الكفة تميل سياسياً لصالح الديمقراطيين. وعلى سبيل المثال، فإن نسبة "الهسبانيين" من السكان يتوقع أن تصل إلى 30% بحلول عام 2050 مقابل 16%حالياً، وفي المقابل تنخفض نسبة البيض خلال نفس الفترة من 65% إلى 46%..
المرأة: يحصل الحزب الديمقراطي على أغلبية الأصوات النسائية (وخاصة النساء الأمهات غير المتزوجات) منذ عام 1992 بسبب دفاعه عن حق الإجهاض.
الشباب: ويشكلون نسبة 16% من السكان، وتصوت هذه الشريحة عادة لصالح الديمقراطيين بنسبة 60% وتشكل ثقلاً انتخابيا في ولايات فلوريدا وأوهايو وفيرجينيا بشكل خاص.
العرق الأبيض: ومعظمهم من الإنجيليين وطائفة المورمون المتشددة دينيا (طائفة مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني)، ترفض الإجهاض وتعارض تنظيم الأسرة والعلاقات غير الشرعية خارج الزواج، وتقليديا يصوت أكثر من 60 % من هذه الطبقة لصالح الجمهوريين، وهم معروفون بطبقة الصناعات التقليدية وتتميز هذه الطبقة بمعاداتها للملونين والأجانب.
السياسة الخارجية: لم يسجل ان ايا من الحزبين قد مارس اي تغيير او صنع اي تحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، وخاصة فيما يتعلق بـ"إسرائيل"، فالحزبان يتبارزان فيما بينهما حول اي منهما يقدم لـ"إسرائيل" أفضل من الآخر. على الرغم من ان بعض المراقبين والمحللين تحدثوا عن ان باراك اوباما قد مارس سلوكا مختلفا عن اسلافه مع "اسرائيل" في الآونة الأخيرة عندما لم يعطها الضوء الأخضر لضرب المنشآت النووية الإيرانية. فهذا لا يعني ان هناك تمايزا حصل في عهد اوباما مرده ان المؤسسة العسكرية الأميركية هي التي رفضت السماح لـ"إسرائيل" القيام بأية عملية عسكرية ضد ايران، ولا يعني انه كان لا بد لاوباما من ان ينصاع إلى القرار العسكري الاميركي وليس إلى المسؤولين الإسرائيليين المتعطشين لضرب ايران منذ عدة سنوات. وهذا التمايز إذا صح لا يعني ايضا ان هناك استقلالية تامة للمؤسسة العسكرية الاميركية بمعنى انها ليست مخترقة من اللوبي اليهودي كما هو الحال في الجسم السياسي الاميركي، وان المؤسسة العسكرية هي الحاكمة وتتمتع بإستقلالية تامة في القرار ما يعني ايضا انها مرجعية اساسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، وإذا صح الكلام عن استقلالية المؤسسة العسكرية فيتوجب إذاً حين يكون الكلام عن السياسة الخارجية الاميركية التطلع إلى ما تراه المؤسسة العسكرية الأميركية اولا، وهل هذه المؤسسة هي ايضا محكومة من الشركات الكبرى التي تحسم حساب الخسارة والربح في اي قرار يتعلق بالحرب والسلم؟
اما فيما يتعلق بالعوامل الأخرى مثل العامل الإقتصادي والضرائب والرعاية الصحية والهجرة فإنها لا شك مؤثرة في نسبة التصويت التي ينالها المرشح للرئاسة ولكنها تلعب دورا مرحليا وسرعان ما ينساها الناخب الأميركي. ويبقى القول انه قد حان للشعب الأميركي ان يصنع تغييره بدءا بتغيير نظامه الإنتخابي إلى نظام يعطي الحرية للعمل السياسي وتعدد الأحزاب بدل الثنائية التي تحكم بلدا يتخطى عدد سكانه 308 ملايين نسمة استنادا إلى احصاء عام 2010.
نزيهة صالح