ارشيف من :آراء وتحليلات

إلى أين تتجه رومانيا؟!

إلى أين تتجه رومانيا؟!



الفساد، سوء استعمال النفوذ والممارسات المعيبة، تلك هي الوضعية السائدة في رومانيا قبل الانتخابات القادمة، كما يصفها بعض الاعلاميين.

فقبل شهر من اجراء الانتخابات النيابية نشرت جريدة "ميديافاكس" لائحة بممتلكات ممثلي الاحزاب السياسية، المرشحين للبرلمان. وتعترف جريدة "جورنالول ناسيونال" بأنه "لم يكن يوجد ابداً حتى الآن في رومانيا سياسة وحياة برلمانية نظيفة". "وبالعكس، فإن بيع الاصوات، الفساد، سوء استعمال النفوذ، واستخدام الوظيفة لاجل المصلحة الشخصية كانت على الدوام تستخدم من قبل كل حزب في الحياة العامة والمجتمع. ولكنه لم يحدث ابداً في السابق ان انحدرت الامور الى هذا المستوى المنخفض، الى درجة مقرفة، كما اصبح معلوماً الآن". وقد ذكرت اسماء شخصيات معروفة، ومن بينهم النائب في البرلمان الاوروبي ورجل الاعمال الكبير جورجي (جيجي) بيكالي، المرشح عن الحزب الوطني ـ الليبيرالي، الذي يملك ارضاً زراعية بمساحة 340 هكتاراً، وغابة مساحتها 22 هكتاراً، واكثرية الاسهم في العديد من الشركات والمؤسسات. وهو قد قدم قروضاً للعديد من الشخصيات الطبيعية والحقوقية. كما انه يملك العديد من الشقق في بخارست والمناطق. كما تظهر اسماء ممثلين عن رابطة "رومانيا اليمينية". ويملك بعضهم، عدا العقارات في رومانيا، اسهماً في بنوك اجنبية، وفيلات في هوليود، وحسابات بنكية باليورو والدولار في الولايات المتحدة الاميركية وغيرها من البلدان الغربية.

وسلطت الصحافة الاضواء بشكل خاص على المرشح للبرلمان دان دياكونيسكو، الذي اسس منذ وقت قريب "حزب الشعب". فهذا "الخادم للشعب" قام بتجنيد اعضاء في حزبه، ليس بطرح الافكار والبرامج السياسية، بل دعا كل من يريد ان يدخل إلى البرلمان ان يدفع "للحزب" 50000 او 75000 يورو. وقد شارك بهذه المساهمة المالية العديد من السياسيين المعروفين وقادة من الاحزاب السياسية الاخرى. ومن المرشحين الذين حازوا دعم "حزب الشعب" بهذه الطريقة مرشحون من "الاتحاد الاجتماعي الليبيرالي"، وغالبية المرشحين الليبيراليين. ان مرشحي البازار هؤلاء كشفوا عملية دمج بين القدرة الاقتصادية وبين الدور السياسي. وهذا ما يظهر بوضوح في حالة جيجي بيكالي المشار اليه آنفاً. وفي حالات اخرى، فإن القدرة الاقتصادية تبقى في الظل، ويجري التركيز على الجوانب السياسية للمرشحين، من النواب والوزراء وعمالقة الاعلام. وحسب "مرونة" كل شخص، فإن العديدين يعبرون من حزب الى حزب. ويشار الى سيباستيان غيتسا، الذي يعتبر انه اغنى شخص في البلاد، بأنه هو الذي يحرك خيوط هذه اللعبة. ولكن ذلك ليس سوى مشهد من فيلم الوضعية السابقة للانتخابات. ومن هذا المشهد تظهر "العلاقة الحارة" بين المال والسياسة. وقد نشرت جريدة "ناسيونال" مادة تعرض "بطولات" احدهم المدعو جيلي فيشان، المرتبط بمجموعة تضم الرئيس الحالي للحزب الليبيرالي ـ الديمقراطي المعارض فاسيلي بلاغا والوزير السابق رادو بيرتشانو. وفضح فيشان بالفساد وغير ذلك من الجرائم. وبسبب هذه الفضيحة تعرض حزب اليمين لهزة سياسية في مرحلة الانتخابات. والآن هو الوقت المناسب لمختلف الناشطين السياسيين الفاشلين للانتقال من حزب الى حزب آخر ذي افاق واعدة. وقد عرض عالم الاجتماع فاسيلي دينكو وجهة نظره حول هذه الظاهرة. وهناك سياسيون ثابتون يعتمدون على دعم من يسمونهم بارونات (شخصيات محلية ذوات سلطة اقتصادية وسياسية). ويقول دينكو: ان الكثير من قادتنا ليس لديهم جمهور ينتخبهم، وهم لم ينجحوا في كسب ثقة الجمهور، ولا يبحثون عن شعبية بواسطة طرح موضوعات ومشاريع. ولكنهم يقدمون انفسهم كنجوم، ويستخدمون التلفزيون للاتصال بالجمهور. "وهكذا فإن الاغنياء المحليين يربحون الوسط، ويصنعون نواباً وسيناتورات". وبحسب رأيه فإن تبعية السياسيين في بخارست للمجموعات المحلية "هي سرطان التطور المتوازن لرومانيا". ان بخارست تفقد بالتدريج قسماً من وزنها السياسي بوصفها العاصمة.

