ارشيف من :آراء وتحليلات

في عاشوراء الحسين .. العراق كله كربلاء

في عاشوراء الحسين .. العراق كله كربلاء


كربلاء المقدسة: عادل الجبوري

ربما لا توجد احصائيات دقيقة لعدد المواكب والهيئات الحسينية التي شاركت هذا العام في مراسم العزاء الحسيني بمدينة كربلاء المقدسة ومدن العراق الاخرى، وكذلك لا توجد احصائيات دقيقة لأعداد الناس المشاركين في هذه المراسم، بيد ان ما يمكن تأكيده هو انه لم تخلُ محلة واحدة في العراق، سواء في المدينة او الريف من رايات ترفع او مجالس تعقد او موائد تنصب احياءً لملحمة عاشوراء الخالدة، بعبارة اخرى ان كل العراقيين تقريبا شاركوا في إحياء ذكرى استشهاد الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) وأهل بيته وأصحابه في كربلاء قبل الف وثلاثمئة وثلاثة وسبعين عاما.

في عاشوراء الحسين .. العراق كله كربلاء


وعلى وجه العموم تتميز اجواء ومناخات المناسبات الدينية في العراق لا سيما ذكرى واقعة الطف الاليمة عما سواها في بلدان اسلامية وغير اسلامية اخرى، لاكثر من سبب، من بينها ان ارض هذا البلد شهدت وقائع واحداث الثورة الحسينية بكل تفاصيلها وجزئياتها، ومن بينها انها احتضنت مراقد عدد من الائمة الاطهار، وفي مقدمتهم الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في مدينة النجف الاشرف، والامام الحسين واخيه العباس عليهما السلام في مدينة كربلاء، والامامين موسى بن جعفر الكاظم وحفيده الامام محمد بن علي الجواد في مدينة الكاظمية المقدسة، والامامين علي بن محمد الهادي وولده الحسن بن علي العسكري في مدينة سامراء، اضافة الى عدد كبير من مراقد ومقامات الاولياء والصحابة الابرار، كأصحاب الامام الحسين الذين استشهدوا بين يديه في واقعة الطف، وابرزهم حبيب بن مظاهر الاسدي والحر بن يزيد الرياحي في كربلاء، ومسلم بن عقيل في الكوفة، واولاده في قضاء المسيب بمحافظة بابل، وكذلك فان الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي هم من اتباع مذهب اهل البيت عليهم السلام، فضلا عن ان هناك حالة من التعايش والوئام بين مختلف المكونات سادت على مر التاريخ، جعلت ابناء المذاهب والديانات الاخرى في هذا البلد يتفاعلون ويشاركون سنويا في مراسم احياء ذكرى عاشوراء.


ورغم عدم وجود احصاءات دقيقة كما اشرنا انفا الا ان التقارير المختلفة تشير الى توافد اكثر ثلاثة ملايين زائر من بينهم ثلاثمئة وخمسون الف زائر اجنبي من اثنتين وثلاثين دولة الى مدينة كربلاء المقدسة.

وقد ساهم اكثر من ثلاثين الف عنصر امني وعسكري في تأمين الحماية لزوار الامام الحسين عليه السلام، ولم تحدث خروق امنية كبيرة، سوى عمليات ارهابية صغيرة ومتفرقة في بعض المناطق والمدن.

وشارك عشرات الالاف من الزائرين في مراسم ركضة طويرج التي انطلقت كما هو معتاد من منطقة قنطرة السلام التي تبعد مسافة ثلاثة كيلومترات عن مركز محافظة كربلاء، لتمر من باب طويريج، وتصل الى مرقد العباس عليه السلام، ومن ثم الى مرقد الامام الحسين عليه السلام لتنتهي عند المخيم الحسيني حيث جرت مراسم حرق الخيام وسط اجواء حزن عميق.

والى جانب توافد ملايين الزوار على مدينة كربلاء فإن اعدادا كبيرة غصت بهم المراقد والضرائح والمقامات المقدسة في النجف والكاظمية وسامراء وبابل وغيرها، فضلا عن الاف المواكب والهيئات الحسينية.

اضف الى ذلك فإن الصوت الحسيني بمظاهره المختلفة لم يغب في المناطق ذات الاغلبية السنية، والمناطق الكردية والمناطق التي تقطنها اقليات دينية كالمسيحيين والصابئة المندائيين والايزيديين. فهذه المناطق شهدت مراسم عزاء لا تقل في ابعادها ومضامينها عن مراسم العزاء في المناطق ذات الاغلبية الشيعية.

وكانت ذكرى عاشوراء الامام الحسين عليه السلام قد مثلت فرصة مناسبة جدا استثمرها الكثير من خطباء المنبر الحسيني للتطرق الى الواقع السياسي والاجتماعي القائم في البلاد، وتسليط الاضواء على جملة من المشاكل والازمات السياسية التي تحفل بها البلاد، والمظاهر والسلوكيات الاخلاقية السيئة التي لا تنسجم مع المنظومة الدينية والاجتماعية للشعب العراقي، داعين الى الاقتداء بنهج وسيرة وسلوك الامام الحسين واهل بيته واصحابه، وترجمة الولاء للحسين عليه السلام الى واقع عملي عبر السلوكيات والممارسات الصحيحة في كل الجوانب والمجالات، وكذلك فإن الاوضاع والظروف الحرجة والحساسة التي يعيشها المسلمون في بقاع عديدة كفلسطين وسوريا والبحرين وغيرها وجدت حيزا واسعا من اطروحات الخطباء. الى جانب ذلك فإن شخصيات وقوى سياسية رسمية وغير رسمية دعت في بيانات لها الى استثمار ذكرى الثورة الحسينية لتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات والتقاطعات من خلال استلهام الدروس العظيمة التي جاءت بها تلك الثورة.

في عاشوراء الحسين .. العراق كله كربلاء

والملاحظ ان اسواق ومحال العاصمة العراقية بغداد ومدن عديدة اخرى اغلقت ابوابها يوم العاشر من محرم لتحل محلها سرادقات العزاء التي اكتظت بها الشوارع والازقة.

وكان يوم التاسع (تاسوعاء) قد شهد تجمعات حسينية حاشدة في مناطق مختلفة، ابرزها التجمع الجماهيري الذي اقامه المجلس الاعلى الاسلامي العراقي في ملعب نادي الصناعة ببغداد، وألقى فيه زعيم المجلس الاعلى السيد عمار الحكيم كلمة تطرق فيها الى الجوانب المبدئية والعقيدية في قضية الامام الحسين عليه السلام، اضافة الى تناوله جملة من القضايا السياسية الداخلية والاقليمية والدولية.

ومما تجدر الاشارة اليه ان مجالس العزاء الحسيني تتواصل بنفس الوتيرة طيلة شهر محرم الحرام، وحتى ذكرى اربعينية الامام الحسين في العشرين من شهر صفر، لتتكلل بإحياء ذكرى العروج الملكوتي للرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم الى الرفيق الاعلى في الثامن والعشرين من صفر، متزامنة معها ذكرى استشهاد الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام.






2012-11-26