ارشيف من :مواقف الأمين العام لحزب الله
السيد نصر الله وجه التعزية والتبريك لحماس بشهادة الجعبري ودعا لموقف عربي واسلامي ضاغط لوقف العدوان على غزة
وجه الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التعزية والتبريك لحركة المقاومة الاسلامية "حماس" على استشهاد القيادي أحمد الجعبري في العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وقال السيد نصر الله في خطابه الاول بمناسبة احياء ليالي عاشوراء في مجمع سيد الشهداء (ع) في الرويس بالضاحية الجنوبية لبيروت، هناك في غزة مقاومة لديها من الحكمة والجرأة وتطور الامكانيات ما يؤهلها لمواجهة بهذا المستوى وما حصل اليوم (الخميس) من اطلاق صواريخ فجر 5 على تل ابيب يدل على صلابة وشجاعة المقاومة وحضورها الحالي القوي في قطاع غزة.
واعتبر سماحته أن ما يجري هو حلقة من الصراع بين العدو ومن يقف خلفه وبين حركات المقاومة ومن يقف خلفها، وقال نلاحظ من خلال ما جرى ان العدو لا يحتاج الى ذريعة للحرب والعدوان، فعندما تكون حكومة العدو لديها مصلحة سياسية او انتخابية فإنها تأخذ قرارا بالعدوان وذلك كما حصل في عناقيد الغضب ضد لبنان عام ستة وتسعين.
ولفت السيد نصر الله الى ان هذا العدو لجأ الى الخداع والغدر بعدما أشاع أنه يتجه للتهدئة وعمد للتربص بالقيادي في حماس وقتله وبدأ العدوان على غزة.
تابع سماحته انظروا الى الاهداف التي اعلنها العدو في حربه على غزة، العدو استفاد من تجربتي حرب تموز ضد لبنان وحرب 2008 على غزة، الان يأتي الاسرائيلي بأهداف قاسية لكنه لم يعلن عنها، تحدثوا عن ضرب البنية القيادية في غزة، وضرب القدرة الصاروخية في غزة. وقال مسؤولو العدو نحن نريد استعادة معادلة الردع مع قطاع غزة.
وقال السيد نصر الله نحن نعلّق آمالا كبيرة على قوة المقاومة في غزة ونأمل أن يقلب الله السحر على الساحر. أضاف: العدو فوجىء بسقوط صواريخ فجر 5 على تل ابيب وهذا تطور مهم في تاريخ الصراع بين المقاومة والعدو.
وتابع سماحته يبدو ان الشعوب العربية والاسلامية محتاجة الى إيقاظ من خلال الدماء التي تجري في غزة، واليوم يظهر الموقف الحقيقي للولايات المتحدة وبريطاانيا وفرنسا، وقال دماء الاطفال في غزة كشفت من جديد الوجه الحقيقي لاميركا والغرب حيث اعلن هؤلاء دعمهم للعدوان على غزة، وهذا يؤكد انهم لا يهمهم الدفاع عن المظلومين انما الدفاع عن مصالحهم، المعيار ليس انساني او اخلاقي او حقوقي انما مصالحهم وجاءت اليوم مظلومية غزة لتفضح الموقف الاميركي والغربي الذي حاول ان يخدع الرأي العام العربي والاسلامي مؤخرا.
السيد نصر الله قال إن ما هو مطلوب للدفاع عن غزة هو العمل وليس إحراج احد، المطلوب التعاون بين الشعوب والحكومات لتمكين القطاع المجاهد من تحقيق الانتصار وافشال العدوان بالحد الادنى، اولا المطلوب استدعاء السفراء، وقطع العلاقات والغاء الاتفاقيات او تجميدها على الاقل، وفك الحصار عن غزة، وتزويد غزة بالسلاح والذخيرة لتتمكن من الصمود.
وتابع كان دائما يقال عن ضرورة ان توظف الدول العربية علاقاتها مع امريكا للضغط على العدو وهنا مطلوب جهد وضغط، حكاية ان اسرائيل لا ترد على امريكا غير صحيح. العرب قادرون على ذلك ودائما كان يحكى عن سلاح النفط، عدلوا بالسعر، بحجم التصدير، قللوا من الكمية المصدرة يرتفع السعر. عندها تنهار دول بأكملها في الغرب.
وأضاف المطلوب موقف حقيقي للدول العربية والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي للضغط على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على الكيان الصهيوني لوقف العدوان. الامين العام لحزب الله قال ليس صحيحا ان رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو ووزير حربه ايهود باراك يخوضان حربا على غزة لصرف الانظار عن سوريا، الصحيح أن العدو يستفيد من توقف احد خطوط الامداد لغزة وهي سوريا التي تشهد حربا وقتالا، بالتأكيد سوريا ليست قادرة الان على ان تكون جزءا من الدعم اللوجستي، القتال في سوريا يحدث حالة ارباك لخط الامداد، اسرائيل تستفيد من الصراعات الموجودة في المنطقة من تبديل الاولويات وتبديل العدو الى صديق والصديق الى عدو، ولذلك ما ادعو اليه القيادات السياسية هو صب كل الجهود لردع ومنع العدوان عن قطاع غزة، وقال دائما كانت فلسطين نقطة جمع ولمّ للارادات لتنظيم الاولويات.
وختم السيد نصر الله حديثه عن غزة بالقول نحن امام مشهد مواجهة الدم مع السيف، كما استطاع الدم ان ينتصر على السيف من كربلاء الى المقاومة في لبنان، نحن امام أمل جديد بانتصار الدم على السيف في غزة. ونحن معنيون في لبنان بالمواكبة والمتابعة والبقاء على تواصل مع اهلنا في غزة لانها ليست معركة غزة لوحدها ويجب ان تكون معركتنا جميعا.
مواجهة الاحتقان ومشروع الفتنة
وتطرق السيد نصر الله الى مناسبة عاشوراء، وقال نحن نحيي مناسبة عاشوراء بمسؤولية خصوصا اننا امام احتقان يأخذ المنطقة نحو فتنة سنية -شيعية، ويجب النظر الى هذا الاحتقان على انه أمر خطير يجب مواجهته بمسؤولية، ودعا الى العمل بجدية لمعالجة الموقف عبر عدم زيادة التوتير ومنع الانفجار والعمل بجهد من قبل كل الاطراف لانهاء هذا الاحتقان والتوتر وعودة الامور الى طبيعتها وهو موقف تاريخي يجب العمل عليه. وكلنا شركاء في تحمل المسؤولية. وقال الملف بشكل عام بحاجة الى تأمل ومعالجة، وأكد ان احياء عاشوراء ليس فيه أي استهداف للسنة.لان هدفها الدفاع عن رسول الله وعن نهجه ولأن كربلاء قوة وجدانية في هذه الامة لمواجهة التحديات ومواجهة الاخطار واستنهاض الهمم والارادات.
تعاليم عاشورائية
واكد السيد نصر الله على اظهار الحزن على الامام الحسين عليه السلام في هذه المناسبة، وعلى الحضور المباشر في المجالس وعدم الاكتفاء بمتابعة المناسبة على التفلزيون او عبر الانترنت، والبكاء على مصاب ابي عبد الله الحسين عليه السلام وهذا يقتضي الاستماع والانتباه، والحرص على زيارة سيد الشهداء ولو عن بعد، وتذكر عطش الحسين عليه السلام ، ولبس السواد كمظهر من مظاهر الحزن، والتعاطي بكل لوازم الاحترام للمجالس والاحياء من خلال عدم الاختلاط وعدم التصفيق والصبر والتحمل.
وهنا النص الحرفي لكلمة السيد حسن نصر الله في الليلة الأولى من ليالي عاشوراء:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي يا أبا عبد الله الحسين، يا بن رسول الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
إخواني وأخواتي: السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وعظّم الله أجوركم، وشكر الله سعيكم في هذه الأيام وفي هذه الليالي، حيث نستعيد ذكرى المصيبة العظيمة والكبرى في تاريخ هذه الأمة وما لحق بأهل بيت رسول الله وآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم العاشر من محرم في ساحة كربلاء.
أنا الليلة كنت أنوي أخذ كامل الوقت لموضوع محدد يرتبط بطبيعة ولوازم ومناخات إحياء هذه المناسبة وإحياء هذه المجالس ومقاربة هذه الذكرى كمدخل لإحياء بقية الليالي، خصوصاً نحن في الليلة الاولى، وآخذ بعين الاعتبار اجواء الاحتقان المذهبي والطائفي الموجودة في المنطقة في الآونة الاخيرة، لكن التطورات التي حصلت في الأمس واليوم تفرض نفسها علينا بقوة، ولذلك الوقت المتاح سوف أقسمه إلى قسمين:
في الجزء الأول سوف أتحدث عن التطورات الاخيرة وأقصد بها موضوع غزة بالتحديد والعدوان الاسرائيلي على غزة والمواجهة القائمة في غزة.
والجزء الثاني هو الموضوع الأساسي الذي كنت أنوي أن أتحدث عنه كمدخل لهذه الليلة لاحياء المناسبة في الليالي المقبلة إن شاء الله.
في الجزء الأول، شهدنا في الأمس عدواناً إسرائيلياً واسعاً ووحشياً على أهلنا في قطاع غزة، وابتدأ هذا العدوان باغتيال قائد جهادي كبير هو الشهيد القائد أحمد الجعبري، وسقط معه شهداء.
وبنتيجة العدوان هناك أيضاً عدد كبير من الشهداء المدنيين وعدد كبير من الجرحى، والعدوان ما زال مستمراً إلى اليوم، في ظل مواجهة قوية وصلبة من قبل المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها.
طبعاً في البداية يجب أن نتوجه إلى إخواننا في قيادة حماس، نقدم لهم العزاء، نبارك لهم أيضاً، لأن الشهادة هي موضع التعزية والتبريك، بشهادة هذا القائد الجهادي الكبير، صاحب التاريخ الجهادي الكبير في المقاومة أعني الشهيد احمد الجعبري، ولكل الفصائل ولأهلنا في غزة ولكل الشعب الفلسطيني بالشهداء الأعزاء الذين قضوا بالأمس واليوم، وما زالوا يواجهون باللحم وبالدم هذا العدوان الصهيوني المتواصل.
من أبسط الأمور أن نقول جميعاً إننا ندين هذا العدوان، إننا نستنكر هذا العدوان، ويجب أن نتوقف عنده قليلاً في ما سنتكلم، ومن أبسط الأمور أن نقول إن على جميع الدول،حكومات وشعوباً، بل على جميع أحرار العالم أن يقفوا اليوم الى جانب غزة وأهل غزة، وإلى جانب المقاومة في غزة والمجاهدين المقاومين في غزة، في وقفة حقيقية وأصيلة وتاريخية.
طبعاً، من البداية إلى النهاية يبقى الرهان الأساسي بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى وفضله ونصره وعونه، هو على إرادة الشعب في غزة وعلى إرادة المقاومة، صمودها وصلابتها، ومما يدعونا إلى الثقة والاطمئنان والتفاؤل، هو أننا جميعنا نعرف أن في غزة مقاومة لديها من الحكمة ومن الشجاعة ومن الصلابة ومن الجرأة ومن تراكم الخبرات ومن تطور الإمكانيات البشرية والمادية ما يؤهلها لمواجهةٍ من هذا المستوى الكبير والخطير والحاسم. وما حصل اليوم من إطلاق صواريخ فجر 5 على تل ابيب هو يدل على رشد وحكمة وصلابة وشجاعة المقاومة الفلسطينية وحضورهاالحالي في قطاع غزة.