وعشية الانتخابات يجري بث دسائس سياسية وفضائح ضد مختلف القادة الحزبيين. ويتنبأ ممثلو اليمين انه بعد الانتخابات فإن فيكتور بونتا لن يعود الى رئاسة الوزارة. وهم يأخذون عليه عدة نقاط ضعف، ولكن "الاهم" بشكل خاص ان رئيس الجمهورية بوسيسكو لن يعود الى تكليفه من جديد بتشكيل الوزارة. وهذا بالرغم من التوقعات بأن الانتخابات ستكون في مصلحة الاتحاد الاشتراكي الليبيرالي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. وقد نشرت جريدة " رومانيا ليبيرا" استطلاعاً للرأي حول نتائج الانتخابات، اذيع ايضاً في تلفزيون "رياليتاتي". وجاء في الاستطلاع ان الاتحاد الليبيرالي الاشتراكي سوف يفوز بنسبة 62% من الاصوات، وان رابطة "رومانيا اليمينية" ستحصل على 15%، و"حزب الشعب" 14%، والاتحاد الديمقراطي للهنغاريين 3%. ولكنه يتم الاعتراف بأن كل شيء يبقى مرتبطاً بعدد المقترعين. وفي هذا الصدد راجت انباء عن خلافات في اوساط قيادة الحزب الوطني ـ الليبيرالي، الذي هو جزء من الاتحاد الاشتراكي الليبيرالي. والاختلافات هي بين الزعيم الحالي للحزب كرين انطونيسكو والزعيم السابق كيلين بوبيسكو ـ تيريتشانو. فالاخير يعتقد انه بالرغم من توقع فوز الاتحاد بأكثر من 50% من الاصوات، ففي الحكومة القادمة ينبغي ان يشارك حزب الهنغاريين. ولكن قادة آخرين للحزب يرفضون قطعياً التعاون مع الهنغاريين. ولكن رئيس الاتحاد الديمقراطي للهنغاريين كيليمين هونور اصدر بياناً جاء فيه "في هذه اللحظة ليس للاتحاد تفضيلات فيما يتعلق بالارتباطات المحتملة ما بعد الانتخابات". ويذكر انه طوال 22 سنة في كل "المرحلة ما بعد شاوشيسكو" فإن الحزب الهنغاري لم يلتزم قبل الانتخابات بالتعاون مع حزب سياسي آخر، وانما كان ينتظر "كيف ستجري الرياح".

وقد بثت الصحافة في الرأي العام اشاعات وتخمينات مختلفة حول اوضاع مختلف القوى بعد الانتخابات. وطرح زعيم الحزب الديمقراطي الليبيرالي "فاسيلي بلاغا" عدة افتراضات ولكن بدون مشاركة التحالف الحاكم الحالي. ورداً على افتراض ان يلجأ الرئيس بوسيسكو الى عدم تكليف رئيس الوزراء الحالي بونتا باعادة تشكيل الوزارة، علقت جريدة "اديفيرول" بأن الرئيس "سيقع حينذاك في فقدان الجاذبية".

ان التوتر السياسي سينمو، وهو ما لا تحبذه اوساط الاتحاد الاوروبي في بروكسل. والمشكلات الاجتماعية ـ الاقتصادية تزداد حدة "ان الاسعار ترتفع، ونحن نصبح اكثر فقراً". هذا ما علقت به بقلق جريدة "زيوا". ففي الفترة من تموز 2011 حتى تموز 2011 ارتفعت اسعار الطاقة والمحروقات 5،7%، والسلع الاستهلاكية 5،5%، حسبما اعلنت مؤسسة الاحصاء الوطنية. واشتكى رئيس جمعية رجال الاعمال في رومانيا فلورين بوغونارو من الشركات، التي مضى عليها 20 سنة وهي تنفذ المشاريع بالعملة الاوروبية، وهي لا تستطيع ان تنجز تلك المشاريع بسبب التأخير في الدفعات. وعدا ذلك فإنه في مؤتمر القمة الاخير للاتحاد الاوروبي، حول مشروع الاطار المالي لعدة سنوات الذي انعقد في بخارست، طرحت التخوفات من ان بروكسل يمكن ان تطرح مسألة عدم استيعاب الاموال المقدمة من الصناديق الاوروبية. وحسب توقعات مؤسسة الاحصاء الاوروبية "يوروستات" فإن معطيات النمو الاقتصادي في رومانيا سوف يعاد النظر فيها. فتوقع النمو الاقتصادي لسنة 2012 بنسبة 4،1% سوف يجري تخفيضه الى 8،0%. اما "رايفايزنبنك" فيتوقع ان لا يكون النمو أكثر من 5،0%.

وإن الوضع الاجتماعي ـ الاقتصادي غير المُرضي وازدياد إفقار السكان يجد انعكاسه في الصحافة الرومانية. وقد علقت جريدة "زيوا" بما يلي "ان رومانيا هي اليوم بلد مدمر، ذو اقتصاد مدمر، والنظام البنكي والموارد الطبيعية هي في الايدي الاجنبية"، و"إن الشريحة السياسية الفاسدة تخرب البلاد، وتستخدم اموال الدولة للمصالح الخاصة وفي البنوك الاجنبية. ان رومانيا لم يكن عليها ديون سنة 1990. وفي خلال 22 سنة تراكمت عليها جبال من الديون وأصبحت مستعبدة لصندوق النقد الدولي".

ان رومانيا ليست البلد الاوروبي الوحيد في مثل هذا الوضع البائس. وقد اصبحت غالبية الرومانيين تدرك اهمية اجراء تغيير بنيوي.

فإلى اين ستتجه البلاد بعد نهاية الانتخابات الوشيكة؟

2012-12-04