ارشيف من :آراء وتحليلات

الخلافات الأوروبية حول طرق معالجة الأزمة

الخلافات الأوروبية حول طرق معالجة الأزمة
بعد نقاشات ماراتونية، توصل القادة الأوروبيون الذين اجتمعوا مؤخرا في بروكسل الى اتفاق على جدول عملي يتم بموجبه انشاء هيئة رقابة بنكية موحدة في منطقة اليورو، تكون تحت اشراف البنك المركزي الأوروبي. ورسم القرار بهذا الشأن إيجاد اطار قانوني للهيئة حتى نهاية السنة الجارية وأن يبدأ عمل الهيئة على مراحل سنة 2013.

واعتبر بعض المراقبين ان هذا القرار كان بمثابة انتصار للمجموعة التي تقودها فرنسا، والتي تصر على الإدخال السريع لنظام للرقابة البنكية الشاملة كخطوة أولى على طريق اتحاد بنكي في المستقبل. ولكن ألمانيا تعارض هذا المشروع، وهي تصر على ان انشاء آلية رقابية ينبغي ان يتم تحقيقه ببطء وحذر.

وفي الوقت ذاته فإن مؤتمر قمة الاتحاد الاوروبي لم ينجح في التوصل الى الاتفاق حول النقطة المهمة الثانية وهي مسألة انشاء صندوق انقاذي دائم لمنطقة اليورو، يوضع بتصرفه مبلغ 500 مليار يورو، ويبدأ بتقديم حقن موارد مباشرة للبنوك الاوروبية المتعثرة.

إن إعادة الرسملة المالية المباشرة من قبل الصندوق الانقاذي (المسمى الآلية الاوروبية للاستقرار ـ ESM) يهم بشكل خاص اسبانيا التي تحتاج بنوكها الى حقن رسملة بحجم 60 مليار يورو تقريبا. فلأجل اعادة رسملة البنوك بدون مساعدة من الخارج تحتاج اسبانيا الى اصدار دين دولة جديد، ما سيزيد عبء مديونية الدولة، وهذا ما سيؤدي الى تخفيض جديد لتصنيفها الإقراضي. وتأمل مدريد ان تعاد رسملة البنوك بأموال من ESM، ولكن كي يصبح ذلك ممكنا، ينبغي اولا ان تبدأ بالعمل هيئة الرقابة البنكية الموحدة في منطقة اليورو.

الخلافات الأوروبية حول طرق معالجة الأزمة

والمشكلة هي ان بعض الدول الاعضاء لا يزال لديها تحفظات حول انقاذ البنوك بواسطة اموال من الصندوق الانقاذي. وقد نقلت Financial Times عن احد ممثلي الاتحاد الاوروبي ان البلدان الاعضاء يوجد فيما بينها اختلافات حول اعادة رسملة البنوك المتعثرة بالاموال من ESM.

ولكن حسب الاتفاق الذي تمت الموافقة عليه، فإن الاطار القانوني لهيئة الرقابة البنكية باشراف البنك المركزي الاوروبي سوف يكتمل حتى نهاية السنة الجارية. ووصف رئيس المجلس الاوروبي هيرمان فان رومبوي هذا الاتفاق بأنه "اهم انجاز" لمؤتمر القمة الاخير للاتحاد الاوروبي.

واشار رومبوي "لقد اصبح لدينا تاريخ لتحضير الاطار القانوني، وهو ما لم يكن لدينا حتى الان ـ وهذا بحد ذاته هو خطوة الى الامام".

ان هيئة الرقابة الموحدة سوف تبدأ العمل على مراحل خلال السنة القادمة وستتيح الامكانية للبلدان غير الاعضاء في منطقة اليورو ان تشارك فيها، حسبما اكد هيرمان فان رومبوي.

وحسب تصريحات بعض الممثلين الرفيعي المستوى في الاتحاد الاوروبي فإن ماريو دراغي مدير البنك المركزي الاوروبي اشار الى ان الدخول في الوظائف الرقابية سوف يستغرق 6 الى 12 شهرا. وبما ان برلين تصر على ان تصبح الرقابة فعالة، قبيل ان يحصل صندوق ESM على حق تقديم حقن رسملة للبنوك الاسبانية، فإن مثل هذه الرسملة المباشرة لا سبيل الى حصولها قبل النصف الثاني من السنة القادمة. وهذا سيصادف موعد الانتخابات الالمانية القادمة، كما تشير جريدة Financial Times.

ويصر الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند ان تجري اعادة الرسملة المباشرة في وقت اسرع. وصرح احد الدبلوماسيين الفرنسيين ان باريس تأمل ان تتم اعادة الرسملة المباشرة للبنوك الاسبانية قبل نهاية الثلاثة الاشهر الاولى من سنة 2013.

وقد سبق هذا الاتفاق على الرقابة البنكية العامة وقوع خلاف مكشوف بين الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند والمستشارة الالمانية انجيلا ميركيل. وقد وصل اولاند الى بروكسل برغبة معلنة حول التفعيل السريع للرقابة على البنوك، في حين ان ميركيل كانت قد صرحت في البوندستاغ الالماني، ان ذلك ينبغي ان يتم بوتيرة حذرة.

وبالرغم من ان الجدول الزمني يرى ان الـ 6000 بنك في منطقة اليورو ينبغي ان تصبح تحت رقابة البنك المركزي الاوروبي حتى نهاية سنة 2013، فإن السلطات الالمانية كانت تصر ـ وبدعم صامت من باريس ـ على ان المؤسسات الوطنية للرقابة البنكية ينبغي ان تحتفظ ببعض الحقوق للرقابة الجارية على المؤسسات المالية المحلية الصغيرة. على ان يحتفظ البنك المركزي الاوروبي بحق التدخل في كل بنك وفي كل وقت.

