ارشيف من :آراء وتحليلات

العرب والانتخابات الاميركية .. أوباما أم رومني؟

العرب والانتخابات الاميركية .. أوباما أم رومني؟
عادل الجبوري

يشير أحد استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا في الولايات المتحدة الاميركية الى أن 99% من الناخبين الاميركيين لا تعنيهم سوى السياسات الداخلية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي بالتحديد مثل الضمان الاجتماعي والضرائب والتأمين الصحي والاسكان، والجزء الصغير من اهتماماتهم المتعلق بالسياسات الخارجية يتمحور اساسا حول القضايا التي تكون لها انعكاسات على الاوضاع الداخلية، أي أن من يرفض من الاميركيين تورط بلاده في حروب ونزاعات عسكرية فليس لان ذلك يمكن ان يلحق الضرر والاذى والظلم بشعوب ودول اخرى، بل لانه يمكن ان يؤثر على الاوضاع الاقتصادية والحياتية العامة في الولايات المتحدة، وبالتالي يؤثر على المواطن الاميركي غير المستعد ان يتحمل تبعات مغامرات قد يرى انها عبثية وغير مجدية.

ربما يجادل البعض في أن النسبة المذكورة عالية جدا ومبالغ فيها، وقد يكون كاتب هذه السطور من بين هذا البعض، انطلاقا من دواعٍ وأسبابٍ عديدة من بينها، أن الولايات المتحدة الاميركية باعتبارها قوة عالمية عظمى تورطت خلال سبعة عقود تقريبا، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعشرات او مئات الحروب بصورة مباشرة او غير مباشرة، وطبيعي ان تلك الحروب وما ترتب عليها من آثار ونتائج ـ سلبية كانت ام ايجابية ـ لا بد أن تشغل اهتمامات فئات وشرائح عديدة من المجتمع الاميركي من زوايا مختلفة.

ومن بين اسباب الاعتقاد بأن نسبة الـ(99%) مبالغ فيها، هو أن عددا غير قليل من الاميركيين يحملون قناعة عالية بأن تدخّل بلادهم في الكثير من الصراعات والحروب ينطلق من هدف استراتيجي مهم الا وهو الدفاع عن المصالح الاستراتيجية لهم، ودرء الاخطار الخارجية والحؤول دون اقترابها من حدود البلاد واراضيها، فضلا عن ذلك فإن هناك عددا غير قليل يعتقد بأن بلاده تعتبر نموذجا فريدا للحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان وما الى ذلك من المفاهيم الجذابة، وأن الواجب الاخلاقي يحتّم عليها محاربة قيم وسلوكيات الظلم والكبت والاستبداد والطغيان، ونشر قيمها حتى وإن تطلّب ذلك تقديم تضحيات وتكبد خسائر واستحقاقات مادية وبشرية.

يمكن أن نعيد النظر في نسبة الاستطلاع لنجعلها أكثر واقعية وقبولا، وبدلا من 99% تكون 80%، ليصبح بإمكاننا ان نطرح التساؤل التالي.. ما هو الحيز الذي تشغله قضايا العرب والمسلمين في اهتمامات الناخب الاميركي بالشؤون الخارجية؟

ويبدو ثمة تعميم وشمولية في هذا التساؤل، وذلك يحتاج الى تفكيك لمجموعة تساؤلات فرعية، لعل أهمها ما هي القضية الرئيسية والمحورية لدى العرب والمسلمين؟.. الجواب يأتي سريعا .. القضية الفلسطينية.

والتساؤل الذي يطرح على ضوء الجواب، أين موقع تلك القضية في برامج وأطروحات المرشحين للرئاسة الاميركية؟.. الجواب يأتي سريعا ايضا.. لا موقع لها بتاتا.

