ارشيف من :آراء وتحليلات

الكيان الصهيوني: قراءة سريعة في مسار منحدر!!

الكيان الصهيوني: قراءة سريعة في مسار منحدر!!

"ما حدث هو انتصار تاريخي لشعبنا ونضاله ومقاومته وهي جولات والجولات سجال بيننا وبين الاحتلال الاسرائيلي". رمضان شلح ـ الامين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.


لم يكن ما حدث في غزة مؤخراً مفاجئا. ليس انطلاقا مما حدث قبل اربع سنوات عندما تحطم "الرصاص المسكوب" على ابوابها، وإنما، لمن يقرا مسار التاريخ منذ البداية حتى الآن. بدا (الحلم الاسرائيلي) بكذبة في التوراة المنحولة: "كل موضع تدوسه بطون اقدامكم اعطيته لكم... من البرية ولبنان هذا الى النهر الكبير نهر الفرات جميع ارض الحثّيين والى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم". (سفر يشوع)!!.

الكيان الصهيوني: قراءة سريعة في مسار منحدر!!بهذه الاسطورة استمدت "إسرائيل" (البعد الاخلاقي) لوجودها. وبهذه الكذبة استنهضت الصهيونية يهود العالم. كانت اولى الخطوات العملية لإقامة الحلم (الاسرائيلي) مع اعدادٍ قليلة نسبيا من المهاجرين اليهود إلى فلسطين عام 1837 علي يد احد اثريائهم البريطاني "موشي مونتغري". في عام 1917 اصبح الحلم وعداً ملموساً؛ حتى إذا ما جاءت سنة 1948 اضحى حقيقة. ثم لم يلبث الحلم "من النهر إلى البحر" حتى خطا خطوة اكبر مع هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967. لم يكن احد يتصور يومها ان تقوم للعرب قائمة إلا بعض اصحاب الرؤية امثال الجنرال ديغول الذي حذر وزير خارجية "اسرائيل" آنذاك ابا ايبان من ان العرب لن يظلوا ضعفاء على حالهم، ولا شك بان حرب تشرين الاول/ اكتوبر 1973 كانت خطوة في هذا الاتجاه. وبالرغم من مكابرة "اسرائيل" فإن (حكماء) الصهيونية العالمية من امثال كيسنجر اقنعوها بان فوائد الانسحاب من سيناء اكثر بكثير من البقاء فيها إذا ما اقترن ذلك بانسحاب مصر من ساحة الصراع لتتفرغ بعدها إلى الشمال حيث الاراضي الخصبة ومصادر المياه، والدول الضعيفة وسهولة اختراقها على حد تصورهم!!. فكان الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني عام 1978، ثم الاجتياح عام 1982 الذي وصل إلى العاصمة بيروت؛ ومعها بلغ الحلم الاسرائيلي ذروته. ذروةٌ لم تصمد في مقياس التاريخ إلا لحظة، إذ بعد اسابيع قليلة كان الاسرائيليون يجولون في شوارعها بمكبرات الصوت طالبين من المقاومين اللبنانيين عدم إطلاق النار "لتسهيل انسحاب جيش الدفاع الاسرائيلي من بيروت"!!!!..
خرجت منظمة التحرير الفلسطينية، فنهض ابناء الارض وقد تراكمت التجارب في وعيهم ليصبحوا الاكثر تنظيما وخبرةً، كما واستولدت معاناتهم إرادةً فولاذية حتى باتت: "المقاومة الاسلامية" هي الاصلب عوداً؛ وفي الجنوب فاق الدرس كل التصورات، الاصدقاء منهم قبل الاعداء. ونظن بأن دايان الذي قال يوما: "اما لبنان فاني اراه بعيني السوداء" ـ إشارةً إلى انه خارج الحسابات ـ فقد كان اهون عليه لو عاش ان يفقأ عينه الثانية وهو يرى جيشة ينهزم في عتمة الليل عام 2000 ثم يرتد مدحوراً في 2006.

سـقوط النظرية

من "اسرائيل" صاحبة المبادرة التي تنقل المعركة إلى "ارض الخصم"، وتنهيها هناك بزمن قصير، إلى "اسرائيل" حيث جزءٌ من المعركة يدور فوق ساحتها، من دون ان تعرف كيف تنهيها بل وتستجدي وقف إطلاق النار احياناً كما حدث في صيف 2006. ومن "اسرائيل" الذراع الطويلة تضرب في العراق وتصل إلى عنتيبي في كينيا لتحرر رهائن صهاينة؛ إلى "اسرائيل" التي تُقصف مدنها ولا راد لذلك بالرغم مما توافر لها من امكانيات لا يقاس بها ما توافر للطرف الآخر.