طبعا هذه النقطة أعود إليها بعد قليل.
طبعاً في هذا الذي يحدث، هناك عدة نقاط يجب أن نتوقف عندها باختصار شديد:
(ما يحصل) هو حلقة من حلقات المواجهة الدامية بين العدو الصهيوني وشعوب منطقتنا، وبالتحديد الشعب الفلسطيني. (هو) حلقة من حلقات المواجهة التاريخية والمصيرية والدامية التي تكتب مصير فلسطين ومصير المنطقة والأمة والمقدسات، بين العدو الصهيوني ومن يقف خلفه، وبين حركات المقاومة ومن يقف خلفها، وبالتالي هي واحدة من المراحل التي تحتاج إلى التوقف وإلى أخذ العبرة وإلى الدراسة وإلى تحمل المسؤوليات.
نلاحظ من خلال ما حصل هذين اليومين في غزة تأكيد على مجموعة مفاهيم، منها أولاً، أن هذا العدو لا يحتاج إلى ذريعة الحرب والعدوان، لم يكن يوجد شيء!
حكومة العدو لديها مصلحة سياسية ولديها مصلحة إنتخابية، مثل الآن مصلحة نتنياهو، تماماً مثلما تذكرون عملية عناقيد الغضب في نيسان 1996، لأسباب وأحداث تحصل بشكل دائم، شيمون بيريز في ذلك الوقت، ولأنه كان على مقربة من الإنتخابات، كان يحتاج إلى عمل إنجاز عسكري، ففتح حرباً مع لبنان، أسموها عناقيد الغضب، لكن انقلب السحر على الساحر.
الإسرائيلي عندما تقتضي مصلحته السياسية أو الإنتخابية أو الأمنية أو أي إعتبار من إعتبار المصالح، هو يبدأ عدواناً ولا يحتاج إلى ذريعة، ولا يحتاج إلى حجة، ولا يحتاج إلى فعل فلسطيني أو لبناني أو غيره، ليقوم بما قام به من رد فعل. هذا أولاً، طبعاً النقاط هي واضحة ولكن أريد أن أثبتها وأن أُذكّر بها، أُذكّر بها الفلسطينيين واللبنانيين وشعوب المنطقة وحكوماتها وكل الناس الذين ينسون بسرعة.
ثانياً: أن هذا العدو لجأ كالعادة إلى الخداع وإلى الغدر، وهذا ما تحدث عنه الإخوة اليوم في قطاع غزة. قام العدو بالإيحاء قبل أيام بأنه يقبل بتهدئة ويعمل بالتهدئة وتم طمأنة الفلسطينيين، وبعد أن أُشيع هذا المناخ، بطبيعة الحال عندما يحدث جو من التهدئة فالناس ترتاح قليلاً، فتربص العدو بهذا القائد الجهادي وقتله، وبدأ هذا العدوان الواسع على قطاع غزة. هذه هي طبيعة هذا العدوان، من يطمئن لهذا العدو، ومن يثق بهذا العدو، ومن يُخدع بهذا العدو، بعد كل هذه التجارب الطويلة، يجب أن نكون دائماً حذرين.
النقطة الثالثة: أنظروا إلى الأهداف التي أعلنها العدو من العدوان على غزة.
عندما ننظر إلى الأهداف، فإننا نكتشف حقيقةً أن الإسرائيلي قد استفاد من تجربة حرب تموز 2006، وحرب غزة 2008.
لقد إستفاد العدو من تجاربه. في تلك الحربين، وضع أعلى الأهداف، أهدافاً عالية جداً، ولم يقدر أن يُحقق أهدافه، وفشل في تحقيق الأهداف، وأُعتبر أن هذا فشل أو إخفاق أو هزيمة، وبالتالي من جهة أخرى، أُعتبر هذا انتصاراً للمقاومة في لبنان في حرب تموز، وللمقاومة في غزة في 2008.
الآن أتى الإسرائيلي بعقلية عدوانية وبأهداف قاسية جداً ضمناً، لكن بالمعلن وضع أهدافا سقفها ليس عالياً. يعني أنه لم يأتِ ليقول: أنا ذاهب إلى الحرب في غزة وأريد أن أجتث فصائل المقاومة، وهو يعرف أن هذا الهدف هو غير قابل للتحقيق، وأنني أُريد أن أحتل قطاع غزة، وهو يعرف ان هذا الهدف هو صعب التحقيق، وأصلاً هو ليس مقصوداً له. إذاً، حتى أنه لم يقل: إنني ذاهب من أجل أن أوقف الصواريخ، لقد أتى ليضع مجموعة أهداف، مهما فعل العدو، يستطيع نتنياهو وباراك أن يخرجا غداً ويقولا: نحن حققنا أهداف العملية. واحد: تحدثوا عن ضرب البنية القيادية لحركات المقاومة في غزة، وبدأها بقتل قائد جهادي كبير. ثانياً: ضرب القدرة الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، وبدأها بضرب بعض منصات الصواريخ على ما أعلن هو، لكن أنا لا أعرف الحقيقة حتى الآن. وثالثاً: قال: نحن نريد أن نستعيد قوة الردع أو معادلة الردع مع قطاع غزة، وهذا ضمناً يوجد إعتراف، أنه خلال المرحلة الماضية إستطاعت المقاومة في غزة أن تفرض معادلة ردع ما، والإسرائيلي الآن جاء ليقول: أنا أريد أن أستعيد وأن أُغيّر من هذه المعادلة، أريد أن أستعيد هيبة الردع وقوة الردع على الفلسطينيين، أتى ووضع هدفاً، حيث قال: الهدف هو إلحاق أكبر أذى أو ضرر ممكن في بنية الفصائل الفلسطينية، لكن هل هدفه هو هذا فقط أو أكثر من ذلك؟ هذا ما سيتضح من خلال مسار الأحداث وتطورات الأحداث خلال أيام قليلة.
لكن ما بدأه الإسرائيلي، نحن نُعلق آمالا كبيرة ـ كما بدأت بالحديث ـ على قوة وصلابة المقاومة في غزة (في إفشاله). "الآن موقف الأمة والمسؤوليات سآتي عليها بعد قليل"، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يقلب السحر على الساحر، يعنى إذا هم ذاهبين إلى عملية يريدون أن يُوظفوها في الإنتخابات، إن شاء الله ستنقلب على حساباتهم، وأيضاً حتى حساباتهم العسكرية، يعنى عندما خرج وضرب كما إدعى أنه ضرب منصات الصواريخ، والإسرائيلي تكلم عن منصات صواريخ بعيدة المدى، ويقصد ببعيدة المدى يعني فجر 5، التي تطال أكثر من سبعين كيلو متراً، واعتبر أنه دمر هذه المنظومة، ولذلك أمس واليوم عندما دعا إلى النزول إلى الملاجىء وإلى التعطيل وإلى الإحتياط، قال للمستوطنين وللمستعمرين، إنه بمسافة وبشعاع أربعين كيلومترا، يعني أنه إعتبر أن القدرة الصاروخية الموجودة في قطاع غزة، والتي تتجاوز الأربعين كيلومترا تم تدميرها. أما تلك التي تطال (الأهداف) خلال أربعين كيلومترا، سواءٌ أكانت كاتيوشا أو كاتيوشا معدل أو صواريخ محلية الصنع أو ما شاكل، خلص إلى هذه يمكن ان تكون موجودة، أما أكثر من أربعين كيلومترا هو لم يعمل إجراءات أساسية (في مواجهتها).
وقد فوجئ اليوم بسقوط صواريخ، ولقد اعترف.
أمس كان العدو ليلاً ينكر حصول ذلك الأمر، لكن اليوم كلا، لقد إعترف بأن هناك صواريخ فجر5 سقطت على تل أبيب، وهذا تطور كبير جداً في تاريخ الصراع بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، تطور كبير جداً وهام جداً.
حسناً، هذا بالتأكيد فاجأ الإسرائيليين وفاجأ حساباتهم وفاجأ معلوماتهم. لا أعلم هل وقع في نفس الخطأ الذي حصل في حرب تموز، عندما انطلقت طائرات العدو وضربت أماكن، واعتبر العدو أنها منصات الصواريخ، وأعلن انتصاره بأن القدرة الصاروخية الأساسية البعيدة المدى والطويلة للمقاومة في لبنان تم القضاء عليها، وتبين غير ذلك. هل نفس الخطأ قام العدو بارتكابه في غزة؟، هذا الأمر ممكن، لكن نفس أن تستطيع المقاومة اليوم أن تطلق صواريخ فجر5 على تل أبيب، هذا الأمر له دلالات كثيرة، بالمعنى العسكري وبالمعنى الأمني، وبمعنى قدرة الحركة، وبمعنى الإرادة وبمعنى الإستهدافات وبمعنى أفق المعركة، ونقف عنده طويلاً.
النقطة الرابعة: أيضاً أريد أن أقف عندها بمقطع غزة، يبدو أننا الشعوب العربية والإسلامية أيضاً نحتاج (للتوقف عندها)، ويبدو للأسف الشديد أنه نذهب في غفلة ولا توقظنا إلا الدماء، دماء المظلومين ودماء الشهداء، اليوم يتجدد وعي حقيقي لموقف وحقيقة موقف الولايات المتحدة الأميركية، ومعها أيضاً بريطانيا ومعها أيضاً فرنسا، لأنه للأسف الشديد هناك الكثير من النخب العربية خلال العامين الماضيين من الحراك والثورات والصحوات في العالم العربي، بدأوا بتعديل المفهوم، أو يقدمون لشعوبهم مفهوما خاطئا، وكأنها الولايات المتحدة الاميركية الآن إستيقظت بعد كل هذا التاريخ الإجرامي، استيقظت على قيم الديموقراطية وحقوق الشعوب المظلومة والمضطهدة، وتريد أن تمد يدها لمساعدة المظلومين والمضطهدين والمعذبين، وبدأنا نسمع كلاماً من هنا عن علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، وعن تقدير لموقف أميركا و.. و...و...
جاءت اليوم دماء القادة في غزة والشهداء في غزة والمدنيين والنساء والأطفال في غزة، لتكشف من جديد حقيقة الوجه الأميركي والوجه الغربي في التعاطي مع الأحداث، خرجت أميركا من أول يوم ومن أول ساعة لتقول إنها تدعم ما تقوم به إسرائيل، وتدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، يعني أنه أصبح أهل غزة هم المعتدين، وتُدين فصائل المقاومة وحماس بالاسم، وتعتبرها هي المعتدية، وهي التي تتحمل مسؤولية تفجير الأوضاع.
على نفس هذا الموقف نسج الفرنسي، وعلى نفس هذا الموقف نسج البريطاني، ويبقى أن نرى الباقين الذين يلحقونهم، هذا يؤكد لنا من جديد أن ما يعني أميركا وفرنسا وبريطانيا والغرب في منطقتنا لا القيم ولا حقوق الإنسان ولا الدفاع عن الحريات ولا عن المظلومين، وإنما مصالحهم هم، مصلحتهم هم، في هذا البلد، هنا في المنطقة، مصلحتهم مع إسرائيل، فلتفعل إسرائيل ما تشاء، عندما نذهب إلى أي بلد مصلحتهم في بقاء هذا النظام، يدافعون عن هذا النظام، أما إذا كانت مصلحتهم في إسقاط هذا النظام يقدمون كل وسائل الدعم لإسقاط هذا النظام.
