ارشيف من :آراء وتحليلات

انسداد الأفق السياسي في 14 آذار قد يشجع الصقور على الانتحار!

انسداد الأفق السياسي في 14 آذار قد يشجع الصقور على الانتحار!


سركيس ابوزيد

لمعرفة ماذا يجري داخل 14 آذار لا بد من معرفة اين وصلت الازمة في البلاد.

لبنان الواقع تحت تأثير الأزمة السورية يجد صعوبة كبيرة في الحفاظ على توازنه واستقراره، لا بل يجد نفسه وقد انزلق الى "الأزمة" والى وضع صعب ومعقد يشبه في بعض النواحي الوضع السوري.

مما لا شك فيه أن لبنان ومن لحظة اغتيال اللواء الحسن دخل في المأزق وفي أزمة مفتوحة سياسيا وزمنيا. وفي ظل انسداد أفق الحلول والمخارج السياسية، وفي ظل هوة آخذة في الاتساع بين طرفي الصراع الدائر على جولات صعودا وهبوطا منذ العام 2005، يمكن إيجاز  علامات الأزمة السياسية على النحو التالي:


1ـ عادت قوى 14 آذار الى تنظيم الصفوف والمواجهة... وقامت بحركة واسعة من الاتصالات الخارجية والداخلية خلصت بنتيجتها الى إعادة تركيز الموقف السياسي باتجاه إسقاط الحكومة كتعويض وحيد لما خسرته في السياسة... وتراهن على التحول في الموقف الدولي، نتيجة اتصالات ناشطة باشرتها السعودية لبلورة موقف عربي دولي جديد ضاغط في اتجاه تشكيل حكومة جديدة في لبنان.

2ـ الفريق الحكومي بجناحيه الوسطي و8 آذار استعاد حيويته ويتجه بعد سقوط خيار الاستقالة من حساباته الى تفعيل عمل الحكومة ورفع مستوى إنتاجيتها... هذا الفريق يشعر أنه خرج من الجولة الأخيرة أقوى، فإنه متمسك بشروطه في تحديد قواعد اللعبة: العودة الى الحوار أولا للتوافق على حكومة بديلة، ومن دون ذلك لا إمكانية لاستقالة الحكومة ولا تفكير في ذلك.


3ـ في ظل هذا الاستقطاب الحاد، يسعى الرئيس ميشال سليمان الى إدارة الصراع وتولي مهمة البحث عن مخارج وحلول. ويجد صعوبة بالغة في اختراق جدار المواقف المتصلّبة وفي ردم الهوة المتسعة لتفادي الفراغ الحكومي، من جهة، ولعدم السقوط في فخ ربط الازمة اللبنانية بالأزمة السورية، من جهة أخرى... ويجد نفسه اقرب الى فريق 14 آذار بعد المرحلة الضبابية المترددة التي مر بها قبل انفجار الاشرفية.

4ـ من تداعيات الازمة خلط الاوراق والتحالفات وأبرزها علاقة الحريري ـ جنبلاط التي تتراوح بين الهجر والطلاق. الانطباع الذي تكوّن لدى كثيرين أن جنبلاط كان في صدد فك تدريجي لعلاقته التحالفية مع فريق 8 آذار والمسألة مسألة وقت عندما يحين أوان سقوط الحكومة الحالية... ولكن حدث بعد اغتيال اللواء وسام الحسن ما أدى الى تبديد الانطباع والى حدوث انتكاسة واهتزاز عنيف في العلاقة بين الرجلين التي عادت الى نقطة الصفر. ووصلت الى تصادم مباشر وعلى الهواء بين جنبلاط والحريري... طرح هذا الاشتباك السياسي اسئلة حول التدهور الحاد والمفاجئ؟!


الحريري يريد اسقاط حكومة ميقاتي على غرار ما حدث مع حكومة كرامي عام 2005. ولما لم تحدث استقالة ميقاتي التي كانت مرتقبة تحوّلت الأنظار باتجاه جنبلاط. ويبدو أن الحريري كان يتوقع تجاوبا من جنبلاط مع طلب سحب وزرائه من الحكومة... ولكن جنبلاط كانت لديه حسابات أخرى متشعبة تتداخل فيها المعطيات الخارجية مع الاعتبارات الداخلية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

ـ لم يعد جنبلاط يتوقع سقوطا وشيكا للنظام في سوريا، صار يتوقع أزمة طويلة، ولديه خيبة عميقة من الموقف الأميركي.
ـ جنبلاط يستبعد حربا إسرائيلية أو أميركية على إيران، ويستبعد حربا إسرائيلية على لبنان، أي أنه يستبعد تغييرا جذريا في المنطقة يغيِّر في المعادلات الداخلية.


ـ جنبلاط ممتعض من العقاب المتمادي الذي قررته المملكة السعودية في حقه واستمرار طريق اللقاء مع الملك عبد الله بن عبد العزيز مقفلا في وجهه ولا يُفتح إلا بتنازلات وخطوات مسبقة... وهو لا يمكنه دفع هذا الثمن مسبقا وفي ظل تراجع السياسة السعودية حيال لبنان وتقدم المعادلة الإقليمية.


ـ جنبلاط الذي يبحث عن الضمانات والحماية، يرى في محور سليمان ـ ميقاتي، وفي الوسطية المتبعة أفضل تموضع وضمانة في هذه المرحلة ويتناسب مع طبيعتها ومقتضياتها. ويرى أنه إذا سقطت الحكومة لن يكون ممكنا تشكيل حكومة جديدة وسيكون وضع البلد مكشوفا على الفراغ والفوضى، وسيكون وضعه هو مكشوفا سياسيا وأمنيا...

ـ جنبلاط يرى أن الفتنة صارت خطرا داهما ولا يرى دورا له إلا من خلال دفع الأمور الى التسوية بدل المواجهة... علاقة جنبلاط ـ الحريري دخلت مرحلة الافتراق والهجر ولم تبلغ مرحلة الطلاق، بانتظار التداعيات...

كل هذه المعطيات وضعت فريق 14 آذار في حلقة مقفلة مسدودة الافاق خاصة بعد اعتدال الموقف الدولي بالاضافة الى موقف البطريرك الماروني ومفتي الجمهورية. لذلك بدأ يعاني ازمة داخلية متفجرة وصراعا كامنا بين معتدلين ومتطرفين مع خطر اقدام الصقور على مغامرات انتحارية.


يتذكر اللبنانيون خلال الحرب الاهلية عندما سدت الافاق امام الجبهة اللبنانية هربت القوات اللبنانية الى الامام بتحالف علني مع "اسرائيل"... فهل تكرر اليوم الرهان على ملاقاة الاطماع الاسرائلية في منتصف الطريق في ظل وهم اجتياح قريب يوصل سمير جعجع الى الرئاسة كما اوصل معلمه بشير الجميل الى بعبدا؟


2012-11-01