ارشيف من :آراء وتحليلات

على أجنحـة طائرة أيوب

على أجنحـة طائرة أيوب
ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى  .... عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُّ
"المتنبي"

لقد أظهرت طائرة "أيوب" أمرين، كما وكشفت أمـرين آخـرين؛ أظهرت إمكانية اختراق دفاعات العدو الجوية بتكنولوجيا مضادة تأكيداً لحقيقة علمية أن السلاح "السوبر" لا وجود له. وأظهرت بأن الإنسان العربي قادرٌ على خوض ميدان التكنولوجيا المعقدة وعلى تحقيق إنجازات نوعية ليُقارع بها خصما ضليعا فيها. وهذه ليست المرة الأولى ـ وبالتأكيد لن تكون الأخيرة ـ فقد سبق هذا اختراقان اثنان أُعلن عنهما: الأول عام 2004 طائرة مرصاد " الشقيقة الصغرى لأيوب" كما وصفها سيد المقاومة. والثاني عندما أعلن في مؤتمره الصحافي الشهير في آب 2010 عن اختراق المقاومة لشيفرة البث الجوي لطائرات استطلاع العدو التي تخترق سماء لبنان، ومنها تصويرها للطرق التي سلكها موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومكان التفجير الذي أودى بحياته، ما يطرح المزيد من الشكوك حول ضلوع "اسرائيل" في العملية وفرضية التفجير من الجو.

ومن جهة أخرى فقد كشف ظهور هذه الطائرة في سماء فلسطين المحتلة أن أية مواجهة محتملة مع "اسرائيل" ستختلف عن السياقات السابقة التي جرت فيها، وهو ما أثار مخاوفها لا سيما مع تقلص الفارق في المزايا التقنية التي كانت كفتها راجحة لمصلحة جيش العدو معوضة إياه عن عدم قدرته في البر على مجاراة المقاومة. والخلاصة أن طائرة أيوب دشنت مرحلة جديدة من المواجهة مع العدو، بل هي حالة غير مسبوقة عالمياً حيث التقانة الحديثة ـ وبأكثر أشكالها تعقيدا ـ تصبح من أدوات حرب التحرير الشعبية.

أما الوجه المعتم الذي انكشف سافراً فقد عبرت عنه ردود الأفعال حيال الطائرة الصادرة عن لسان ساسة لبنانيين ما يشير بما لا يدع مجالاً للبس بأن خط المواجهة مع العدو يستطيل ممتداً من الجنوب حيث "إسرائيل" لينعطف إلى الداخل اللبناني وفيه من هم متصهينون أكثر من الصهاينة؛ ولعل المفارقات التالية ـ وهي غيض من فيض ـ تتكفل بالبرهان:

- "هآرتس "الإسرائيلية: إن اختراق طائرة "أيوب" لأجواء فلسطين المحتلة يعدّ فشلاً ذريعاً للجيش الإسرائيلي... هذه القضية هي فشل بكل المقاييس خاصة أن الطائرة حلقت أكثر من ساعتين فوق البحر، ونحو نصف ساعة فوق اليابسة داخل إسرائيل".

على أجنحـة طائرة أيوب

- النائب اللبناني محمد كبارة: "مسألة الطائرة من دون طيار التي أرسلها حزب الله إلى "اسرائيل" والمعروفة بـ"طائرة أيوب" يجب أن تفتح ملف تلك الطائرة التي كانت ترصد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، لمعرفة هل فعلا كانت إسرائيلية أم ترى هي شقيقة أيوب الإيرانية"!!!..
- "صنداي تايمز" البريطانية: "طائرة "أيوب" الاستطلاعية، التي أرسلها "حزب الله" إلى اسرائيل، تمكنت من بث صور لمناطق المناورات الأميركية ـ الإسرائيلية المشتركة، كما استطاعت تصوير مواقع عسكرية سرية اسرائيلية، ونقلت هذه الصور إلى مركز القيادة الذي تحكّم بالطائرة ...". ولفتت الصحيفة إلى ان: "الطائرة بدون طيار التي انطلقت من لبنان إلى "إسرائيل"، واعترضها سلاح الجو الإسرائيلي، كانت مجهزة بأفضل الوسائل العسكرية للتصوير الجوي السري للقواعد الجوية... يبقى من غير الواضح إلى أي مدى تصل خطورة الصور التي التقطتها الطائرة من المناطق المحيطة بمفاعل ديمونا"...
- تيار المستقبل: "إرسال حزب الله طائرة استطلاع هو قمة التمادي في التعدي على السيادة اللبنانية وتوريط للدولة اللبنانية بالصراعات...".
- فؤاد السنيورة: "ان "إطلاق الطائرة بدون طيار من قبل حزب الله وطيرانها داخل البحر لمدة طويلة ثم دخولها المجال الجوي للاراضي المحتلة من قبل اسرائيل في منطقة الجنوب هو خرق للقرار 1701"!!..