معيارهم ليس معياراً انسانياً أو قانونياً أو حقوقياً على الاطلاق وانما المعيار هو مصالحهم.
جاءت اليوم غزة ودماء غزة والشهداء في غزة ومظلومية غزة لتفضح الموقف الاميركي والغربي الذي حاول أن يخدع الشعوب العربية والاسلامية وخصوصا على مدى العامين المنصرمين.
النقطة الخامسة: أن ما هو مطلوب عربياً واسلامياً تجاه ما يجري اليوم في غزة لا يحتاج الكثير من الكلام والتنظير. ما زلنا من ستين سنة وخمس وستين سنة ومن بداية الصراع، كلنا نعرف ما هو المطلوب، لمّا حصلت حرب 2006 خرجت كل القيادات السياسية ونخب ومقاومون وعلماء ومنظّرون وقالوا ما هو المطلوب، لمّا حصلت حرب غزة 2008 خرج جميع الناس وقالوا ما هو المطلوب. واليوم مطلوب نفس الشيء.
اليوم بالكلام النظري بالمناشدات بالمطالبة لا يوجد شيء جديد يطالب، هو نفس الذي كان يقال دائما، لكن لم يكن يعمل به.
اليوم المطلوب هو إرادة العمل، المطلوب هو العمل، وبالتالي لمّا نعيد المطلوب ليس المقصود إحراج أحد.
نفس ما كنا نقوله ونطالب به ويطالب به العرب والمسلمون جميعا في 2008 و 2006 هو الذي نطالب به جميعا اليوم في 2012، سواء في زمن النظام المصري سابقاً أو حاليا، سواء في الأنظمة السابقة والحالية في العالم العربي، وبالتالي هنا ليس المطلوب احراج أحد أو المزايدة على أحد. المطلوب موقف، اليوم المطلوب الجدية، يوجد شعب وقطاع ومقاومة يواجهون، الآن ليست محل للمزايدات، قلت لي وقلت لك ورأيته ولم أره، اليوم مطلوب أن نتعاون جميعاً، أن تتعاون كل الحكومات العربية وكل الحكومات الاسلامية، كل الشعوب العربية والاسلامية من أجل تمكين هذا القطاع المجاهد والمقاوم والصامد من تحقيق الانتصار وإفشال العدوان الاسرائيلي بالحد الادنى.
ما هو الذي كان يحكى؟
كان يقال: أولاً،استدعاء السفراء. ثانياً، قطع العلاقة مع اسرائيل. ثالثاً، إلغاء الاتفاقيات الموقعة معه أو اضعف الايمان تعليقها. إذا كنت لا تريد الالغاء، علق.
هذا كان دائما يحكى في السنوات الماضية. فك الحصار عن غزة وامداد غزة بالسلاح والذخيرة والطعام والدواء وليس فقط بالدواء والطعام، بالسلاح والذخيرة لتتمكن غزة من الصمود والمقاومة وهي قادرة. يعني أهلها شعبها رجالها نساؤها مقاوموها قياديوها، هم مؤهلون لتحمل هذه المسؤولية التاريخية، ولكن المطلوب أن يقدم لهم هذا المستوى من الدعم وهذا المستوى من المساندة.
كان دائما يقال والآن نعيده ونقول أن توظف الدول العربية والاسلامية علاقاتها مع الادارة الاميركية والدول الغربية للضغط على اسرائيل لوقف عدوانها على غزة.
لا أحد يأتي ويقول اليوم تفضلوا أيها الدول العربية وافتحوا الحدود وابدأوا عملية تحرير فلسطين، نريد أن نوقف العدوان على غزة، هذا لا يطلب منكم حربا، هذا يطلب منكم جهداً، جهدا مع الاميركي، مع الادارة الاميركية، مع الدول الغربية، وهي تستطيع أن تضغط على اسرائيل.
قطعاً، حكاية أن اسرائيل لا ترد على أميركا ولا ترد على الغرب، هذا كلام غير صحيح. أي ضغط أو تهديد أميركي أو هاتف أميركي لاسرائيل تقف الحرب على غزة.
اليوم دائما كان يُحكى عن موضوع سلاح النفط، طيب، ممكن أن يقول أحدكم إن العرب ليس لديهم شجاعة أن يأخذوا قراراً بوقف النفط، إذاً عدّلوا بالسعر، عدّلوا بحجم تصدير انتاج النفط، قللوا النسبة وارفعوا السعر.
تعرفون اليوم أنه يوجد دول في اوروبا، اذا ارتفع سعر النفط تنهار، ينهار اقتصادها، وأنا لا أبالغ، هذا كلام خبراء اقتصاديين استراتيجيين.
نفس الولايات المتحدة الاميركية التي تواجه الآن صعوبات اقتصادية ومالية وعواصف وثلوج، الآن خففوا تصدير النفط لها، ويرتفع سعر النفط قليلا، فسوف ترون أميركا قد اهتزت وأوروبا قد اهتزت. إن كنتم لا تقدرون أن تقطعوا النفط قللوا الانتاج، ارفعوا السعر، اضغطوا، لا أحد يطلب منكم لا جيوشا ولا دبابات ولا طائرات، وهذا برسم كل الدول العربية والاسلامية بشكل اساسي.
إذاً، أصبح واضحاً ما هو المطلوب أن يُعمل.
الآن الشعوب العربية والاسلامية تدعم، تتظاهر، تدعو (الله)، تبعث أموالاً، تحاول أن توصل السلاح، الى آخره، هذا كله على كل حال مطلوب. لكن الذي يغيّر المعادلة، الذي يوقف العدوان هو موقف حقيقي للدول العربية والاسلامية في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي وهذه الدول قادرة بقرار واحد أن تفرض على أميركا أن تفرض على اسرائيل وقف عدوانها على غزة.
النقطة التي تليها، فقط من أجل لملمة الجو والاستفادة من العبرة، حتى تبقى في هذه اللحظة الجهود كلها مركزة باتجاه غزة والدفاع عن غزة وحماية غزة.
سمعت بعض القيادات السياسية في بعض البلدان العربية يقولون إن الهدف من الحرب على غزة هو صرف الانظار عما يجري في سوريا.
أولا هذا كلام مؤسف وهذا تحليل مؤسف. الآن، (أن يُقال) إن نتانياهو وباراك قد قاموا بحرب على غزة لصرف النظر عن ما يجري في سوريا.
إن الاهداف الإسرائيلية التي أعلنوها واضحة، الصحيح أن يقال إن اسرائيل تستفيد جيداً من الصراعات الموجودة في المنطقة، تستفيد جيداً مما يجري في سوريا من أجل شن عدوان على غزة.
اليوم الحرب على غزة تجري في ظرف مختلف عن سنة 2008.
في سنة 2008 وضعنا محور المقاومة بمعزل عن بقية المواقع، كات لديه قدرة تقديم أشكال دعم مختلفة لقطاع غزة وهذا حصل في ال 2008 وقبل ال 2008 وبعد ال 2008، والذي يترجم اليوم فعلا ميدانيا.
الذي يجري أن أحد خطوط الامداد لقطاع لغزة متوقف والذي هو سوريا. سوريا اليوم مشغولة بنفسها، تدور فيها حرب وقتال في العديد من المحافظات والمدن والقرى، بالتأكيد هي الآن ليست قادرة أن تكون جزءاً من الدعم اللوجستي، في الموقف السياسي تبقى قادرة على أخذ موقف سياسي.
حسناً، القتال في سوريا لا شك أنه يقوم بإرباك أي عملية امداد، يمكن أن تحصل على مستوى محور المقاومة باتجاه غزة.
لماذا لا نقول إن إسرائيل تستفيد من الصراع القائم في سوريا، من التشظي الموجود في المنطقة ومن الصراعات الموجودة في المنطقة ومن الاحتقانات الموجودة في المنطقة من انقلاب الأولويات، من تبديل الأعداء أصدقاء والاصدقاء أعداء، وتعتبر أن هذه فرصة مؤاتية جداً لضرب قطاع غزة، لاستعادة معادلة الردع، لضرب القدرة الصاروخية في قطاع غزة، التي تتصور اسرائيل أنه سيصعب تعويضها نظراً للتطورات الموجودة في منطقتنا وفي سوريا. هذا غير صحيح.
ولذلك ما أدعو اليه القيادات السياسية: يوجد خلاف، يوجد مشاكل على ملفات أخرى، على سوريا على غير سوريا، لكن دعونا الآن نصب كل جهودنا على ردع ومنع ووقف العدوان عن قطاع غزة وحماية شعب غزة.
دائماً كانت فلسطين وغزة نقطة جمع، نقطة توحيد، نقطة اجماع، نقطة لمّ للشمل، للمشاعر، للعواطف، للإرادات، للتوجهات، للبوصلة، لتنظيم الاولويات.
اليوم ما ندعو اليه هو هذا. اليوم من جديد نحن أمام مشهد مواجهة الدم مع السيف ولكن إن شاء الله، كما استطاع هذا الدم أن ينتصر على السيف من كربلاء الى المقاومة في لبنان إلى المقاومة في فلسطين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون أمام تجربة انتصار جديد وملحمة جديدة يصنعها المجاهدون والمقاومون وكل من يقف خلفهم والى جانبهم ويدعمهم ويساندهم في هذه المعركة الشريفة والتاريخية.
طبعا نحن في الليالي المقبلة يمكن إذا حصل شيء فيما بعد سنتحدث إن شاء الله في موضوع التطورات القائمة والحاسمة.
طبعاً نحن معنيون كلنا في لبنان أن نواكب، أن نتابع، كل شيء نقدر أن نفعله يجب أن نفعله، يجب أن نبقى على تواصل دائم مع الأحداث، مع أهلنا، إخواننا في قطاع غزة، نواكب ونرى، لأن هذه ليست معركة غزة وحدها، بل هي معركتنا جميعاً.
ننقل إلى الجزء الثاني الذي وعدت بأن اتحدث به الليلة وفي بقية الوقت إن شاء الله سأضغطه وأختصره (حتى لو سألغي شواهد).
تأتي ذكرى محرم وأحداث كربلاء هذا العام علينا في لبنان على المنطقة،في أجواء مختلفة عما كان يحصل في السنوات السابقة. وهنا سوف أعتبر هذا مدخل الحديث عن موضوع الليلة.
واضح انه هناك ـ شئنا أم أبينا ـ جو احتقان طائفي ومذهبي كبير على مستوى المنطقة، وفي أكثر من بلد.
هناك بعض البلدان مشغولة باحتقان مسلم ـ مسيحي، وقد عمل على دفع الامور في هذا الاتجاه، وفي بعض البلدان على موضوع شيعي ـ سني. وهناك كما قلنا في مناسبات سابقة من يدفع بقوة في هذا الاتجاه ويعمل له ويخطط له ويستخدم وسائل الاعلام والسياسة والأمن والمال وكل الامكانات المتاحة باتجاه هذا الهدف.
