ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: صبراً ... لا أحد

نقطة حبر: صبراً ...  لا أحد

كتب حسن نعيم

يقول المثل الايرلندي: الذئب ما كان ذئباً لو لم تكن الخراف خرافاً.
وأنا هذا العبد الفقير أقول: "إسرائيل" ما كانت "إسرائيل" لو لم تكن الأنظمة العربية المتخاذلة موجودة.
فالغزو الصهيوني للأرض الفلسطينية والدعم الأجنبي لهذا الغزو الصهيوني لم تقابله مقاومة عربية جادة ومخلصة في خيارها الجهادي.
أما اليوم، فإزاء كل الدعم الاميركي ـ الاوروبي للكيان الاسرائيلي الغاصب، تقف غزة بمجاهديها الأسطوريين وأزقتها الفقيرة وأسلحتها البدائية في وجه ترسانة عسكرية تدعى "إسرائيل", تقف غزة كرمح في هذه الصحراء العربية القاحلة.
تقف غزة خالية من أي دعم عربي ما خلا الاحساس العميق بالمظلومية الذي تكنّه الشعوب العربية المسحوقة للشعب الفلسطيني الشقيق الذي يذبح يوميا وتمارس عليه كل أشكال الترهيب والتهويل والقهر، وماذا يجدي التعاطف والدموع، وما عساها تقدم لهذا الجرح المفتوح منذ ستين عاماً فإذا كانت "مصر" الدولة العربية الأكبر وجارة غزة الأقرب و"الحيط على الحيط" (كما يقولون) تتفرج على هذا الدم الراعف يسيل في غزة ولا تحرك ساكناً، كفِيل جبان هرم لا يقوى على الحراك, لا بل ينحصر همها كل همها في كيفية سد منافذ العبور الى اراضيها من الجانب الفسطيني لشراء قارورة غاز وبعض البضائع والسلع الغذائية والادوية الضرورية.
يقول تشيكوف على لسان أحد أبطاله "ان أقسى الأمور على المرء هو أن يعمل من دون أن يلقى الود والتعاطف من أي انسان".
ويقول محمود تيمور على لسان إحدى شخصياته في قصة "السماء لا تغفل أبداً": "نحن الآن نعمل وكلنا يسعى لغرض أسمى, ولإسعاد البشرية، ولكن هل تحس البشرية بعملنا وما نلاقيه من صعاب؟ أبداً أبداً".
ويسأل الراوي في قصة رفعت السعيد "السكن في الأدوار العليا": "ماذا يجدي الأمر كله؟  الشعب نائم بل هو صوت يتظاهر ضدنا, ضدنا نحن الذين نهب نسمات حياتنا من أجله. تبدو الأمور جميعاً بغير معنى. نحن نضحي من أجل من لا يريد. لو أن الناس تحس بعذاباتنا لهانت كل العذابات, لكن الناس بعيدون عنا وكلماتنا. ماذا تجدي؟ انها لا تقنع أحداً".
كلا يا رجال غزة، ثمة أحد يعلم ويحس بعذاباتكم. إنه الأحد الذي لا أحد غيره.
ألم يقل محمود درويش ذات قصيدة: "صبراً لا أحد".
نعم لا أحد غيره يسمع ويرى.. وإن ينصركم فلا غالب لكم.

الانتقاد/ العدد1272 ـ 13 حزيران/ يونيو 2008

2008-06-12