ارشيف من :آراء وتحليلات

اين بغداد في أجندات أوباما المقبلة؟

اين بغداد في أجندات أوباما المقبلة؟

لعدة شهور بدا للكثير من المعنيين بالشأن السياسي في العراق ان الرئيس الأميركي باراك اوباما وضع الملف العراقي على الرف إلى جانب ملفات خارجية اخرى. وهذا ما كان بالفعل طيلة المعركة الانتخابية الشرسة بينه وبين منافسه الجمهوري ميت رومني، والتي انتهت قبل أيام قلائل بانتصار تاريخي حققه الأول على الثاني.

ولم يكن وضع الملف العراقي على الرف من قبل أوباما شيئاً غريباً وأمراً خارج سياق المألوف، بل إن شهور المعارك الانتخابية في الولايات المتحدة الاميركية غالباً ما تشهد اغلاق وتعليق ملفات خارجية عديدة من قبل المرشح الذي هو في البيت الأبيض ويسعى الى البقاء فيه لأربعة اعوام اخرى.

وبخصوص ذلك يشير السفير الأميركي في المملكة العربية السعودية جيمس سميث الى صعوبة تبني مواقف محددة خلال الحملات الانتخابية، متوقعاً حصول تغير في الموقف الاميركي حيال الملفات الخارجية ليصبح اكثر وضوحاً عقب فوز اوباما.

ولأن واشنطن لديها تأثير غير قليل في مسارات الوضع العراقي الشائك والمعقد والمتداخل في كل عناوينه ومفرداته، لذا فإن احداً لم يكن يتوقع ان تتدخل بقوة وهي ترى وتراقب التجاذبات والاحتقانات الحادة بين بعض الفرقاء السياسيين العراقيين بشأن قضايا قد لا تكون مراكز صنع القرار الاميركي ودوائر التأثير المباشر بعيدة عنها.
اين بغداد في أجندات أوباما المقبلة؟

ربما كان هناك استغراق ومبالغة في تصوير قدرة واشنطن على توجيه الأمور وتحديد مساراتها وفك العقد المستعصية، وربط تصاعد حدة الخلافات والأزمات في المشهد العراقي خلال الشهور العشرة الأخيرة بانشغالات البيت الأبيض والمؤسسات التابعة له في معركة الرئاسة.

لو كان الامر كذلك فعلاً، فلماذا لم تفلح واشنطن في نزع فتيل الأزمات وردم الهوة بين الفرقاء في أوقات سابقة؟.

يجيب بعض المراقبين عن هذا التساؤل بالقول إنه من الخطأ افتراض ان الولايات المتحدة الأميركية تسعى جادة الى حل الخلافات ومعالجة الأزمات العراقية، بل هي قد تكون طرفاً في اختلاق وتأجيج البعض منها، والنقطة الثانية تتمثل في أن الولايات المتحدة حتى وإن سعت الى الحل فإنها لا تملك كل اوراقه، وفضلاً عن ذلك فإنها لا تستطيع دائماً فرض اراداتها وتصوراتها على كل الاطراف السياسية الداخلية وكذلك القوى الاقليمية التي لا تدور في فلكها ان لم تكن تتقاطع معها في الكثير من الاحيان.

لم يكن الملف العراقي حاضراً في المعركة الانتخابية بنفس حضور ملفات خارجية اخرى مثل الملف السوري والملف الايراني وملف الصراع الفلسطيني، وهذا أمر طبيعي جداً لأن اغلب مفرداته تتحرك في اطار داخلي على عكس الملفات الاخرى التي تتحرك في فضاءات اقليمية ودولية واسعة.

والتساؤل الذي ربما يطرحه البعض في العراق: هل سينتقل الملف العراقي بعد فوز أوباما الى مرتبة متقدمة في سلم اولويات السياسة الخارجية الاميركية؟.

القراءات الاولية تذهب الى ان فوز اوباما يمكن ان يساهم في تطوير وتعزيز العلاقات بين بغداد وواشنطن، وبرقيتا التهنئة اللتان وجههما كل من رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي تضمنتا هذا المعنى.

اما وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري فقد ذهب أبعد من ذلك حينما صرح قائلاً "ان فوز الرئيس الامريكي باراك اوباما بولاية ثانية سيسهم في مساعدة العراق في تنفيذ خططه في مكافحة الارهاب وتطبيق اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين مع تعزيز مشاريع التنمية والاقتصاد، وان هذا الفوز مهم لتعزيز السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة".

اين بغداد في أجندات أوباما المقبلة؟

وقد تبدو الرؤية التي تقول إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الاميركية لن تشهد اي تغيير مهم في المدى المنظور ازاء مختلف الملفات الاساسية، من ايران الى سوريا وغيرهما، لكن بعد التخلص من عبء الانتخابات ومن محاذيرها ستكون الادارة الاميركية اقل تردداً وأكثر قدرة على الحزم عندما تدعو الحاجة".. قد تبدو هذه الرؤية واقعية، وهي تمثل الوجه الاخر لمرحلة تعليق الملفات ووضعها على الرف خلال المعركة الانتخابية.

ولكن ما هو بديل التردد الاميركي حيال العراق في المرحلة السابقة؟.. ربما يرى الرئيس اوباما الذي لن يجد نفسه محكوماً بحسابات معقدة ترتبط بطموح نيل ولاية رئاسية ثانية، ان تدخلاً عسكرياً في العراق سيكون امراً لا بد منه في حال تنامي الارهاب مجدداً وعجز القوات العراقية عن السيطرة على الموقف، وما يشجع ويدفع الى مثل ذلك التدخل طبيعة الموقف العراقي الايجابي من الأزمة السورية وسبل حلها، وعلاقات بغداد البناءة مع طهران، ناهيك عن الانحسار المتواصل في تأثير ومحورية الاطراف السياسية المرتبطة انطلاقاً من عناوين طائفية معينة بقوى اقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا.

ومثلما لم يكن الملف العراقي في صدارة اولويات السياسة الخارجية الاميركية، فإنه من المستبعد ان يكون كذلك في المرحلة اللاحقة على اقل التقادير، واغلب الظن ان واشنطن ستضغط على بغداد بوتيرة متزايدة من اجل دفعها الى تغيير مواقفها حيال دمشق وطهران، دون الاهتمام كثيراَ بتفاصيل وجزئيات الخلافات والصراعات الداخلية المزمنة.

من غير المتوقع ان تقف واشنطن بقوة خلف الاكراد في مواجهة خصومهم في بغداد ولن تفعل العكس، ولن تساير الطموحات والاجندات "السنية" المدعومة من بعض الاطراف العربية والاقليمية، واذا فعلت ذلك فبحدود معينة. فخطورة وحساسية الملفات الخارجية، والتحديات الداخلية الاقتصادية، من المستبعد ان تتيح لواشنطن الدخول على خط الازمات العراقية الا في ما يتعلق بتلك الملفات وبمصالحها، والذين يأملون من اوباما - الذي لم يعرهم اهتماماً خلال الشهور العشرة الماضية، وكانوا يلتمسون له الاعذار-ان يدعمهم ، لن يجدوا ما يتمنونه ويتطلعون اليه.

ايقاعات الازمات مع دمشق وطهران ستلقي بعضا من ظلالهاً على بغداد، بيد ان موازين القوى العراقية لا يمكن ان تتغير بسهولة، ولا يمكن لواشنطن ان تغيرها حتى وان ارادت ذلك، وما عجز او تلكأ اوباما عن فعله بالامس، لن يفعله في الغد.
2012-11-10