اليوم نحن جئنا لنحيي هذه المناسبة في ظرف حساس من هذا النوع، يتطلب منا الأمر أن نتكلم عن هذا الامر بمسؤولية وبدقة.
أمام الاحتقان القائم في أي بلد على مستوى المنطقة، يأخذ الوضع طابعاً مذهبياً، ولكن لم يصل الحال إلى أن تكون الامور مقفلة.
هم لم يستطيعوا أن يصلوا الى الهدف المطلوب الذي هو بأن يكون الشيعة وضعهم مقفل والسنة وضعهم مقفل، هؤلاء يعادون هؤلاء، وهؤلاء يعادون هؤلاء، والذهاب إلى الصراع.
كلا هذا الوضع ليس قائماً. العلاقات الشيعية ـ السنية لم تصل الى هذا المستوى. هناك الكثير من الايجابيات في الوضع الشيعي وفي الوضع السني وفي التواصل في العلاقات في أكثر من ساحة. لكن حتى هذا المقدار من الاحتقان القائم يجب النظر اليه كأمر خطير يجب التعاطي معه بمسؤولية. أمام هذا الاحتقان، أمام هذا المستجد، يستطيع الإنسان أن يأخذ موقفاً من ثلاثة:
ـ الموقف الأول بأن نقول إننا غير معنيين، يعني التجاهل، اغغال هذا الواقع، تجاهله، "ليس لنا دخل، نحن غير معنيين بالذي يحصل"، أو ندس رأسنا في التراب أو نتصرف على قاعدة بانه لا يوجد شيء، وكل شخص يأخذ راحته فيما يفعل وفيما يقول.
طبعاً هذا تخلٍّ عن المسؤولية، بل هذا معصية وتخلف عن أداء المسؤولية الشرعية والانسانية والأخلاقية، وبهذا ـ بالعكس ـ نحن نقوم بترك الساحة تذهب باتجاه ما يخدم العدو.
ـ الموقف الثاني هو أن يقوم الشخص بالانخراط، يعني في التوتير، في الحقن، دعنا نحقن أكثر، هناك محلات تواصل دعنا نقطعها، هناك محلات توتر دعنا نولعها. هذا يعدّ جريمة أكبر. هذا يشرع في خدمة أهداف العدو ويعصي الله سبحانه وتعالى، ويرتكب جريمة بحق الاسلام وبحق الدين وبحق الأمة وبحق المسلمين جميعاً. الذي يفعل ذلك سواء كان شيعياً أو سنياً هو مجرم ومرتكب بحق الإسلام وبحق الامة الاسلامية.
ـ الموقف الثالث بأن يقوم الشخص بتحمل مسؤوليته، ويعمل بجدية لمعالحة الموقف، بين حد أدنى وحد أعلى.
الحد الأدنى بانه يوجد هذا المستوى من التوتير دعنا ننزل، دعنا نمنع الانفجار، دعنا نمنع لوازم وتداعيات هذا الاحتقان ولو بالمقدار الموجود. والحد الأعلى هو العمل بجهد وبإخلاص من قبل كل الأطراف لإنهاء هذا الاحتقان وهذا التوتر وإعادة الامور إلى طبيعتها.
الواجب الشرعي والانساني والأخلاقي والتاريخي يقتضي اعتماد الموقف الثالث بأن نتحمل كلنا سوية المسؤوليات في هذا الموضوع. ويمكن أن يقول أحدهم بأننا ليس لنا علاقة بهذا الموضوع و"ما خصّنا"، لكن هذه مسؤولية الناس جميعاً، لأن اليوم نتيجة وجود الإعلام، فإن مشكلة صغيرة، كلمة صغيرة، اشتباها في تحليل، اشتباها في موقف، سلوكا خاطئا، توترا معينا، عدم ضبط أعصاب في مكان معين، يقوم الاعلام بتضخيم الموضوع بطريقة تخدم هذا الهدف الذي يدعى الاحتقان.
إذاً في تحمل المسؤولية ـ في العنوان الثالث ـ كلنا شركاء، كلنا، الكبار والصغار والرجال والنساء والقيادات السياسية والعلماء والمثقفون والناس العاديون والجيران مع بعضهم، كلنا يجب أن نتحمل المسؤولية، يجب أن ننتبه، في هذه اللحظة في هذا الظرف وفي هذا الاستهداف، كيف نتصرف، حتى الأمور التي نعتبرها عادية وطبيعية في الظروف الاستثنائية لا تعدّ عادية وطبيعية. نحن بحاجة لانتباه وبحاجة لحذر.
طبعاً عندما نذهب إلى الملف بشكل عام، هو يحتاج إلى توقف، إلى دراسة، إلى تأمل الأسباب، العناصر والعوامل التي أدت إلى ما وصلنا إليه.
هناك أسباب دولية وإقليمية ومحلية. لا يستطيع أحد أن يختصر الموضوع بأن فلاناً تحدث بهذا الخطاب وسوف لن يعود يتحدث به، لا. الاحتقان اليوم هو نتيجة تطورات حصلت في منطقتنا، بالحد الأدنى من عام 2000 والهجوم الأميركي ـ الغربي على منطقتنا، أحداث أفغانستان، أحداث العراق، الأحداث في المنطقة، التطورات في كل البلدان العربية، المناخات التي رافقت هذه الأحداث، الاغتيالات، الأعمال الأمنية، المواجهات، كلها، إضافة إلى أن هناك من يعمل على هذه الأحداث ويأخذها بهذا الاتجاه.
الأمر ليس بسيطاً، لكن في هذا الأمر المعقّد، حتى الأمور البسيطة هي مؤثرة ومهمة، ولا يجوز أن نستصغر شيئاً، لا إيجابية يمكن البناء عليها، ولا سلبية صغيرة. حتى السلبيات الصغيرة إذا تجنبناها نستطيع البناء عليها، وحتى الإيجابيات الصغيرة إذا قمنا بها نستطيع أن نبني عليها. إذاً هذا هو الموقف العام المطلوب أن نحمل مسؤوليته.
هنا ندخل إلى مناسبة عاشوراء، وسوف أتحدث كشيعة وسنّة بشكل شفاف وواضح، لأننا نريد المعالجة، ولأننا نريد المعالجة لا نستطيع أن نبقى نعمل في تدوير الزوايا، يجب أن نقول الأمور كما هي، ما هو لنا وما هو علينا لأن هناك مسؤولية تاريخية.
يمكن أن يلتبس عند أحد الفهم ويعتبر أن الإحياء الشيعي لمناسبة كربلاء وعاشوراء هذا يستهدف السنة، على الإطلاق هذا غير صحيح. إذا كان أحد لديه التباس كهذا فهو مشتبه وخاطئ. طبعاً يمكن أن يوجد شخص ليس لديه التباس، لكن على قاعدة محاولة توظيف أي شيء وتحميل بعض الأمور ما لا تحتمل، أي توظيفها في سياق التحريض المذهبي فيلجأ لاستخدام هذا الموضوع. ولذلك أنا الليلة أريد أن أخاطب إخواننا السنة وأقول لا، على الإطلاق، إحياء مناسبة كربلاء وشهادة حفيد رسول الله الحسين (ع) لا يوجد فيها أي استهداف للسنة ولا أي إساءة لمشاعر السنّة، بل على العكس. كذلك في الوضع الشيعي، إذا كان أحد من الشيعة، نتيجة وهم، نتيجة جهل، نتيجة عدم إدراك، يعتبر أو يعتقد أن إحياء هذه المجالس وهذه والمناسبات المقصود فيه هو مواجهة السنّة أو استفزاز السنّة أو ما شاكل، هو أيضاً واهم ومخطئ ومشتبه.
هذا الأمر بالحد الأدنى في الوعي الشيعي، في الوجدان الشيعي، بالتأكيد ليس موجوداً. حفيد رسول الله (ص) أبو عبد الله الحسين بن علي(ع) بن فاطمة الزهراء(ع) بنت محمد بن عبد الله (ص)، واحد من أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهذا التفسير موجود في تفاسير الشيعة والسنّة. واحد من القربى الذين أمر الله بمودتهم، وهذا موجود في تفاسير الشيعة والسنّة. واحد من أصحاب الكساء، حفيد رسول الله (ص) وبضعة رسول الله (ص) (.........).
هناك مسؤوليتان، أولاً بالنسبة للشيعة لا يجوز أن يسمح على المستوى الشيعي لأحد، لا خطباء ولا علماء ولا عامة الناس أن يستفيدوا من مناسبة عاشوراء ومن هذه الجموع ومن هذه المناسبة العظيمة الإسلامية المباركة للإساءة إلى بقية المسلمين، إلى مقدسات بقية المسلمين، إلى رموز بقية المسلمين، وطبعاً هذا أمر أكدت عليه المرجعيات الدينية في النجف، في قم وفي كل الأماكن، ولها مواقف حاسمة وقاطعة في هذا الموضوع، وفتوى سماحة الإمام السيد الخامنئي دام ظله الواضحة والجريئة أيضاً في هذا الاتجاه واضحة، عندما يقول بشكل واضح، وهذا ليس جديدا: يحرم النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن اتهام زوجة النبي (ص) بما يخلّ بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء كل الأنبياء(ع) وليس فقط أمهات المؤمنين، زوجات رسول الله (ص) وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم (ص)، ومن يفعل ذلك هو يرتكب معصية كبيرة، ويرتكب حراماً واضحاً.
وبالتالي إذا خرج شخص من هنا أو شخص من هناك لديهم أفكار خاصة، وتعقيدات خاصة، بل عندهم جهل بالحقائق والمصالح في الوقت نفسه، فهذا لا يعبّر عن الموقف الشيعي على الإطلاق ولا يجوز أن يحاسب الشيعة أو الموقف الشيعي أو المرجعيات الشيعية على ضوء أخطاء تصدر من أشخاص من هناك وهناك. ونحن لا ندّعي العصمة ولا الكمال ولا التماسك. في الوضع الشيعي توجد خروقات مثل كل الأوضاع الأخرى.
أيضاً في المقابل، وكما أقول لا يجوز لأي من الشيعة، أيضاً في المقابل لا يجوز لأي من السنة أن يتعاطى مع إحياء هذه المناسبة وكأنها عامل استفزاز أو عامل فتنة أو عامل تحريض طائفي أو دعوة إلى فتنة أو دعوة إلى صراع، أو إحياء لحساسيات. إلا إذا كان لديه تقييم مختلف للإمام الحسين بن علي (ع) وليزيد بن معاوية فعندها بحث آخر. لكن ليس هذا تقييم عموم المسلمين.
نحن هدفنا من إحياء هذه المناسبة هو هدف إسلامي كبير على مستوى الأمة، هدفنا هو إحياء هذه المناسبة بمعانيها، بقيمها، بدلالاتها، بما تحييه في هذه الأمة وبما أحيته طوال التاريخ. هناك مجموعة قيم محشودة في هذه المناسبة: الدفاع عن رسول الله (ص)، عن دين رسول الله (ص)، الإصلاح في هذه الأمة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، صلاح المسلمين، مصالح المسلمين الكبرى، الشجاعة، الثبات، الإيثار، التضحية، الوفاء، الصدق، وكل المعاني والقيم التي نتحدث فيها عشرات السنين ومئات السنين، ونتحدث فيها كل الليالي. كربلاء هذه هي مدرسة، هي قوة تاريخية وجدانية أخلاقية في هذه الأمة، تستطيع أن تعطي مدداً فكرياً إيمانياً روحياً عاطفياً معنوياً لمواجهة الأخطار، لمواجهة التحديات، للدفاع عن الكرامات، لاستنهاض الهمم والمعنويات والإرادات، ونحن نريد لكربلاء أن تكون كذلك.