- اللواء احتياط رؤبين بدهتسور: "يجب على أحد في الجيش الإسرائيلي أن يشرح لنا لماذا كان الكشف متأخراً إلى هذا الحد... لو كانت الطائرة محملة بمواد متفجرة لتمكن مشغلوها من تسييرها صوب عسقلان، أو إلى محطة توليد الطاقة في المدينة أو إلى ميناء اسدود وفي هذه الحالة سيتم تنفيذ هجوم تفجيري من دون أن تملك إسرائيل أي إنذار مسبق بذلك".
- سمير جعجع: "ان إرسال طائرة إيرانية الى إسرائيل، في هذا التوقيت تحديدا، لا علاقة له بأي من الشعارات التي يسوقها حزب الله،..... إن اتخاذ قرارات خطيرة على هذا النحو هو من صلاحيات الدولة اللبنانية حصرا، وليس لأي حزب، مهما علا شأنه، ان يتفرد به معرضا شعب لبنان ومصالحه للخطر".
- المسؤول السياسي لـ"حركة المقاومة الشعبية" حسن الزعلان: "إننا أمام نصر جديد بكل ما تحمل الكلمة من معنى.... .... لقد مرغت المقاومة الإسلامية في لبنان أنف الاحتلال في التراب عبر طائرة بدون طيار؛ بعدما تمكنت من اختراق حصون العدو ومنظوماته الأمنية التي لطالما ادعى أنها الأفضل والأقوى".
- عاموس هارئيل في صحيفة "هأرتس": "حزب الله هو العدو الأذكى الذي تواجهه اسرائيل على مستوى المنطقة بشكل عام".
- القيادي في تيار "المستقبل" راشد فايد: نجاح الشباب بتجميع قطع الطائرة في لبنان لا يدعو الى التفاخر لأنه عمل ميكانيكي محض"!!!!...

على أجنحـة طائرة أيوب

أمام هذه المفارقات، التي يبدو فيها العدو أكثر انصافاً مقارنةً ببعض اللبنانين إن من حيث الموضوعية في الوصف، أو من حيث تحديد مكامن الخطر المتأتية عليه من المقاومة، أمام هذا لا بد من وضع النقاط على الحروف، انطلاقاً مما يسمى "الاستراتيجية الدفاعية" الموضوعة على طاولة الحوار حيث المطلوب بداية أن نعود للسؤال القديم الجديد من هو العدو؟.. ذلك لأن الواضح تماما بالقول، وبالعمل أن "اسرائيل" ليست عدواً في جذر ثقافة البعض تماما كما يبرهن على هذا سلوكهم السياسي؛ فإذا وضعنا هذا بعين الاعتبار، إلى جانب الأداء الملتبس لا بل المشبوه لهذا الكورس خلال العدوان الإسرائيلي صيف 2006 لأدركنا حقيقة الصورة وهي أن البعض الكثير من هؤلاء هم بالفعل جزء موقوف لمواجهة المقاومة في الداخل. وها هم يفعلونها بالسياسة، وبالأمن مثيرين العواصف، كان آخرها حفلة قطع الطرق والهجوم على القصر الحكومي مستغلين اغتيال المرحوم وسام الحسن، اعتقادا منهم بأن إسقاط الحكومة الميقاتية سيفتح كوةً يخرقون منها لاستباحة الدولة وتحقيق مآربهم، إما بالفوضى التي ستترتب على الاستعصاء في تشكيل حكومة بديلة كما هو الأرجح، أو بالمجيء بحكومة من خارج نادي السياسيين تحت مسمى "حكومة تكنوقراط"! تكون مكبلة حيال ما يخطط له من تحويل لبنان إلى معسكر تدريب ومحطة إمداد كبرى للمجموعات المسلجة من المعارضة السورية. وربما تحت هذا العنوان استدراج هذه المجموعات للزج بها في صراع مسلح في الداخل اللبناني.
كل هذا جرى ويجري وطاولة الحوار الوطني منصوبة، وملف "الاستراتيجية الدفاعية" مفتوح للنقاش وللبحث.. ما يستدعي قبل الحوار، وقبل الطاولة، وقبل استراتيجية الدفاع، البحث في "ميثاق وطني" وفي أضيق الحدود وبالحد الأدنى، وهو: (أن استقرار لبنان، وسلامة مؤسسات الدولة خط أحمر). شيء يتنافى كلياً مع المشهد الذي وجدناه مساء الحادي والعشرين من هذا الشهر حيث التحريض من رأس "تيار المستقبل"، السنيورة بالذات، يستكمله (أمر العمليات) باقتحام السراي الحكومي يلقيه على الجموع إحدى الأدوات الاعلامية العاملة في تلفزيون "المستقبل"! وفي مشهد نافر ومقزز... ترى هل يمكن لحوار أن يثمر مع هؤلاء!!.
لؤي توفيق حسـن (كاتب من لبنان)
2012-10-23