هو "رابع اقوى جيش بالعالم" وقد اعدته الولايات المتحدة ليكون عصاها الغليظة في المنطقة، غير انها انكسرت في 2006 على مشارف عيتا وبنت جبيل، ولم تستطع في 2008 ان تفتح باباً من ابواب غزة!.. هذا الجيش المدجج لم بتجرأ ان يفعلها في عدوانه الاخير على غزة قبل ايام؛ جاء تهديده بالاجتياح ملهاةً مضحكة، مثله كمثل بندقية معطلة لا تطلق الرصاص!! لم تحرك قيراطا في ميزان معادلة الردع الندية التي فرضتها ملحمة غزة الآخيرة، هذا لان العسكر في "اسرائيل" يعرفون ضمناً بأن اقحام قواتهم في شوارع غزة مقتلة لهذه الاخيرة بل ومن غير المبالغة كانت امنية للفصائل المقاومة للحصول على نصر كبير بثمن قليل؛ لقد تعود (الاسرائيليون) على النصر السريع؛ لم يألفوا بعد ان تقصف مدنهم في القلب مثل: تل ابيب، هرتسليا، القدس الغربية، بير السبع؛ اليوم جاء منهم من يقول ـ وهو شلومو بروم احد خبرائهم العسكرين البارزين ـ: "الإسرائيليون يريدون انتصارًا واضحًا ووقفًا فوريًا للصواريخ من غزة، وهذا غير ممكن. هذه الحرب تنتهي بالنقاط كما في الملاكمة".

واخيراً وليس آخراً فقد ثَبَت عدم فعالية "القبة الحديدية" في المواجهة الأخيرة؛ وبذا فإنه ليس بمقدورها ان تفعل شيئاً مع" صواريخ إيران" المنتشرة من شمال حدود "اسرائيل" إلى جنوبها!. إلى جانب هذا فقد اثبتت صناعة الصواريخ التقليدية انها قادرة على تحدي مفهوم «الردع النووي»، ومعها وبها لم تعد للكيان العبري خاصرة رخوة وحيدة في الضفة الغربية. فقد باتت كل "اراضيه" من اقصى الشمال إلى اقصى الجنوب من الرخويات!!!

بناءَ على ما سبق نستنتج بان "نظرية الحدود الامنة لـ"اسرائيل" قد سقطت. فقد اخذ مسار الصراع يتحول بشكل جلي في الجانب الاسرائيلي من الهجوم والمبادرة، إلى الدفاع، فيما انتقل في الجانب (العربي المقاوم) من اسلوب القتال بحرب العصابات إلى المواجهة المباشرة، ومنها إلى الردع. ولنلاحظ ان هذه الانجازات قد تمت في ظل أسوأ مناخات! .. في زمن الردات العربية، وانهيار الجبار السوفياتي، وبتدخل امريكي سافر في المنطقة العربية بالسياسة، وبالعسكر مباشرةً لا مداورةً.
بهذ الرؤية الجدلية لمسار صراعٍ طويلٍ، وسيطول ويبدو بان ما أُسمي باتفاق التهدئة الاخير بين الفصائل الفلسطينية في غزة والعدو هو حلقة من المسار الاسرائيلي المنحدر وصعود للمقاومة العربية وليس العكس كما يتوهم الناعقون من بعض التشكيكيين اصحاب "نظرية المؤامرة". والاثبات على ذلك نسوقه مما جاء على لسان الصهاينة انفسهم:

ـ المعلق السياسي لموقع "walla" العبري يعلق على اتفاق التهدئة:
"من غير المصدق ان تقوم اسرائيل بالسعي لهذا الاتفاق المخزي والاستسلام في وقت تعيش تحت حكم احزاب اليمين التي يترأسها بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان قبل الانتخابات الاسرائيلية بشهرين".
ـ عضو الكنيست بن آري: "إسرائيل رفعت الراية البيضاء"
ـ تسيبي ليفني: "إسرائيل لم تحقق اي هدف في هذه الحرب".
ـ قناة "الجيش الاسرائيلي": " 98% من مطالب حماس هو ما تحقق في هذه المعركة!".
ـ صحيفة "يديعوت احرونوت": "الإسرائيليون في بئر السبع يخرجون إلى الشوارع يحتفلون ويرقصون بانقشاع كابوس الصواريخ!".
ـ صحيفة "يديعوت احرونوت": ".. وانتصرت حماس، وفتحت معابرها".
لم يكن ما سبق من معطيات قد ابصر النور عندما تساءل بحسرة وقبل سنوات الكاتب الامريكي اليهودي "بنيامين شفارتس" في مجلة اتلانتيك الامريكية: "هل سيقدّر لـ"اسرائيل" ان تحتفل بعيد ميلادها المئة؟".. ليصل في نهاية مقاله إلى الاستنتاج انه "من العسير ان تعمّر".. هذه الحقيقة تؤلم (النظام العربي الرسمي!). من هنا لا انفصام لكل ذي بصيرة بين "الربيع العربي" ومستقبل "اسرائيل" كما لا انفصام بين استهداف سوريا بقصد تقسيمها، وبين المسعى الامريكي لتمديد حياة "اسرائيل".


لؤي توفيق حسـن(*)

(*) كاتب من لبنان







2012-11-24