الانتقاد ـ تصوير موسى الحسيني
واعتبر سماحته أن ما يجري هو حلقة من الصراع بين العدو ومن يقف خلفه وبين حركات المقاومة ومن يقف خلفها، وقال نلاحظ من خلال ما جرى ان العدو لا يحتاج الى ذريعة للحرب والعدوان، فعندما تكون حكومة العدو لديها مصلحة سياسية او انتخابية فإنها تأخذ قرارا بالعدوان وذلك كما حصل في عناقيد الغضب ضد لبنان عام ستة وتسعين.
ولفت السيد نصر الله الى ان هذا العدو لجأ الى الخداع والغدر بعدما أشاع أنه يتجه للتهدئة وعمد للتربص بالقيادي في حماس وقتله وبدأ العدوان على غزة.
تابع سماحته انظروا الى الاهداف التي اعلنها العدو في حربه على غزة، العدو استفاد من تجربتي حرب تموز ضد لبنان وحرب 2008 على غزة، الان يأتي الاسرائيلي بأهداف قاسية لكنه لم يعلن عنها، تحدثوا عن ضرب البنية القيادية في غزة، وضرب القدرة الصاروخية في غزة. وقال مسؤولو العدو نحن نريد استعادة معادلة الردع مع قطاع غزة.
وقال السيد نصر الله نحن نعلّق آمالا كبيرة على قوة المقاومة في غزة ونأمل أن يقلب الله السحر على الساحر. أضاف: العدو فوجىء بسقوط صواريخ فجر 5 على تل ابيب وهذا تطور مهم في تاريخ الصراع بين المقاومة والعدو.
وتابع سماحته يبدو ان الشعوب العربية والاسلامية محتاجة الى إيقاظ من خلال الدماء التي تجري في غزة، واليوم يظهر الموقف الحقيقي للولايات المتحدة وبريطاانيا وفرنسا، وقال دماء الاطفال في غزة كشفت من جديد الوجه الحقيقي لاميركا والغرب حيث اعلن هؤلاء دعمهم للعدوان على غزة، وهذا يؤكد انهم لا يهمهم الدفاع عن المظلومين انما الدفاع عن مصالحهم، المعيار ليس انساني او اخلاقي او حقوقي انما مصالحهم وجاءت اليوم مظلومية غزة لتفضح الموقف الاميركي والغربي الذي حاول ان يخدع الرأي العام العربي والاسلامي مؤخرا.
السيد نصر الله قال إن ما هو مطلوب للدفاع عن غزة هو العمل وليس إحراج احد، المطلوب التعاون بين الشعوب والحكومات لتمكين القطاع المجاهد من تحقيق الانتصار وافشال العدوان بالحد الادنى، اولا المطلوب استدعاء السفراء، وقطع العلاقات والغاء الاتفاقيات او تجميدها على الاقل، وفك الحصار عن غزة، وتزويد غزة بالسلاح والذخيرة لتتمكن من الصمود.
وتابع كان دائما يقال عن ضرورة ان توظف الدول العربية علاقاتها مع امريكا للضغط على العدو وهنا مطلوب جهد وضغط، حكاية ان اسرائيل لا ترد على امريكا غير صحيح. العرب قادرون على ذلك ودائما كان يحكى عن سلاح النفط، عدلوا بالسعر، بحجم التصدير، قللوا من الكمية المصدرة يرتفع السعر. عندها تنهار دول بأكملها في الغرب.
وأضاف المطلوب موقف حقيقي للدول العربية والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي للضغط على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على الكيان الصهيوني لوقف العدوان. الامين العام لحزب الله قال ليس صحيحا ان رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو ووزير حربه ايهود باراك يخوضان حربا على غزة لصرف الانظار عن سوريا، الصحيح أن العدو يستفيد من توقف احد خطوط الامداد لغزة وهي سوريا التي تشهد حربا وقتالا، بالتأكيد سوريا ليست قادرة الان على ان تكون جزءا من الدعم اللوجستي، القتال في سوريا يحدث حالة ارباك لخط الامداد، اسرائيل تستفيد من الصراعات الموجودة في المنطقة من تبديل الاولويات وتبديل العدو الى صديق والصديق الى عدو، ولذلك ما ادعو اليه القيادات السياسية هو صب كل الجهود لردع ومنع العدوان عن قطاع غزة، وقال دائما كانت فلسطين نقطة جمع ولمّ للارادات لتنظيم الاولويات.
وختم السيد نصر الله حديثه عن غزة بالقول نحن امام مشهد مواجهة الدم مع السيف، كما استطاع الدم ان ينتصر على السيف من كربلاء الى المقاومة في لبنان، نحن امام أمل جديد بانتصار الدم على السيف في غزة. ونحن معنيون في لبنان بالمواكبة والمتابعة والبقاء على تواصل مع اهلنا في غزة لانها ليست معركة غزة لوحدها ويجب ان تكون معركتنا جميعا.
مواجهة الاحتقان ومشروع الفتنة
وتطرق السيد نصر الله الى مناسبة عاشوراء، وقال نحن نحيي مناسبة عاشوراء بمسؤولية خصوصا اننا امام احتقان يأخذ المنطقة نحو فتنة سنية -شيعية، ويجب النظر الى هذا الاحتقان على انه أمر خطير يجب مواجهته بمسؤولية، ودعا الى العمل بجدية لمعالجة الموقف عبر عدم زيادة التوتير ومنع الانفجار والعمل بجهد من قبل كل الاطراف لانهاء هذا الاحتقان والتوتر وعودة الامور الى طبيعتها وهو موقف تاريخي يجب العمل عليه. وكلنا شركاء في تحمل المسؤولية. وقال الملف بشكل عام بحاجة الى تأمل ومعالجة، وأكد ان احياء عاشوراء ليس فيه أي استهداف للسنة.لان هدفها الدفاع عن رسول الله وعن نهجه ولأن كربلاء قوة وجدانية في هذه الامة لمواجهة التحديات ومواجهة الاخطار واستنهاض الهمم والارادات.
تعاليم عاشورائية
واكد السيد نصر الله على اظهار الحزن على الامام الحسين عليه السلام في هذه المناسبة، وعلى الحضور المباشر في المجالس وعدم الاكتفاء بمتابعة المناسبة على التفلزيون او عبر الانترنت، والبكاء على مصاب ابي عبد الله الحسين عليه السلام وهذا يقتضي الاستماع والانتباه، والحرص على زيارة سيد الشهداء ولو عن بعد، وتذكر عطش الحسين عليه السلام ، ولبس السواد كمظهر من مظاهر الحزن، والتعاطي بكل لوازم الاحترام للمجالس والاحياء من خلال عدم الاختلاط وعدم التصفيق والصبر والتحمل.
وهنا النص الحرفي لكلمة السيد حسن نصر الله في الليلة الأولى من ليالي عاشوراء:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي يا أبا عبد الله الحسين، يا بن رسول الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
إخواني وأخواتي: السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وعظّم الله أجوركم، وشكر الله سعيكم في هذه الأيام وفي هذه الليالي، حيث نستعيد ذكرى المصيبة العظيمة والكبرى في تاريخ هذه الأمة وما لحق بأهل بيت رسول الله وآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم العاشر من محرم في ساحة كربلاء.
أنا الليلة كنت أنوي أخذ كامل الوقت لموضوع محدد يرتبط بطبيعة ولوازم ومناخات إحياء هذه المناسبة وإحياء هذه المجالس ومقاربة هذه الذكرى كمدخل لإحياء بقية الليالي، خصوصاً نحن في الليلة الاولى، وآخذ بعين الاعتبار اجواء الاحتقان المذهبي والطائفي الموجودة في المنطقة في الآونة الاخيرة، لكن التطورات التي حصلت في الأمس واليوم تفرض نفسها علينا بقوة، ولذلك الوقت المتاح سوف أقسمه إلى قسمين:
في الجزء الأول سوف أتحدث عن التطورات الاخيرة وأقصد بها موضوع غزة بالتحديد والعدوان الاسرائيلي على غزة والمواجهة القائمة في غزة.
والجزء الثاني هو الموضوع الأساسي الذي كنت أنوي أن أتحدث عنه كمدخل لهذه الليلة لاحياء المناسبة في الليالي المقبلة إن شاء الله.
في الجزء الأول، شهدنا في الأمس عدواناً إسرائيلياً واسعاً ووحشياً على أهلنا في قطاع غزة، وابتدأ هذا العدوان باغتيال قائد جهادي كبير هو الشهيد القائد أحمد الجعبري، وسقط معه شهداء.
وبنتيجة العدوان هناك أيضاً عدد كبير من الشهداء المدنيين وعدد كبير من الجرحى، والعدوان ما زال مستمراً إلى اليوم، في ظل مواجهة قوية وصلبة من قبل المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها.
طبعاً في البداية يجب أن نتوجه إلى إخواننا في قيادة حماس، نقدم لهم العزاء، نبارك لهم أيضاً، لأن الشهادة هي موضع التعزية والتبريك، بشهادة هذا القائد الجهادي الكبير، صاحب التاريخ الجهادي الكبير في المقاومة أعني الشهيد احمد الجعبري، ولكل الفصائل ولأهلنا في غزة ولكل الشعب الفلسطيني بالشهداء الأعزاء الذين قضوا بالأمس واليوم، وما زالوا يواجهون باللحم وبالدم هذا العدوان الصهيوني المتواصل.
من أبسط الأمور أن نقول جميعاً إننا ندين هذا العدوان، إننا نستنكر هذا العدوان، ويجب أن نتوقف عنده قليلاً في ما سنتكلم، ومن أبسط الأمور أن نقول إن على جميع الدول،حكومات وشعوباً، بل على جميع أحرار العالم أن يقفوا اليوم الى جانب غزة وأهل غزة، وإلى جانب المقاومة في غزة والمجاهدين المقاومين في غزة، في وقفة حقيقية وأصيلة وتاريخية.
طبعاً، من البداية إلى النهاية يبقى الرهان الأساسي بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى وفضله ونصره وعونه، هو على إرادة الشعب في غزة وعلى إرادة المقاومة، صمودها وصلابتها، ومما يدعونا إلى الثقة والاطمئنان والتفاؤل، هو أننا جميعنا نعرف أن في غزة مقاومة لديها من الحكمة ومن الشجاعة ومن الصلابة ومن الجرأة ومن تراكم الخبرات ومن تطور الإمكانيات البشرية والمادية ما يؤهلها لمواجهةٍ من هذا المستوى الكبير والخطير والحاسم. وما حصل اليوم من إطلاق صواريخ فجر 5 على تل ابيب هو يدل على رشد وحكمة وصلابة وشجاعة المقاومة الفلسطينية وحضورهاالحالي في قطاع غزة.
طبعا هذه النقطة أعود إليها بعد قليل.