مانيانا، مانيانا (من الاسبانية: غدا، غدا) هكذا علقت جريدة Guardian البريطانية على اختتام مؤتمر القمة الاوروبي في بروكسل. وكان قد شارك في المؤتمر زعماء 27 دولة عضواً في الاتحاد الاوروبي الذي تم فيه الاتفاق على انشاء هيئة الرقابة المصرفية حتى نهاية السنة.

وبحسب هذا الاتفاق فإن البنك المركزي الاوروبي سيمارس الرقابة على حوالى 6000 بنك في منطقة اليورو، وذلك على مراحل حتى نهاية السنة القادمة. وهكذا فإن الاتحاد البنكي الكامل سيبدأ بالعمل خلال سنة 2014. واعلن رئيس المجلس الاوروبي هيرمان فان رومبوي ان البنك المركزي الاوروبي سيضطلع بدور اساسي في آلية الرقابة المستحدثة. وحينما تبدأ الهيئة في العمل، فمن الممكن ان ESM سيبدأ اعادة رسملة مباشرة للبنوك في منطقة اليورو. ولكنه لم يتم الاعلان عن تواريخ ومدد محددة بهذا الخصوص.

ومنذ بداية مؤتمر القمة عبر الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند في تصر يح له للـ Guardian عن عدم اتفاقه مع المستشارة انجيلا ميركيل حول عدد من المسائل، المتعلقة بمستقبل الاتحاد الاوروبي والعملة الموحدة.

وعلق العديد من وسائل الاعلام الدولية ان ما تم التوصل اليه في مؤتمر القمة، انما هو تسوية بين فرنسا والمانيا. وكانت باريس تريد ان يتم انشاء هيئة الرقابة البنكية الموحدة حتى نهاية هذا العام، ما يسمح للـ ESM ان يقدم القروض للبنوك. ولكن برلين عارضت هذا المخطط، مصرة على ان انشاء الآلية الرقابية ينبغي ان يتم ببطء وبعناية. وان مخطط تكوين اتحاد بنكي يقف امام صعوبات قانونية، لانه يعطي سلطة اكبر للبنك المركزي الاوروبي على حساب البنوك الوطنية. وهناك تخمينات بأن ذلك يمكن ان يؤدي الى اجراء تعديلات في الاتفاق الاساسي للاتحاد الاوروبي. والمانيا تريد ان تتمكن بروكسل من التدخل ومراقبة ميزانيات بلدان الاتحاد الاوروبي. وحسب رأي انجيلا ميركيل يمكن عن هذا الطريق فقط تجنب تكرار السيناريو اليوناني. ولكن فرنسا تصر على الانتظار.

الخلافات الأوروبية حول طرق معالجة الأزمة

وعلقت Guardian على ذلك بالقول "ان ما وضع امامنا هو تفاهم سياسي يبقى معرضا للخلل عند اي هزة تالية في منطقة اليورو. ان آلية الاستقرار، اذا قدر لها ان تعمل، هي آلة لطباعة العملة. وهي لن تحل المسائل الاساسية، التي ادت الى تراكم الدين. والهزة التالية يمكن ان تأتي من تباطؤ الاقتصاد الصيني او من الركود المضاعف في الاقتصاد الاميركي او من الاحتجاجات الاجتماعية. ان المظاهرات في كل انحاء اوروبا تتزايد، لانه اصبح من الواضح حتى لاولئك الذين اقترحوا تخفيض النفقات، ان الانضباط المالي الصارم لن يعمل. ان القطاع الخاص لن يعوض بخلق اماكن عمل، بدلا عن تلك الضائعة في القطاع العام. وكلما تفاقم عدم الاستقرار السياسي، ستتناقص رغبة المستثمرين في القطاع الخاص بأن يوظفوا اموالهم. ولكن هذا يبقى ليوم غد. اليوم عندنا صفقة ـ طبعا بانتظار صفقة اخرى" ختمت الجريدة ساخرة.

وبالاضافة الى الخلافات بين المانيا وفرنسا، فقد توضحت اكثر مواقف بريطانيا التي حسب الكثير من وسائل الاعلام تبتعد اكثر عن باقي البلدان الاعضاء في الاتحاد الاوروبي. وتبدي بريطانيا تخوفها من مشاريع الاتحاد الاوروبي لاجل انشاء اتحاد بنكي في منطقة اليورو، الذي يمكن ان يمس القطاع الكبير للخدمات المالية البريطانية. وبالاضافة الى ذلك فإن بريطانيا لها تحفظات على الاقتراحات بخصوص الميزانية العامة للدول الـ 17 ذات العملة الموحدة، وكذلك على مشروعات الضريبة على التبادلات المالية في الدول الـ 11 في منطقة اليورو، ما سيكون له تأثير على الاقتصاد البريطاني.

وبسبب العلاقات الباردة بين لندن وبروكسل، سأل وزير الشؤون الاوروبية في فنلندا الكسندر ستوب عما اذا كانت بريطانيا ستغادر الاتحاد الاوروبي. ولكن رئيس الوزراء البريطاني كاميرون نفى هذا الاحتمال، الا انه قال ان بريطانيا تريد اتفاقا جديدا مع الاتحاد الاوروبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2012-10-25