ارشيف من :أخبار لبنانية

جعجع: إلى الفتنة در

جعجع: إلى الفتنة در
حسين حمية

اتهام سمير جعجع لحزب الله بدور تنفيذي في اغتيال اللواء وسام الحسن، لم يأت به من مسرح الجريمة، فالتحقيقات هناك لم تكتمل، بل ما تزال في بدايتها، كما أنه ليس اتهاما سياسيا، فهذه بدعة لتغطية التحريض واستثمار المأساة وتسييس الجريمة، وأيضا، اتهامه ليس لغوا، فجعجع قائد ميداني ويتولى بالوكالة عن سعد الحريري إدارة مشروع فريق 14 آذار على الأرض منذ غياب الأخير عن الساحة اللبنانية.

توقيت الاتهام، يفصح عن مشروع خطير يدفع جعجع البلد إليه، فبعد اغتيال الحسن حصل هياج شعبي كبير، كان صعبا على الأجهزة الأمنية احتواءه بالسرعة اللازمة، وأسهمت اتهامات 14 آذار المتسرعة للنظام السوري بإثارة هذا الهياج وتوجيهه وفق أجندة سياسية لا علاقة لها بالاغتيال وبمعرفة القاتل، فالتحركات الشعبية والحوادث الأمنية التي أعقبت تشييع اللواء الحسن كانت انقلابا موصوفا، المراد منه إطاحة حكومة نجيب ميقاتي من دون النظر إلى العواقب الوخيمة لهذه الخطوة.

كان رهان 14 آذار نهار التشييع على وضع الأكثرية أمام خيارين اثنين، إما عودة فريق الحريري للسلطة أو الفتنة المذهبية، وكلا الامرين دخل حيز التنفيذ بطريقة مدروسة ومنظمة، هجوم فاشل على السراي، ومجموعات مسلحة انتشرت على الطرقات ترتكب استفزازات مذهبية بغيضة، في حين تولت وسائل إعلام مرئية ومقروءة واسعة الانتشار، فبركة حوادث تفوح منها روائح الفتنة، كان بينها، الحديث عن قتلى في فانات برصاص مسلحين في محلة قصقص، وكذبة إيهاب العزي الذي زعم أن سيّافا من الطريق الجديدة بتر أصابعه لأسباب مذهبية.

سياسة ضبط النفس الصارمة التي اتبعها الثنائي الشيعي في عدم الرد على الاستفزازت، والتحرك الدولي عبر سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الرافض للتلاعب بالاستقرار اللبناني، وتصميم الأجهزة الأمنية وخصوصا الجيش في قمع التجاوزات الامنية، إضافة إلى ابتعاد النائب وليد جنبلاط عن لعبة فريق الحريري، كلها عوامل أسهمت في تنفيس انقلاب 14 آذار الذي لم يبق منه سوى اعتصام بائس في ساحة رياض الصلح.

لقد صدم جعجع من هذه النهاية، كان وحده من بين قادة 14 آذار الأكثر وثوقا بوقوع الفتنة لا محالة، فلم يكلف نفسه عناء المشاركة بالتشييع متوقعا نجاح سيناريو الفوضى، كان يعتبر اتهام سوريا وقود كافيا لإشعال الفتنة، لكن بعد الفشل وانكشاف لعبته، اضطر إلى الاستدراك للمضي في مشروع الفتنة، لذا، كانت عينه على وقود أكثر اشتعالا، فكان اتهامه لحزب الله غير آبه لأبعاد كلامه الخطيرة، ومن دون أن يشرح ما هي المستجدات التي جعلته أن يكون ملكا أكثر من الملك، ليمدّ يده على بيكار اللواء أشرف ريفي لتوسيع دائرة الاتهام، من إسرائيل وطابور خامس وسوريا والمتشددين، إلى حزب الله، الذي شارك وفد منه في عزاء اللواء الحسن، الذي أقامته المديرية العامة لقوى الأمن بحضور أسرة الحسن.

سبق لفريق 14 آذار أن ضرب في تشرين موعدا لإسقاط حكومة ميقاتي، وجعجع لا يرى في دم اللواء الحسن سوى فرصة توفر معطيات إضافية لمخطط تم وضعه بناء لحسابات خليجية بحتة، لقد أخذ علما جعجع منذ الصيف الماضي، أن ما يسمى "الربيع العربي" اختنق بذات المكان الذي اختنق فيه السفير الأميركي ببنغازي، وأن الدول الغربية لم تعد تثق بإدارة دول الخليج ل"ثورات الربيع العربي" أو الإشراف على بناء الدول الذي نجحت فيها هذه "الثورات"، وهذا ما انعكس قيودا واشتراطات على خدمات 14 آذار لجهة تسليح المعارضة السورية المرتبطة بالخارج، وإضافة إلى تطلع المجتمع الدولي لدور أكبر للمعارضة الداخلية في الحوار مع الحكومة السورية في التسوية المرتقبة.

لقد فهم جنبلاط منذ أكثر من أسبوعين على الغداء الذي أقامه على شرف السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين في المختارة، ان الخليجيين بدأوا قتالا تراجعيا في سوريا، وهذا ما عكسه ابتعاد الزعيم الدرزي في تصريحاته عن الموضوع السوري وتناوله فيها لماما وبشكل خافت عما سبق، لكن جعجع الموعود برئاسة الجمهورية، اقام رهانه على تسليف قطر والسعودية أوراق يحتاجونها لتسديد فواتير إصلاحية في البحرين والسعودية نفسها، وهي فواتير يعمل الخليجيون على تأخير أجلها بتعميم أجواء الفتنة المذهبية للضغط على طهران بعد خيبتهم من الرهان على ضربة إسرائيلية لإيران.

لافتة عبارة جنبلاط في مشادته التلفزيونية الأخيرة مع الرئيس سعد الحريري، بقوله للأخير بأنه خسر صمّام أمان باغتيال الحسن، فجنبلاط كان يعرف طبيعة الدور الذي يؤديه اللواء الحسن في منع انزلاق الحريري وراء مشاريع انتحارية يحرضه عليها حلفاؤه، وليس بعيدا، أن يكون جنبلاط استقى حكمته مما جرى في يوم تشييع الحسن، ومن هنا خطورة سقوط الحواجز بين الحريري وجعجع.
2012-10-28