ارشيف من :آراء وتحليلات
اوروبا الشرقية والوسطى في مهب العاصفة الاقتصادية
لا تزال الأزمة في منطقة اليورو تلقي بظلالها فوق منطقة اوروبا الوسطى والشرقية، حسبما جاء في تقرير قدمه المكتب البولوني للاستشارات PwC للمنتدى الاقتصادي السنوي الذي يعقد في مدينة كرينيتسا ـ زدروي البولونية والمشهور تحت اسم "دافوس اوروبا الشرقية".
ويقول التقرير "ان الوضع المالي الأساسي ليس مشجعاً. فحتى في هذه الفترة قبل وصول موجة اللااستقرار، فان تسعة اقتصادات في بلدان اوروبا الشرقية والوسطى تستخدم او هي في مجرى المباحثات لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي". ويضيف التقرير "ان القنبلة الموقوتة في الطرف الجنوبي لمنطقة اليورو" يمكن ان تجعل هذه الوضعية اكثر خطورة.
والمخاطر الاساسية بالنسبة لبلدان اوروبا الوسطى والشرقية تتأتى من اتجاهين:
من جهة، وكجميع الاسواق النامية، فإن دول المنطقة يمكن بسهولة ان تقع ضحية الذعر المالي العالمي المحتمل، وما ينتج عنه من هرب المستثمرين نحو ما يسمى ملاجئ اكثر امناً. وفي حال وقوع مثل هذا السيناريو فإن الوصول الى الاقتراض من الاسواق العالمية لصالح بلدان المنطقة سينكمش بشكل حاد وحتى سيتجمد. وهذا ما سيجبر تلك البلدان على تقليص حاجتها الى التمويل الخارجي، من اجل تجنب الافلاس. وهذا بدوره سيؤدي الى فقدان حاد لقيمة العملات الوطنية للبلدان المعنية، والى حدوث مشكلات في انظمتها البنكية، ووقوع ركود عميق.
وثاني تلك المخاطر يتأتى من خط الارتباط الوثيق لاقتصادات تلك البلدان باقتصادات اوروبا الغربية بوصفها السوق الاساسي للتصدير. وبسبب العلاقات الوثيقة مع اوروبا الغربية، فإن الركود العميق المحتمل في منطقة اليورو يمثل تهديداً اكيداً لبلدان اوروبا الوسطى والشرقية. وفي الوقت ذاته فإن استقرارها المالي هو كذلك مرتبط بمصير اليورو. فإن ثلاثة من تلك البلدان هي عضو في منطقة اليورو، وثلاثة اخرى، ومنها بلغاريا، فإنها تبادل عملتها الوطنية مقابل سعر محدد باليورو. والقطاع البنكي في غالبية بلدان المنطقة هو مرتبط بشكل وثيق بالمجموعات المالية الكبيرة في اوروبا الغربية، كما ان بلدان شبه جزيرة البلقان هي معرضة لخطر اضافي بسبب الحضور المكثف للبنوك اليونانية فيها.
ويفصّل التقرير المخاطر الاساسية التي تواجهها بلدان المنطقة كما يلي: التأثير العام للركود والمخاطر امام الاقتصاد الفعلي. الامكانيات المحدودة للمناورة على مستوى الاقتصاد الكلي (macroeconomic) لمواجهة الهبوط الاقتصادي، والمشكلات المحتملة على خط الدين الخارجي وكذلك في القطاع البنكي. وعلى اساس الوضعية المحددة لكل من الدول المعنية ، فإن واضعي التقرير يتوصلون الى الاستنتاج ان الدولة الاكثر هشاشة وتعرضاً للخطر هي لاتفيا، تتبعها سلوفينيا، هنغاريا وبيلوروسيا. ومجموعة البلدان التي هي تحت خطر جدي هي بلغاريا، اوكرانيا وصربيا. ويبدي التقرير "قلقاً جدياً" نحو ليتوانيا، كرواتيا، سلوفاكيا، رومانيا، استونيا وبولونيا وبدرجة اقل قليلاً نحو تشيخيا. فقط تجاه روسيا يصف التقرير الوضع بأنه "مريح جداً"، وهو ما يرتبط بشكل رئيسي بالقدرات الواسعة للمناورة في السياسة الاقتصادية الكلية (macroeconomic).
ويعلق التقرير بما يلي "والمفارقة المحزنة هي ان العلاقات الوثيقة مع اوروبا الغربية كان ينبغي ان تكون لها الاولوية في تطوير بلدان اوروبا الوسطى والشرقية، ولكن يبدو الان ـ وعلى الاقل على المدى القصير ـ ان هذه العلاقات تبدو كعائق لهذا التطوير". وحسب رأي واضعي التقرير ان التنبؤ الذي سبق وعرضه صندوق النقد الدولي بأن الركود قصير الامد وغير العميق الذي كان من المتوقع ان يصيب اقتصادات اوروبا الوسطى والشرقية، يبدو ـ اي هذا التنبؤ ـ "متفائلاً نسبياً". اما توقعات المكتب البولوني للاستشارات PwC بخصوص اقتصادات بلدان المنطقة فترى انه سيجري تباطؤ في الناتج المحلي القائم. الا ان المشكلات المتوقعة تبدو اخف مما كانت عليه في السنوات 2009 الى 2011. ولكن الخطر امام بلدان المنطقة يتأتى مما اذا كان الركود والهزات المالية في منطقة اليورو ستكون اعمق مما يتوقع. فبحسب ذلك سيزداد الخطر مع وجود نقاط ضعف بنيوية في اقتصادات منطقة اوروبا الوسطى والشرقية.
وكعوامل اساسية للتغلب على المخاطر يعدد PwC الاجراءات التالية: المرونة في القطاع الفعلي، الادارة المناسبة للمؤسسات المالية، اتباع سياسة اقتصادية عقلانية وكفوءة، اطار ضبط جيد، اصلاحات بنيوية نشطة وتعاون فعال بين الحكومة والقطاع الفعلي. ويرى التقرير انه في كل الاحوال، ينبغي لبلدان المنطقة ان تكون مستعدة للتعايش لوقت طويل مع وسط خارجي غير ملائم، وانخفاض النمو الاقتصادي وعدم الاستقرار المالي.
وبحسب التقرير تتعرض بلدان المنطقة لمخاطر الارتباط بالتصدير الى اوروبا الغربية، وحساسية مسألة استيراد الخامات. والخطر هو على جميع بلدان المنطقة الا انه سيكون اشد ما يكون على سلوفينيا، بلغاريا، بيلوروسيا وسلوفاكيا. وقد اشار تقرير فصل الخريف لصندوق النقد الدولي، ايضاً، الى انعكاسات مخاطر مشكلات منطقة اليورو والتصدير الى بلدان اوروبا الغربية، بالنسبة لبدان اوروبا الوسطى والشرقية.