طبعاً في هذا الذي يحدث، هناك عدة نقاط يجب أن نتوقف عندها باختصار شديد:
(ما يحصل) هو حلقة من حلقات المواجهة الدامية بين العدو الصهيوني وشعوب منطقتنا، وبالتحديد الشعب الفلسطيني. (هو) حلقة من حلقات المواجهة التاريخية والمصيرية والدامية التي تكتب مصير فلسطين ومصير المنطقة والأمة والمقدسات، بين العدو الصهيوني ومن يقف خلفه، وبين حركات المقاومة ومن يقف خلفها، وبالتالي هي واحدة من المراحل التي تحتاج إلى التوقف وإلى أخذ العبرة وإلى الدراسة وإلى تحمل المسؤوليات.
نلاحظ من خلال ما حصل هذين اليومين في غزة تأكيد على مجموعة مفاهيم، منها أولاً، أن هذا العدو لا يحتاج إلى ذريعة الحرب والعدوان، لم يكن يوجد شيء!
حكومة العدو لديها مصلحة سياسية ولديها مصلحة إنتخابية، مثل الآن مصلحة نتنياهو، تماماً مثلما تذكرون عملية عناقيد الغضب في نيسان 1996، لأسباب وأحداث تحصل بشكل دائم، شيمون بيريز في ذلك الوقت، ولأنه كان على مقربة من الإنتخابات، كان يحتاج إلى عمل إنجاز عسكري، ففتح حرباً مع لبنان، أسموها عناقيد الغضب، لكن انقلب السحر على الساحر.
الإسرائيلي عندما تقتضي مصلحته السياسية أو الإنتخابية أو الأمنية أو أي إعتبار من إعتبار المصالح، هو يبدأ عدواناً ولا يحتاج إلى ذريعة، ولا يحتاج إلى حجة، ولا يحتاج إلى فعل فلسطيني أو لبناني أو غيره، ليقوم بما قام به من رد فعل. هذا أولاً، طبعاً النقاط هي واضحة ولكن أريد أن أثبتها وأن أُذكّر بها، أُذكّر بها الفلسطينيين واللبنانيين وشعوب المنطقة وحكوماتها وكل الناس الذين ينسون بسرعة.
ثانياً: أن هذا العدو لجأ كالعادة إلى الخداع وإلى الغدر، وهذا ما تحدث عنه الإخوة اليوم في قطاع غزة. قام العدو بالإيحاء قبل أيام بأنه يقبل بتهدئة ويعمل بالتهدئة وتم طمأنة الفلسطينيين، وبعد أن أُشيع هذا المناخ، بطبيعة الحال عندما يحدث جو من التهدئة فالناس ترتاح قليلاً، فتربص العدو بهذا القائد الجهادي وقتله، وبدأ هذا العدوان الواسع على قطاع غزة. هذه هي طبيعة هذا العدوان، من يطمئن لهذا العدو، ومن يثق بهذا العدو، ومن يُخدع بهذا العدو، بعد كل هذه التجارب الطويلة، يجب أن نكون دائماً حذرين.
النقطة الثالثة: أنظروا إلى الأهداف التي أعلنها العدو من العدوان على غزة.
عندما ننظر إلى الأهداف، فإننا نكتشف حقيقةً أن الإسرائيلي قد استفاد من تجربة حرب تموز 2006، وحرب غزة 2008.
لقد إستفاد العدو من تجاربه. في تلك الحربين، وضع أعلى الأهداف، أهدافاً عالية جداً، ولم يقدر أن يُحقق أهدافه، وفشل في تحقيق الأهداف، وأُعتبر أن هذا فشل أو إخفاق أو هزيمة، وبالتالي من جهة أخرى، أُعتبر هذا انتصاراً للمقاومة في لبنان في حرب تموز، وللمقاومة في غزة في 2008.
الآن أتى الإسرائيلي بعقلية عدوانية وبأهداف قاسية جداً ضمناً، لكن بالمعلن وضع أهدافا سقفها ليس عالياً. يعني أنه لم يأتِ ليقول: أنا ذاهب إلى الحرب في غزة وأريد أن أجتث فصائل المقاومة، وهو يعرف أن هذا الهدف هو غير قابل للتحقيق، وأنني أُريد أن أحتل قطاع غزة، وهو يعرف ان هذا الهدف هو صعب التحقيق، وأصلاً هو ليس مقصوداً له. إذاً، حتى أنه لم يقل: إنني ذاهب من أجل أن أوقف الصواريخ، لقد أتى ليضع مجموعة أهداف، مهما فعل العدو، يستطيع نتنياهو وباراك أن يخرجا غداً ويقولا: نحن حققنا أهداف العملية. واحد: تحدثوا عن ضرب البنية القيادية لحركات المقاومة في غزة، وبدأها بقتل قائد جهادي كبير. ثانياً: ضرب القدرة الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، وبدأها بضرب بعض منصات الصواريخ على ما أعلن هو، لكن أنا لا أعرف الحقيقة حتى الآن. وثالثاً: قال: نحن نريد أن نستعيد قوة الردع أو معادلة الردع مع قطاع غزة، وهذا ضمناً يوجد إعتراف، أنه خلال المرحلة الماضية إستطاعت المقاومة في غزة أن تفرض معادلة ردع ما، والإسرائيلي الآن جاء ليقول: أنا أريد أن أستعيد وأن أُغيّر من هذه المعادلة، أريد أن أستعيد هيبة الردع وقوة الردع على الفلسطينيين، أتى ووضع هدفاً، حيث قال: الهدف هو إلحاق أكبر أذى أو ضرر ممكن في بنية الفصائل الفلسطينية، لكن هل هدفه هو هذا فقط أو أكثر من ذلك؟ هذا ما سيتضح من خلال مسار الأحداث وتطورات الأحداث خلال أيام قليلة.
لكن ما بدأه الإسرائيلي، نحن نُعلق آمالا كبيرة ـ كما بدأت بالحديث ـ على قوة وصلابة المقاومة في غزة (في إفشاله). "الآن موقف الأمة والمسؤوليات سآتي عليها بعد قليل"، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يقلب السحر على الساحر، يعنى إذا هم ذاهبين إلى عملية يريدون أن يُوظفوها في الإنتخابات، إن شاء الله ستنقلب على حساباتهم، وأيضاً حتى حساباتهم العسكرية، يعنى عندما خرج وضرب كما إدعى أنه ضرب منصات الصواريخ، والإسرائيلي تكلم عن منصات صواريخ بعيدة المدى، ويقصد ببعيدة المدى يعني فجر 5، التي تطال أكثر من سبعين كيلو متراً، واعتبر أنه دمر هذه المنظومة، ولذلك أمس واليوم عندما دعا إلى النزول إلى الملاجىء وإلى التعطيل وإلى الإحتياط، قال للمستوطنين وللمستعمرين، إنه بمسافة وبشعاع أربعين كيلومترا، يعني أنه إعتبر أن القدرة الصاروخية الموجودة في قطاع غزة، والتي تتجاوز الأربعين كيلومترا تم تدميرها. أما تلك التي تطال (الأهداف) خلال أربعين كيلومترا، سواءٌ أكانت كاتيوشا أو كاتيوشا معدل أو صواريخ محلية الصنع أو ما شاكل، خلص إلى هذه يمكن ان تكون موجودة، أما أكثر من أربعين كيلومترا هو لم يعمل إجراءات أساسية (في مواجهتها).
وقد فوجئ اليوم بسقوط صواريخ، ولقد اعترف.
أمس كان العدو ليلاً ينكر حصول ذلك الأمر، لكن اليوم كلا، لقد إعترف بأن هناك صواريخ فجر5 سقطت على تل أبيب، وهذا تطور كبير جداً في تاريخ الصراع بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، تطور كبير جداً وهام جداً.
حسناً، هذا بالتأكيد فاجأ الإسرائيليين وفاجأ حساباتهم وفاجأ معلوماتهم. لا أعلم هل وقع في نفس الخطأ الذي حصل في حرب تموز، عندما انطلقت طائرات العدو وضربت أماكن، واعتبر العدو أنها منصات الصواريخ، وأعلن انتصاره بأن القدرة الصاروخية الأساسية البعيدة المدى والطويلة للمقاومة في لبنان تم القضاء عليها، وتبين غير ذلك. هل نفس الخطأ قام العدو بارتكابه في غزة؟، هذا الأمر ممكن، لكن نفس أن تستطيع المقاومة اليوم أن تطلق صواريخ فجر5 على تل أبيب، هذا الأمر له دلالات كثيرة، بالمعنى العسكري وبالمعنى الأمني، وبمعنى قدرة الحركة، وبمعنى الإرادة وبمعنى الإستهدافات وبمعنى أفق المعركة، ونقف عنده طويلاً.
النقطة الرابعة: أيضاً أريد أن أقف عندها بمقطع غزة، يبدو أننا الشعوب العربية والإسلامية أيضاً نحتاج (للتوقف عندها)، ويبدو للأسف الشديد أنه نذهب في غفلة ولا توقظنا إلا الدماء، دماء المظلومين ودماء الشهداء، اليوم يتجدد وعي حقيقي لموقف وحقيقة موقف الولايات المتحدة الأميركية، ومعها أيضاً بريطانيا ومعها أيضاً فرنسا، لأنه للأسف الشديد هناك الكثير من النخب العربية خلال العامين الماضيين من الحراك والثورات والصحوات في العالم العربي، بدأوا بتعديل المفهوم، أو يقدمون لشعوبهم مفهوما خاطئا، وكأنها الولايات المتحدة الاميركية الآن إستيقظت بعد كل هذا التاريخ الإجرامي، استيقظت على قيم الديموقراطية وحقوق الشعوب المظلومة والمضطهدة، وتريد أن تمد يدها لمساعدة المظلومين والمضطهدين والمعذبين، وبدأنا نسمع كلاماً من هنا عن علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، وعن تقدير لموقف أميركا و.. و...و...
جاءت اليوم دماء القادة في غزة والشهداء في غزة والمدنيين والنساء والأطفال في غزة، لتكشف من جديد حقيقة الوجه الأميركي والوجه الغربي في التعاطي مع الأحداث، خرجت أميركا من أول يوم ومن أول ساعة لتقول إنها تدعم ما تقوم به إسرائيل، وتدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، يعني أنه أصبح أهل غزة هم المعتدين، وتُدين فصائل المقاومة وحماس بالاسم، وتعتبرها هي المعتدية، وهي التي تتحمل مسؤولية تفجير الأوضاع.
على نفس هذا الموقف نسج الفرنسي، وعلى نفس هذا الموقف نسج البريطاني، ويبقى أن نرى الباقين الذين يلحقونهم، هذا يؤكد لنا من جديد أن ما يعني أميركا وفرنسا وبريطانيا والغرب في منطقتنا لا القيم ولا حقوق الإنسان ولا الدفاع عن الحريات ولا عن المظلومين، وإنما مصالحهم هم، مصلحتهم هم، في هذا البلد، هنا في المنطقة، مصلحتهم مع إسرائيل، فلتفعل إسرائيل ما تشاء، عندما نذهب إلى أي بلد مصلحتهم في بقاء هذا النظام، يدافعون عن هذا النظام، أما إذا كانت مصلحتهم في إسقاط هذا النظام يقدمون كل وسائل الدعم لإسقاط هذا النظام.
معيارهم ليس معياراً انسانياً أو قانونياً أو حقوقياً على الاطلاق وانما المعيار هو مصالحهم.
