ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد التهدئة، استمرار المقاومة أم التراخي أمام المؤامرة؟

بعد التهدئة، استمرار المقاومة أم التراخي أمام المؤامرة؟
عقيل الشيخ حسين

 



قبيل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، صدرت عن العديد من المسؤولين الإسرائيليين تصريحات مفادها أن الحل هو بإعادة احتلال القطاع لاستئصال شأفة "الإرهابيين"، كما تسميهم الدعاية الصهيونية، أو "الميليشيات المسلحة"، وفقاً لتسمية لا تتردد بعض وسائل الإعلام العربية بإطلاقها على حركات المقاومة بما فيها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس.

والواضح أن سبب هذا التركيز على غزة، في جميع الحروب التي شنها عليها الإسرائيليون، هو إجبارها على الدخول، شأن سلطة رام الله والنظامين المصري والأردني، في عملية السلام التي تباركها معظم الأنظمة العربية والقوى الغربية، والتي لم تسفر منذ إطلاقها عام 1977 إلا عن إلحاق المزيد من الأذى بالقضية الفلسطينية وغيرها من قضايا التحرر في المنطقة.

ومع بداية الحرب، ظن الإسرائيليون أن تحقيق هدفهم قد أصبح في متناول اليد، بعد أن خيل إليهم أن قواتهم الجوية قد دمرت مواقع صواريخ المقاومة، وأن القبة الحديدية كفيلة بصد ما قد يكون قد تبقى من تلك الصواريخ.

لكن هذه الظنون والتخيلات تبخرت عندما بدأت صواريخ المقاومة بالتساقط على المستعمرات الإسرائيلية، وتحديداً على تل أبيب والقدس المحتلتين في عمق الأراضي المحتلة. وفي ظل هذا التطور، أدرك الإسرائيليون أن ورطتهم في غزة هي من نوع الورطة التي وقعوا فيها في لبنان صيف العام 2006.

وبالرغم من جميع المناورات التي أجروها بهدف تعزيز "الجبهة الداخلية" خلال السنوات الماضية، خصوصاً في مجال تعامل الشارع الإسرائيلي مع الهجمات الصاروخية، تبين أن "إسرائيل" لم تعد قادرة على الحيلولة دون تحولها، عند كل مواجهة، إلى "دولة تحت الأرض"، بكل ما لذلك من دلالات مادية ومعنوية على صلة بأصل الوجود غير الشرعي لهذه الدولة.

بعد التهدئة، استمرار المقاومة أم التراخي أمام المؤامرة؟

ونظراً لعلم الإسرائيليين بأن الهجوم البري الذي حاولوا التهويل به على المقاومة في غزة لا يمكنه غير تعميق الورطة التي وقعوا فيها، باتت التهدئة ووقف سقوط الصواريخ على التجمعات الإسرائيلية بمثابة القشة الأخيرة التي يمكنها انتشالهم من هذه الورطة.
وبالطبع، التقت الرغبة الإسرائيلية هذه بهواجس الأطراف الأخرى، الدولية والإقليمية، في المعسكر الأميركي. ومن هذه الأطراف أطراف كتركيا، العضو في حلف الناتو والتي تقيم علاقات تحالف وطيدة مع الكيان الصهيوني، وكمصر المتمسكة باتفاقيات السلام مع هذا الكيان، وكقطر المعروفة بعلاقاتها معه على المستويين المعلن وغير المعلن.

من هنا، تحولت القاهرة التي سبق أن أعلنت تسيبي ليفني منها الحرب على غزة نهاية العام 2008، إلى خلية أزمة لإطلاق العمل من أجل إخراج الكيان الصهيوني من الورطة التي وقع فيها نهاية العام 2012. وخصوصاً أن استمرار تساقط الصواريخ بأعداد كبيرة على المستوطنات قد كشف أمام الجميع طليعية الدور الإيراني والسوري في تمويل المقاومة وتسليحها، فيما يسعى الآخرون جهدهم في محاصرتها والكيد لها.
وبنتيجة الجهود التي قادتها هيلاري كلينتون، وشارك فيها كل من بان كي مون وأردوغان والأمير القطري والرئيس المصري، والأمين العام للجامعة العربية، تم التوصل إلى هدنة أهم ما فيها أنها جاءت ـ بعد الهزائم الإسرائيلية السابقة في لبنان وغزة ـ لتقدم المزيد من الأدلة على انهيار أسطورة التفوق الإسرائيلي.
غير أن ذلك لا يعني أن القوى المضادة للمقاومة ستتوقف عن السعي من أجل استخدام التهدئة كمنطلق لمواصلة العمل من أجل استدراج حركات المقاومة، أو بعض فصائلها، نحو الانضمام إلى العملية السلمية تحت أجنحة مصر وتركيا والإغراءات المالية القطرية.

والحقيقة أن هذه الإغراءات قد تجسدت قبل أسابيع من العدوان الإسرائيلي الأخير من خلال تواتر الكلام عن خطط لإقامة منطقة حرة ومشاريع ذات طابع ترفيهي وسياحي في قطاع غزة. وفي هذا الإطار، جاءت الزيارة التي قام بها أمير قطر إلى غزة ورافقها الكلام عن منح القطاع منحة بقيمة 4 ملايين دولار.
وفي الاتجاه نفسه، تركز وسائل الإعلام المرتبطة بالمعسكر المعادي للمقاومة، منذ ما قبل التهدئة، على ما تسميه صعوبة حصول حركات المقاومة في غزة على الأسلحة في ظروف انشغال سوريا بأزمتها الداخلية واستمرار الحصار الذي لا يسهل معه وصول الأسلحة الإيرانية إليها.

ومن هذه اللغة، يفهم أن المعسكر المذكور يهول على حركة حماس ويقدم لها في الوقت نفسه إغراءات تتجاوز المعطى الغزاوي إلى الضفة الغربية من خلال كلام الإسرائيليين عن نيتهم الإطاحة بمحمود عباس، وحتى إلى الأردن الذي يشهد حراكاً إخوانياً يمكن الرهان عليه كوطن بديل يمكن لشهية البعض أن تنفتح عليه في ظروف ربيع إسلامي يستمد معظم قوته من التفاهم مع الولايات المتحدة وحلفائها بمن فيهم الكيان الصهيوني.
لكن كل ذلك لا يجدي فتيلاً. فغزة التي انتصرت اليوم رغم الحصار وقسوة الظروف بفضل صمود أهلها ودعم محور المقاومة في المنطقة ستواصل القيام بدورها في مقارعة الاحتلال وفي إفشال ما يستجد من مؤامرات.

2012-11-26