ارشيف من :آراء وتحليلات

واشنطن تحاول حصر الهزيمة بحلفائها لتجنب الإقرار بفشل حربها السرية على سوريا

واشنطن تحاول حصر الهزيمة بحلفائها لتجنب الإقرار بفشل حربها السرية على سوريا

كانت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، تعلم جيداً، على الأقل منذ عشرين شهراً، بأن معظم أعضاء ما يسمى بالمجلس الوطني السوري، وغيرهم من المعارضين السوريين المتجولين بين الفنادق والمطاعم الفخمة في باريس ولندن ونيويورك واسطنبول والقاهرة والدوحة وغيرها من عواصم البلدان التي تتحرك إداراتها بتوجيه من واشنطن، لم يذهبوا إلى سوريا، والكلام لكلينتون، "منذ 20 أو 30 أو 40 عاماً". وبأنهم، بالتالي، لا يصلحون كبديل للنظام السوري الذي تجهد الإدارات الأميركية والغربية والمرتبطة لإسقاطه لسبب رئيسي هو حرصه على صيانة سوريا وشعبها في وجه سياسات التخريب والإفساد التي نجحت الولايات المتحدة بفرضها على معظم بلدان العالم العربي والإسلامي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

وبالطبع، فإن هذا الحرص رفع منسوب حمى الحنق على هذا النظام عند  الغربيين والإسرائيليين والاستسلاميين العرب، خصوصاً لأنه تجسد في رفض الحلول الإستسلامية التي ضلعت فيها معظم الأنظمة العربية، وفي الدعم السوري غير المحدود لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، ثم في التحالف الوثيق مع الجمهورية الإسلامية، وما نجم عن ذلك من تعطيل لحالة الاستسلام الضرورية لوضع مشروع الشرق الأوسط الجديد موضع التنفيذ.

ولكن علم وزيرة الخارجية الأميركية بعدم صلاحية المجلس الوطني لم يمنع الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وأدواتها في المنطقة من احتضانه وتدليله ودعمه بكل السبل المالية والإعلامية واللوجستية. وعندما ظهر للقاصي والداني مدى الإدقاع الذي يتمتع به ذلك المجلس وغيره من ممثلي وممثلات المعارضة السورية في الخارج، صار من الضروري رميه شأن كل ما يرمى بعد الاستعمال والاستعاضة عنه بأدوات جديدة.

تلك الأدوات الجديدة تسعى الولايات المتحدة إلى العثور عليها في الداخل السوري لتجنيدها ضمن إطار خطة جديدة لإسقاط سوريا التي استعصت على السقوط طيلة عشرين شهراً من حرب لا نجد مثيلاً لها في التاريخ لجهة العدد الضخم من الأطراف المشاركة فيها على مستويات الحشد والتسليح والتمويل والدعم الإعلامي والسياسي والديبلوماسي.

واشنطن تحاول حصر الهزيمة بحلفائها لتجنب الإقرار بفشل حربها السرية على سوريا

والواضح أن هذا التعويل على الداخل هو محاولة فاشلة سلفاً للفلفة الفضيحة المتمثلة بثورة يزعمون أنها منبثقة من الشعب السوري بينما هي في الحقيقة حرب إرهابية تشنها جماعات من عملاء وكالات الاستخبارات والشركات الأمنية والمرتزقة والمجرمين الذين يتم شراؤهم في الخارج قبل إرسالهم إلى سوريا حيث يطلقون العنان لإجرامهم عبر تدمير مؤسسات الدولة السورية وتوجيه الضربات إلى الجيش العربي السوري، واغتيال العلماء والأطباء، وتفجير الساحات العامة والأسواق المكتظة بالمدنيين العاديين.

كما أنه في الوقت نفسه اعتراف صريح بفشل الخارج، وخصوصاً تركيا والسعودية وقطر، وهي البلدان الأكثر تورطاً في الحرب على سوريا عبر دعم الجماعات المسلحة، في تنفيذ المهمة الموكلة إليها. ولكن الأكثر وضوحاً هو أن ما يشاع عن اجتماعات في الأردن وقطر يشارك فيها معارضون أغلبهم من داخل سوريا لا يعدو كونه تغطية هزيلة للواقع المتمثل بكون الجماعات الإرهابية المسلحة هي الجهة الوحيدة الناشطة في الداخل والتي يمكن الرهان عليها في الخطة الأميركية العتيدة. وقد اعترفت هيلاري كلينتون نفسها بذلك عندما أكدت اعتماد الخطة على المقاتلين الذين يقفون على خطوط المواجهة.  
 
لكن هيلاري كلينتون تعلم جيداً أن فطير الجماعات الإرهابية المسلحة هو من خمير المجلس الوطني السوري وغيره من المعارضين الناشطين في الخارج لأن الخارج هو القاسم المشترك بين الفريقين : فهؤلاء يتحركون في الخارج وأولئك يتسللون إلى سوريا من الخارج. وبالتالي، فإن المصير الذي ينتظر الجماعات الإرهابية المسلحة هو نفسه الذي أحاق بالمجلس الوطني ومعارضي الخارج.

 ومع هذا، فإن علمها بذلك لا يمنع واشنطن من احتضان تلك الجماعات ودعمها بكل السبل طالما أنها تقوم بدورها في إلحاق الأذى بسوريا وشعبها. لكنها تمهد في الوقت نفسه للتخلي عنها وأن تتركها لمصيرها في محاولة بائسة لوضع الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة بمأمن من التداعيات الكبرى لانتصار سوريا الذي بدأت معالمه ترتسم في الأقف القريب.
    
فالحقيقة أن كل ما يصدر عن المسؤولين الأميركيين من تحفظات تتعلق بخشيتهم من الخطر الذي يشكله من يسمونهم بـ "الجهاديين"الذين وصلوا إلى سوريا بتدبير أميركي مكشوف، ما هو إلا تبريرات استباقية لانسحاب الولايات المتحدة كلياً من الحرب على سوريا بهدف الحد من خسائرها اللاحقة وحصر هذه الخسائر بالأدوات المحلية والإقليمية التي استخدمتها في تلك الحرب.
2012-11-08