جاءت اليوم غزة ودماء غزة والشهداء في غزة ومظلومية غزة لتفضح الموقف الاميركي والغربي الذي حاول أن يخدع الشعوب العربية والاسلامية وخصوصا على مدى العامين المنصرمين.
النقطة الخامسة: أن ما هو مطلوب عربياً واسلامياً تجاه ما يجري اليوم في غزة لا يحتاج الكثير من الكلام والتنظير. ما زلنا من ستين سنة وخمس وستين سنة ومن بداية الصراع، كلنا نعرف ما هو المطلوب، لمّا حصلت حرب 2006 خرجت كل القيادات السياسية ونخب ومقاومون وعلماء ومنظّرون وقالوا ما هو المطلوب، لمّا حصلت حرب غزة 2008 خرج جميع الناس وقالوا ما هو المطلوب. واليوم مطلوب نفس الشيء.
اليوم بالكلام النظري بالمناشدات بالمطالبة لا يوجد شيء جديد يطالب، هو نفس الذي كان يقال دائما، لكن لم يكن يعمل به.
اليوم المطلوب هو إرادة العمل، المطلوب هو العمل، وبالتالي لمّا نعيد المطلوب ليس المقصود إحراج أحد.
نفس ما كنا نقوله ونطالب به ويطالب به العرب والمسلمون جميعا في 2008 و 2006 هو الذي نطالب به جميعا اليوم في 2012، سواء في زمن النظام المصري سابقاً أو حاليا، سواء في الأنظمة السابقة والحالية في العالم العربي، وبالتالي هنا ليس المطلوب احراج أحد أو المزايدة على أحد. المطلوب موقف، اليوم المطلوب الجدية، يوجد شعب وقطاع ومقاومة يواجهون، الآن ليست محل للمزايدات، قلت لي وقلت لك ورأيته ولم أره، اليوم مطلوب أن نتعاون جميعاً، أن تتعاون كل الحكومات العربية وكل الحكومات الاسلامية، كل الشعوب العربية والاسلامية من أجل تمكين هذا القطاع المجاهد والمقاوم والصامد من تحقيق الانتصار وإفشال العدوان الاسرائيلي بالحد الادنى.
ما هو الذي كان يحكى؟
كان يقال: أولاً،استدعاء السفراء. ثانياً، قطع العلاقة مع اسرائيل. ثالثاً، إلغاء الاتفاقيات الموقعة معه أو اضعف الايمان تعليقها. إذا كنت لا تريد الالغاء، علق.
هذا كان دائما يحكى في السنوات الماضية. فك الحصار عن غزة وامداد غزة بالسلاح والذخيرة والطعام والدواء وليس فقط بالدواء والطعام، بالسلاح والذخيرة لتتمكن غزة من الصمود والمقاومة وهي قادرة. يعني أهلها شعبها رجالها نساؤها مقاوموها قياديوها، هم مؤهلون لتحمل هذه المسؤولية التاريخية، ولكن المطلوب أن يقدم لهم هذا المستوى من الدعم وهذا المستوى من المساندة.
كان دائما يقال والآن نعيده ونقول أن توظف الدول العربية والاسلامية علاقاتها مع الادارة الاميركية والدول الغربية للضغط على اسرائيل لوقف عدوانها على غزة.
لا أحد يأتي ويقول اليوم تفضلوا أيها الدول العربية وافتحوا الحدود وابدأوا عملية تحرير فلسطين، نريد أن نوقف العدوان على غزة، هذا لا يطلب منكم حربا، هذا يطلب منكم جهداً، جهدا مع الاميركي، مع الادارة الاميركية، مع الدول الغربية، وهي تستطيع أن تضغط على اسرائيل.
قطعاً، حكاية أن اسرائيل لا ترد على أميركا ولا ترد على الغرب، هذا كلام غير صحيح. أي ضغط أو تهديد أميركي أو هاتف أميركي لاسرائيل تقف الحرب على غزة.
اليوم دائما كان يُحكى عن موضوع سلاح النفط، طيب، ممكن أن يقول أحدكم إن العرب ليس لديهم شجاعة أن يأخذوا قراراً بوقف النفط، إذاً عدّلوا بالسعر، عدّلوا بحجم تصدير انتاج النفط، قللوا النسبة وارفعوا السعر.
تعرفون اليوم أنه يوجد دول في اوروبا، اذا ارتفع سعر النفط تنهار، ينهار اقتصادها، وأنا لا أبالغ، هذا كلام خبراء اقتصاديين استراتيجيين.
نفس الولايات المتحدة الاميركية التي تواجه الآن صعوبات اقتصادية ومالية وعواصف وثلوج، الآن خففوا تصدير النفط لها، ويرتفع سعر النفط قليلا، فسوف ترون أميركا قد اهتزت وأوروبا قد اهتزت. إن كنتم لا تقدرون أن تقطعوا النفط قللوا الانتاج، ارفعوا السعر، اضغطوا، لا أحد يطلب منكم لا جيوشا ولا دبابات ولا طائرات، وهذا برسم كل الدول العربية والاسلامية بشكل اساسي.
إذاً، أصبح واضحاً ما هو المطلوب أن يُعمل.
الآن الشعوب العربية والاسلامية تدعم، تتظاهر، تدعو (الله)، تبعث أموالاً، تحاول أن توصل السلاح، الى آخره، هذا كله على كل حال مطلوب. لكن الذي يغيّر المعادلة، الذي يوقف العدوان هو موقف حقيقي للدول العربية والاسلامية في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي وهذه الدول قادرة بقرار واحد أن تفرض على أميركا أن تفرض على اسرائيل وقف عدوانها على غزة.
النقطة التي تليها، فقط من أجل لملمة الجو والاستفادة من العبرة، حتى تبقى في هذه اللحظة الجهود كلها مركزة باتجاه غزة والدفاع عن غزة وحماية غزة.
سمعت بعض القيادات السياسية في بعض البلدان العربية يقولون إن الهدف من الحرب على غزة هو صرف الانظار عما يجري في سوريا.
أولا هذا كلام مؤسف وهذا تحليل مؤسف. الآن، (أن يُقال) إن نتانياهو وباراك قد قاموا بحرب على غزة لصرف النظر عن ما يجري في سوريا.
إن الاهداف الإسرائيلية التي أعلنوها واضحة، الصحيح أن يقال إن اسرائيل تستفيد جيداً من الصراعات الموجودة في المنطقة، تستفيد جيداً مما يجري في سوريا من أجل شن عدوان على غزة.
اليوم الحرب على غزة تجري في ظرف مختلف عن سنة 2008.
في سنة 2008 وضعنا محور المقاومة بمعزل عن بقية المواقع، كات لديه قدرة تقديم أشكال دعم مختلفة لقطاع غزة وهذا حصل في ال 2008 وقبل ال 2008 وبعد ال 2008، والذي يترجم اليوم فعلا ميدانيا.
الذي يجري أن أحد خطوط الامداد لقطاع لغزة متوقف والذي هو سوريا. سوريا اليوم مشغولة بنفسها، تدور فيها حرب وقتال في العديد من المحافظات والمدن والقرى، بالتأكيد هي الآن ليست قادرة أن تكون جزءاً من الدعم اللوجستي، في الموقف السياسي تبقى قادرة على أخذ موقف سياسي.
حسناً، القتال في سوريا لا شك أنه يقوم بإرباك أي عملية امداد، يمكن أن تحصل على مستوى محور المقاومة باتجاه غزة.
لماذا لا نقول إن إسرائيل تستفيد من الصراع القائم في سوريا، من التشظي الموجود في المنطقة ومن الصراعات الموجودة في المنطقة ومن الاحتقانات الموجودة في المنطقة من انقلاب الأولويات، من تبديل الأعداء أصدقاء والاصدقاء أعداء، وتعتبر أن هذه فرصة مؤاتية جداً لضرب قطاع غزة، لاستعادة معادلة الردع، لضرب القدرة الصاروخية في قطاع غزة، التي تتصور اسرائيل أنه سيصعب تعويضها نظراً للتطورات الموجودة في منطقتنا وفي سوريا. هذا غير صحيح.
ولذلك ما أدعو اليه القيادات السياسية: يوجد خلاف، يوجد مشاكل على ملفات أخرى، على سوريا على غير سوريا، لكن دعونا الآن نصب كل جهودنا على ردع ومنع ووقف العدوان عن قطاع غزة وحماية شعب غزة.
دائماً كانت فلسطين وغزة نقطة جمع، نقطة توحيد، نقطة اجماع، نقطة لمّ للشمل، للمشاعر، للعواطف، للإرادات، للتوجهات، للبوصلة، لتنظيم الاولويات.
اليوم ما ندعو اليه هو هذا. اليوم من جديد نحن أمام مشهد مواجهة الدم مع السيف ولكن إن شاء الله، كما استطاع هذا الدم أن ينتصر على السيف من كربلاء الى المقاومة في لبنان إلى المقاومة في فلسطين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون أمام تجربة انتصار جديد وملحمة جديدة يصنعها المجاهدون والمقاومون وكل من يقف خلفهم والى جانبهم ويدعمهم ويساندهم في هذه المعركة الشريفة والتاريخية.
طبعا نحن في الليالي المقبلة يمكن إذا حصل شيء فيما بعد سنتحدث إن شاء الله في موضوع التطورات القائمة والحاسمة.
طبعاً نحن معنيون كلنا في لبنان أن نواكب، أن نتابع، كل شيء نقدر أن نفعله يجب أن نفعله، يجب أن نبقى على تواصل دائم مع الأحداث، مع أهلنا، إخواننا في قطاع غزة، نواكب ونرى، لأن هذه ليست معركة غزة وحدها، بل هي معركتنا جميعاً.
ننقل إلى الجزء الثاني الذي وعدت بأن اتحدث به الليلة وفي بقية الوقت إن شاء الله سأضغطه وأختصره (حتى لو سألغي شواهد).
تأتي ذكرى محرم وأحداث كربلاء هذا العام علينا في لبنان على المنطقة،في أجواء مختلفة عما كان يحصل في السنوات السابقة. وهنا سوف أعتبر هذا مدخل الحديث عن موضوع الليلة.
واضح انه هناك ـ شئنا أم أبينا ـ جو احتقان طائفي ومذهبي كبير على مستوى المنطقة، وفي أكثر من بلد.
هناك بعض البلدان مشغولة باحتقان مسلم ـ مسيحي، وقد عمل على دفع الامور في هذا الاتجاه، وفي بعض البلدان على موضوع شيعي ـ سني. وهناك كما قلنا في مناسبات سابقة من يدفع بقوة في هذا الاتجاه ويعمل له ويخطط له ويستخدم وسائل الاعلام والسياسة والأمن والمال وكل الامكانات المتاحة باتجاه هذا الهدف.
اليوم نحن جئنا لنحيي هذه المناسبة في ظرف حساس من هذا النوع، يتطلب منا الأمر أن نتكلم عن هذا الامر بمسؤولية وبدقة.
أمام الاحتقان القائم في أي بلد على مستوى المنطقة، يأخذ الوضع طابعاً مذهبياً، ولكن لم يصل الحال إلى أن تكون الامور مقفلة.