وعلى مدى عقود طويلة لم نسمع ان شخصا يريد ان يصل الى البيت الابيض تبنى الدفاع عن الشعب الفسلطيني. وهو يدرك ان ما يوصله او يكون عاملا رئيسيا في وصوله الى زعامة اكبر دولة في العالم، هو تعهده بالدفاع عن " اسرائيل" والمحافظة على امنها، ونقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، وهكذا.

ولأن القضية الفلسطينية لا تضيف الى المرشحين ولا الى الناخبين شيئا حقيقيا في قاموس مصالحهم ومطامحهم فإنها تبقى خارج دائرة الاهتمامات والاطروحات. ولا يختلف الامر كثيرا عن القضايا العربية والاسلامية الاقل اهمية من القضية الفلسطينية.

هنا يطرح التساؤل التالي نفسه، لماذا ينشغل العرب والمسلمون على وجه العموم بالانتخابات الرئاسية الاميركية مع أن فوز هذا المرشح او ذاك لا يغير في حقيقة وجوهر السياسات والمواقف والتوجهات حيال قضاياهم الاساسية؟

اللافت أن غالبية العرب والمسلمين يتحمّسون دوما لفوز المرشح الذي هو خارج دائرة السلطة، سواء كان من الحزب الجمهوري او الحزب الديمقراطي، بصرف النظر عن طبيعة وجوهر البرنامج الانتخابي لكل منهما، وكأن ذلك الموقف يعكس نوعا من التشفي والانتقام من الرئيس الذي تربع على عرش البيت الابيض ولم يلبِّ طموحات العرب والمسلمين، أو لم يفِ بوعوده اليهم، علما انه لم يعدهم بشيء في السابق، ولا حتى منافسه لاحقا، بل الوعود والعهود والمواثيق تقطع وتطلق لتل ابيب.

لم ينجح العرب والمسلمون بأعدادهم الهائلة وثرواتهم الطائلة وامتداداتهم الواسعة بتشكيل لوبي ـ او لوبيات ـ lobbies - interests groups في الولايات المتحدة مثلما نجحت في ذلك "اسرائيل" التي تمثل جزيرة صغيرة في جغرافيا العرب والمسلمين، ولن ينجحوا بفعل ذلك ولو بعد مائة عام، والاسباب واضحة ولا تحتاج الى اي شرح.

واذا كانت مساحات الاهتمام بالانتخابات الاميركية قد تقلصت بالنسبة لبعض البلدان العربية بفعل التحولات السياسية الكبرى فيها، فإن ذلك لا يعني ان الصورة النمطية في الذهن العربي والاسلامي قد تبدلت وتلاشت، ولا يعني كذلك ان العرب والمسلمين ـ حكومات وشعوبا ونخبا ـ اكتشفوا ان هناك ما هو اهم من الانتخابات الرئاسية الاميركية التي يفترض او يولونها اهتمامهم، بل ان التحولات الحاصلة بطبيعتها الدراماتيكية الصادمة خلطت الكثير من الاوراق، وخلقت اوضاعا مضطربة في العقول والاذهان كما هو الحال في المدن والاوطان.

واذا كان القول المأثور (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين) لا ينطبق على العرب، فإن القول المأثور (الغريق يتشبث بقشة) بالتأكيد ينطبق عليهم.. وباراك اوباما لم يفعل للعرب والمسلمين شيئا، فهو لم يعد لهم اراضيهم المغتصبة، ولم يحل لهم مشاكلهم وأزماتهم مع اعدائهم وخصومهم ـ ومن بين هؤلاء الخصوم الولايات المتحدة الاميركية ـ ولم ينتشلهم من الضياع الذي هم فيه، ولم يأتِ لهم بالديمقراطية والحرية الحقيقية بعد خلاص البعض منهم من حكام الظلم والجور والاستبداد، حتى يتحمسوا لخصمه ومنافسه ميت رومني، وبعد اربعة اعوام يكون لكل حادث حديث، وأغلب الظن سوف يكون الحادث ذات الحادث والحديث ذات الحديث!

2012-11-05