ارشيف من :آراء وتحليلات

بين ثغاء النعاج وزئير الأسود

بين ثغاء النعاج وزئير الأسود
من الصعب أن نفهم ما قصده وزير الخارجية القطري عندما قال في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة : "لا أريد أن أقول إن اجتماعنا هو مضيعة للوقت وللمال، ولكنني أقول إنه مضيعة للوقت وللمال". لكن، يمكن القول إذا صح تخميننا أنه صادق فيما أراد أن يقول. لأن للوقت وللمال وجوه صرف أخرى يبرع في ابتكارها المتمرغون فوق بحار النفط وأكوام الدولارات.

إلا أننا نمتلك حظاً أوفر في فهم ما قصده عندما قال : "نحن نعاج" حيث يستفاد من استخدام كلمة "نحن" فيها أنه شمل نفسه في هذا التوصيف الذي ألصقه بالعرب عموماً أو بقادتهم على وجه التخصيص. وإذا تركنا للعرب وقادتهم أمر ابتلاع هذه التهمة أو نفيها عن أنفسهم، يظل من الجائز أن نسأل الوزير القطري عما دفعه إلى هذا الاعتراف الخطير.

لن يجيب عن السؤال بالطبع. لكن خطورة الاعتراف تجبرنا على التكهن. وبالطبع، فإن التكهنات كثيرة وتذهب كل مذهب. لكن حسن الظن بالرجل يسقط تباعاً تكهنات من نوع أنه قال ما قاله تحت تأثير السهو أو غياب سيطرة العقل على اللسان. ولا يبقي غير احتمال واحد هو صحوة الضمير.

بين ثغاء النعاج وزئير الأسود

فنحن نعلم أن الإنسان، أي إنسان، لا يخلو من بذرة شهامة وإن كانت مدفونة في أعماق الأعماق تحت ركام آفات لا مسوغ لذكرها. كما نعلم مدى الإذلال الذي يتعرض له زعيم يدين بكامل زعامته، لا إلى المال حتى ولو كان بالقناطير المقنطرة، بل إلى أولياء نعمته وحماته والمتصرفين به وبأمواله ودولته على حد سواء. إذلال لا يقبلون معه من صنائعهم غير الإذعان الكامل والتماهي المطلق، لا بتلك الحيوانات المشهورة بالاستبسال في خدمة أسيادها. لأن تلك الحيوانات يحدث لها، رغم كل انسحاقها، أن تصاب بالسعار أو أن تضيق ذرعاً بوضعها وأن تعض وتنهش وتفترس.
والواضح أن تلك الحيوانات التي يريدون لصنائعهم وعملائهم أن يتماهوا بها هي النعاج. لأن النعاج، وإن ضاقت ذرعاً بوضعها لا تصاب بالسعار ولا تستطيع أكثر من الثغاء.
فإذا صح هذا الاحتمال، كان اعتراف الوزير القطري ناتجاً عن المعاناة التي يعيشها من يدخله حظه العاثر في خدمة دوائر الهيمنة المعروفة بصلافتها وتجبرها وتلذذها وتفننها في إذلال خدمها قبل أن تطرحهم في بالوعة التاريخ.
والمعاناة يمكنها بدورها أن تؤدي إلى صحوة الضمير. وهنا يدور الأمل على أن تكون تلك الصحوة هي ما أصاب الوزير القطري.
وإذا لم يصح هذا الاحتمال، لا مندوحة لنا عندها من البناء على سوء الظن. فكلمة "نحن" يمكن أن تستخدم في الخطاب، وهذا أمر يقره اللغويون، كبديل عن كلمة "أنتم".
وعلى هذا يكون الوزير قد استثنى نفسه وبعض من يهمه أمرهم ليعتبر أن بقية العرب وربما المسلمين ينتمون إلى فصيلة النعاج. وهذا يقتضي أمراً من أمرين:
الأول : أنه يعلم يقيناً أنه ليس بعربي، وأنه انتحل هذا الانتماء، شأن قادة عرب آخرين لأغراض ماكرة على صلة بالمؤامرة.
وفي هذه الحالة، يُطرح السؤال عن الانتماء القومي الحقيقي للوزير ولأولئك الذين استثناهم من نعته إياهم بالنعاج.

بين ثغاء النعاج وزئير الأسود

ويعيننا على الإجابة أننا لا نجد شبيهاً صريحاً لكلامه إلا في النسخ المزورة من العهد القديم التي تقول بأن اليهودي إنسان وغير اليهودي حيوان، وفي أدبيات الحاخامات الذين لا يتورعون، شأن الوزير القطري، عن وصف الفلسطينيين والعرب بأنهم حيوانات وحشرات.
والثاني : أنه يعلم أنه عربي ولكنه يتنصل ككثيرين غيره من الانتماء إلى العروبة ليلصق بنفسه صفة "العالمية" بدافع من الاعتقاد البائس بأن العصر هو عصر العولمة الأميركية وخاتم العصور.
وأياً يكن الأمر، فإن الوزير الذي نحن بصدده قد فاته أن بين العرب أقوام بدأوا بمسح العار الذي لطخ به حكام الماضي والحاضر جبين العروبة.
صحيح أنهم قلة، لكنها القلة التي كثيراً ما يحدث لها أن تغلب الكثرة. وهو يعلم ذلك، لأنه رأى ويرى اليوم، لا من غير غيظ وحسرة، كيف أن أصغر فئتين من حيث العدد بين العرب، المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، قد مرغتا بالعار وجوه العملاء والمتخاذلين من العرب الذين تنطبق عليهم بحق صفة "النعاج".

وإذا كان الوزير وأمثاله يرتعدون شأن الصهاينة أمام الضربات التي توجهها غزة إلى العمق الإسرائيلي، فإن الهدنة التي يسعون إليها لن تغير شيئاً في المعادلة الجديدة : انتهى الزمن الذي كانت فيه الكلمة لثغاء النعاج، وجاء الزمن الذي لا مكان فيه لغير زئير الأسود.

2012-11-22