هم لم يستطيعوا أن يصلوا الى الهدف المطلوب الذي هو بأن يكون الشيعة وضعهم مقفل والسنة وضعهم مقفل، هؤلاء يعادون هؤلاء، وهؤلاء يعادون هؤلاء، والذهاب إلى الصراع.
كلا هذا الوضع ليس قائماً. العلاقات الشيعية ـ السنية لم تصل الى هذا المستوى. هناك الكثير من الايجابيات في الوضع الشيعي وفي الوضع السني وفي التواصل في العلاقات في أكثر من ساحة. لكن حتى هذا المقدار من الاحتقان القائم يجب النظر اليه كأمر خطير يجب التعاطي معه بمسؤولية. أمام هذا الاحتقان، أمام هذا المستجد، يستطيع الإنسان أن يأخذ موقفاً من ثلاثة:
ـ الموقف الأول بأن نقول إننا غير معنيين، يعني التجاهل، اغغال هذا الواقع، تجاهله، "ليس لنا دخل، نحن غير معنيين بالذي يحصل"، أو ندس رأسنا في التراب أو نتصرف على قاعدة بانه لا يوجد شيء، وكل شخص يأخذ راحته فيما يفعل وفيما يقول.
طبعاً هذا تخلٍّ عن المسؤولية، بل هذا معصية وتخلف عن أداء المسؤولية الشرعية والانسانية والأخلاقية، وبهذا ـ بالعكس ـ نحن نقوم بترك الساحة تذهب باتجاه ما يخدم العدو.
ـ الموقف الثاني هو أن يقوم الشخص بالانخراط، يعني في التوتير، في الحقن، دعنا نحقن أكثر، هناك محلات تواصل دعنا نقطعها، هناك محلات توتر دعنا نولعها. هذا يعدّ جريمة أكبر. هذا يشرع في خدمة أهداف العدو ويعصي الله سبحانه وتعالى، ويرتكب جريمة بحق الاسلام وبحق الدين وبحق الأمة وبحق المسلمين جميعاً. الذي يفعل ذلك سواء كان شيعياً أو سنياً هو مجرم ومرتكب بحق الإسلام وبحق الامة الاسلامية.
ـ الموقف الثالث بأن يقوم الشخص بتحمل مسؤوليته، ويعمل بجدية لمعالحة الموقف، بين حد أدنى وحد أعلى.
الحد الأدنى بانه يوجد هذا المستوى من التوتير دعنا ننزل، دعنا نمنع الانفجار، دعنا نمنع لوازم وتداعيات هذا الاحتقان ولو بالمقدار الموجود. والحد الأعلى هو العمل بجهد وبإخلاص من قبل كل الأطراف لإنهاء هذا الاحتقان وهذا التوتر وإعادة الامور إلى طبيعتها.
الواجب الشرعي والانساني والأخلاقي والتاريخي يقتضي اعتماد الموقف الثالث بأن نتحمل كلنا سوية المسؤوليات في هذا الموضوع. ويمكن أن يقول أحدهم بأننا ليس لنا علاقة بهذا الموضوع و"ما خصّنا"، لكن هذه مسؤولية الناس جميعاً، لأن اليوم نتيجة وجود الإعلام، فإن مشكلة صغيرة، كلمة صغيرة، اشتباها في تحليل، اشتباها في موقف، سلوكا خاطئا، توترا معينا، عدم ضبط أعصاب في مكان معين، يقوم الاعلام بتضخيم الموضوع بطريقة تخدم هذا الهدف الذي يدعى الاحتقان.
إذاً في تحمل المسؤولية ـ في العنوان الثالث ـ كلنا شركاء، كلنا، الكبار والصغار والرجال والنساء والقيادات السياسية والعلماء والمثقفون والناس العاديون والجيران مع بعضهم، كلنا يجب أن نتحمل المسؤولية، يجب أن ننتبه، في هذه اللحظة في هذا الظرف وفي هذا الاستهداف، كيف نتصرف، حتى الأمور التي نعتبرها عادية وطبيعية في الظروف الاستثنائية لا تعدّ عادية وطبيعية. نحن بحاجة لانتباه وبحاجة لحذر.
طبعاً عندما نذهب إلى الملف بشكل عام، هو يحتاج إلى توقف، إلى دراسة، إلى تأمل الأسباب، العناصر والعوامل التي أدت إلى ما وصلنا إليه.
هناك أسباب دولية وإقليمية ومحلية. لا يستطيع أحد أن يختصر الموضوع بأن فلاناً تحدث بهذا الخطاب وسوف لن يعود يتحدث به، لا. الاحتقان اليوم هو نتيجة تطورات حصلت في منطقتنا، بالحد الأدنى من عام 2000 والهجوم الأميركي ـ الغربي على منطقتنا، أحداث أفغانستان، أحداث العراق، الأحداث في المنطقة، التطورات في كل البلدان العربية، المناخات التي رافقت هذه الأحداث، الاغتيالات، الأعمال الأمنية، المواجهات، كلها، إضافة إلى أن هناك من يعمل على هذه الأحداث ويأخذها بهذا الاتجاه.
الأمر ليس بسيطاً، لكن في هذا الأمر المعقّد، حتى الأمور البسيطة هي مؤثرة ومهمة، ولا يجوز أن نستصغر شيئاً، لا إيجابية يمكن البناء عليها، ولا سلبية صغيرة. حتى السلبيات الصغيرة إذا تجنبناها نستطيع البناء عليها، وحتى الإيجابيات الصغيرة إذا قمنا بها نستطيع أن نبني عليها. إذاً هذا هو الموقف العام المطلوب أن نحمل مسؤوليته.
هنا ندخل إلى مناسبة عاشوراء، وسوف أتحدث كشيعة وسنّة بشكل شفاف وواضح، لأننا نريد المعالجة، ولأننا نريد المعالجة لا نستطيع أن نبقى نعمل في تدوير الزوايا، يجب أن نقول الأمور كما هي، ما هو لنا وما هو علينا لأن هناك مسؤولية تاريخية.
يمكن أن يلتبس عند أحد الفهم ويعتبر أن الإحياء الشيعي لمناسبة كربلاء وعاشوراء هذا يستهدف السنة، على الإطلاق هذا غير صحيح. إذا كان أحد لديه التباس كهذا فهو مشتبه وخاطئ. طبعاً يمكن أن يوجد شخص ليس لديه التباس، لكن على قاعدة محاولة توظيف أي شيء وتحميل بعض الأمور ما لا تحتمل، أي توظيفها في سياق التحريض المذهبي فيلجأ لاستخدام هذا الموضوع. ولذلك أنا الليلة أريد أن أخاطب إخواننا السنة وأقول لا، على الإطلاق، إحياء مناسبة كربلاء وشهادة حفيد رسول الله الحسين (ع) لا يوجد فيها أي استهداف للسنة ولا أي إساءة لمشاعر السنّة، بل على العكس. كذلك في الوضع الشيعي، إذا كان أحد من الشيعة، نتيجة وهم، نتيجة جهل، نتيجة عدم إدراك، يعتبر أو يعتقد أن إحياء هذه المجالس وهذه والمناسبات المقصود فيه هو مواجهة السنّة أو استفزاز السنّة أو ما شاكل، هو أيضاً واهم ومخطئ ومشتبه.
هذا الأمر بالحد الأدنى في الوعي الشيعي، في الوجدان الشيعي، بالتأكيد ليس موجوداً. حفيد رسول الله (ص) أبو عبد الله الحسين بن علي(ع) بن فاطمة الزهراء(ع) بنت محمد بن عبد الله (ص)، واحد من أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهذا التفسير موجود في تفاسير الشيعة والسنّة. واحد من القربى الذين أمر الله بمودتهم، وهذا موجود في تفاسير الشيعة والسنّة. واحد من أصحاب الكساء، حفيد رسول الله (ص) وبضعة رسول الله (ص) (.........).
هناك مسؤوليتان، أولاً بالنسبة للشيعة لا يجوز أن يسمح على المستوى الشيعي لأحد، لا خطباء ولا علماء ولا عامة الناس أن يستفيدوا من مناسبة عاشوراء ومن هذه الجموع ومن هذه المناسبة العظيمة الإسلامية المباركة للإساءة إلى بقية المسلمين، إلى مقدسات بقية المسلمين، إلى رموز بقية المسلمين، وطبعاً هذا أمر أكدت عليه المرجعيات الدينية في النجف، في قم وفي كل الأماكن، ولها مواقف حاسمة وقاطعة في هذا الموضوع، وفتوى سماحة الإمام السيد الخامنئي دام ظله الواضحة والجريئة أيضاً في هذا الاتجاه واضحة، عندما يقول بشكل واضح، وهذا ليس جديدا: يحرم النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن اتهام زوجة النبي (ص) بما يخلّ بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء كل الأنبياء(ع) وليس فقط أمهات المؤمنين، زوجات رسول الله (ص) وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم (ص)، ومن يفعل ذلك هو يرتكب معصية كبيرة، ويرتكب حراماً واضحاً.
وبالتالي إذا خرج شخص من هنا أو شخص من هناك لديهم أفكار خاصة، وتعقيدات خاصة، بل عندهم جهل بالحقائق والمصالح في الوقت نفسه، فهذا لا يعبّر عن الموقف الشيعي على الإطلاق ولا يجوز أن يحاسب الشيعة أو الموقف الشيعي أو المرجعيات الشيعية على ضوء أخطاء تصدر من أشخاص من هناك وهناك. ونحن لا ندّعي العصمة ولا الكمال ولا التماسك. في الوضع الشيعي توجد خروقات مثل كل الأوضاع الأخرى.
أيضاً في المقابل، وكما أقول لا يجوز لأي من الشيعة، أيضاً في المقابل لا يجوز لأي من السنة أن يتعاطى مع إحياء هذه المناسبة وكأنها عامل استفزاز أو عامل فتنة أو عامل تحريض طائفي أو دعوة إلى فتنة أو دعوة إلى صراع، أو إحياء لحساسيات. إلا إذا كان لديه تقييم مختلف للإمام الحسين بن علي (ع) وليزيد بن معاوية فعندها بحث آخر. لكن ليس هذا تقييم عموم المسلمين.
نحن هدفنا من إحياء هذه المناسبة هو هدف إسلامي كبير على مستوى الأمة، هدفنا هو إحياء هذه المناسبة بمعانيها، بقيمها، بدلالاتها، بما تحييه في هذه الأمة وبما أحيته طوال التاريخ. هناك مجموعة قيم محشودة في هذه المناسبة: الدفاع عن رسول الله (ص)، عن دين رسول الله (ص)، الإصلاح في هذه الأمة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، صلاح المسلمين، مصالح المسلمين الكبرى، الشجاعة، الثبات، الإيثار، التضحية، الوفاء، الصدق، وكل المعاني والقيم التي نتحدث فيها عشرات السنين ومئات السنين، ونتحدث فيها كل الليالي. كربلاء هذه هي مدرسة، هي قوة تاريخية وجدانية أخلاقية في هذه الأمة، تستطيع أن تعطي مدداً فكرياً إيمانياً روحياً عاطفياً معنوياً لمواجهة الأخطار، لمواجهة التحديات، للدفاع عن الكرامات، لاستنهاض الهمم والمعنويات والإرادات، ونحن نريد لكربلاء أن تكون كذلك.
الانتقاد ـ تصوير موسى الحسيني