ارشيف من :آراء وتحليلات

أين سوريا في انتصار غزة؟

أين سوريا في انتصار غزة؟


حسين حمية


كانت سوريا الأكثر حضورا في انتصار غزة الأخير، على الرغم من كل محاولات التغييب، كانت تعبيرات هذا الحضور واضحة ويستدل عليها هناك بالميدان والسياسة والإعلام، وهو حضور لم يكن سهلا تجاوزه أو القفز عنه من قبل المعسكر المناوىء لها، وكان واضحا مدى الإرباك الغربي والخليجي ومعهما دول الربيع في التعاطي مع هذا الحضور، وكانت ذروة الإسفاف في هذا التعاطي مرتين، الأولى عندما اعتبرت المعارضة السورية ومعها 14 آذار اللبنانية وغيرهم أن نتنياهو افتعل عدوان غزة لحرف الأنظار عن الأحداث في سوريا، والثانية التجاهل الجاحد لدورها في دعم المقاومة خصوصا في غزة، وهو دور لا يمكن فصله عن المخططات الانتقامية والعقابية التي تتعرض لها منذ أكثر من سنة ونصف.

طبعا، لم يكن هذا الإرباك ناجما عن قلّة الحرفية الإعلامية أو الخبرة السياسية لدى المحور المعادي لسوريا، إنما متولد عن صدمة عسكرية وسياسية لم تكن في حسابات هذا المحور، وهي صدمة لم تطاول فقط البقرة المقدسة للغرب والمتمثلة بالردع الإسرائيلي الذي أصيب إصابات قاتلة بقصف تل أبيب والقدس، إنما طاولت أيضا صلاحية استخدام "الربيع العربي" لتفكيك الكيانات العربية وتقطيع الروابط بين شعوبها من جهة وبالوقت نفسه اتخاذه مطيّة للمصالح الاستعمارية المتجددة في المنطقة من جهة أخرى.

لا يمكن فصل توقيت العدوان على غزة عن انشغال سوريا في مواجهة مؤامرة تفكيكها وتقطيعها، ولم يكن العدوان بقرار أحادي من جانب "تل أبيب" أو مبعثُه حسابات انتخابية لتحالف نتياهو ـ ليبرمان فقط، فكان هناك ما هو أكثر من علم وخبر لدى واشنطن، وجرى الحديث عن مهلة السبعة أيام منذ الساعات الأولى لبداية العدوان، فغزة بحسابات المعسكر الحلقة الأضعف في القوس المقاوم بالمنطقة، وكان الهدف إدخالها عنوة بالربيع العربي وسحب عضويتها من معسكر المقاومة.

بغض النظر عن كيفية إدارة مفاوضات الهدنة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وما رافقها من ضغوط متنوعة وكبيرة على الطرف المقاوم، هناك حصة لسوريا في الانتصار الغزاوي، لا تأخذها ممن وزّعوا الشكر بغير حساب يمنة ويسرة لأسباب معروفة، إنما هي باتت موجودة في صلب الحسابات السياسية المستجدة على ضوء المفاجآت الغزاوية التي قلبت وجه المنطقة.

كانت حرب غزة الأخيرة في جانب منها بمثابة حرب أفكار، وكان من شروط الغرب لدعم الربيع العربي تعريته من قضايا الشعوب الاساسية من سيادة وكرامة والتخلي عن القضية الفلسطينية، والتكيف مع غطرسة الكيان الإسرئيلي وتفوقه نظرا لاستحالة هزيمته، وذلك لقاء تقديم مساعدات متواضعة لدول هذا الربيع لحل بعض المشاكل الاقتصادية والحياتية، غير أن ما حدث في العدوان الأخير على غزة، اسقط هذه الأوهام ليرتد وعيا جديدا لدى تلك الشعوب سيكون من ارتداداته التشكيك بما يسمى الربيع العربي برمته الذي يحاول اليوم إسقاط سوريا.

كما إن ضربات المقاومة في شعاع 85 كلم في فلسطين المحتلة، والتي اخترقت بنجاح القبة الحديدية، ودكت المدن الكبرى للمستوطنين بما فيها تل أبيب والقدس وهرتزيليا وغيرها من المواقع، هذه الضربات، أشارت بوضوح للفلسطيني والعربي، أن هذه القوّة التي امتلكتها المقاومة في فلسطين، هي ليست احتضانا عمره اليوم، إنما هي أتت للفلسطينيين من أنظمة المقاومة والممانعة، فالأسلحة التي ثأرت وانتقمت لكل عربي في الحرب الأخيرة، هي إما من سوريا أو مرت عبر سوريا أو وصلت إلى غزة بواسطة سوريا.

أضف، ان سوريا تعتبر أن هناك ممن أضيفوا إلى قائمة المساهمين في انتصار غزة، هم كانوا قد خرجوا من هذه الحرب بعظمة لسانهم، وقالوا إنه لا ناقة ولا جمل لهم فيها، وذهبت مسالمتهم للعدو عند اشتداد المواجهة إلى حد وصف أنفسهم بالنعاج وهم صادقون، من دون أن يتجرأوا على وصف هذا العدو بالذئب وهم في هذا كاذبون، وعليه، بات الشارع العربي يعرف أين عنوان سوريا التي كانت الحامل الأساسي لمعنى المقاومة والحاضن الدائم لكل فصائلها على مختلف مشاربها ومعتقداتها الفكرية والسياسية.

إلى هذا، كان الانتصار في غزة، من زاوية، فرصة لتعيد القوى الدولية حساباتها في المنطقة التي التبست عليها بفعل انشغال سوريا في معالجة الاضطرابات على أرضها، وهي حسابات اعتقد أصحابها أن مفاتيح التصرف في المنطقة رهن بعض الدول العربية التي مكنتها قدراتها المالية من تصدر واجهة الأحداث في عقد المؤتمرات وتكثيف الزيارات، فكان اطمئنان نتنياهو لهذه الدول، هو ما شجعه على شن العدوان على غزة وترهيب أهلها بالقتل والخراب، وكانت المفاجأة في الرد الذي أملى على الجميع إعادة النظر بأن الانشغال السوري لا يمكن صرفه إخلالا بتوازن القوى المفروض بقوة معسكر المقاومة.

بأي حال، يجب أن لا يغيب عن البال، بأن الحرب على سوريا، تتغذى على آلة إعلامية عالمية ضخمة تساندها أجهزة استخبارية دولية تتولى تضليل الناس وتزوير الحقائق وتشويه الوقائع وتحريف الأحداث والعبث بالضمائر والوعي، فجاء العدوان على غزة ليمسح كل هذه الفبركات والأكاذيب، ويضع الشعوب وجهاً لوجه أمام الحقيقة الناصعة، وهي أن القوى المساندة للإرهاب الصهيوني والتي مرت مرور اللئام على ذبحه عشرات الأطفال في غزة هي نفسها من تساند العصابات التي تعيث فسادا ودما ودمارا في الأراضي السورية. وهذا يكفي سوريا لتثمين انتصار غزة.

2012-11-22