ارشيف من :آراء وتحليلات
تواضعت اهداف "اسرائيل".. فهل تتواضع أهداف 14 آذار؟
لا تقتصر نتائج عدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة فقط على المواجهة البينية في القطاع، من ناحية عسكرية او غير عسكرية. النتائج تنسحب ايضاً على ساحات مواجهة اخرى، وفي مقدمتها لبنان. واذا كان الكيان الغاصب قد بان، وبشكل لا يقبل الشك، انه مرتدع عن المواجهة العسكرية البرية مع غزة، فهو بالتأكيد اكثر ارتداعاً في مواجهة لبنان، وحزب الله، اذ لا يمكن تصور اي تدخل عسكري اسرائيلي، بلا دخول بري، وإن محدوداً للاراضي اللبنانية.
اوجه المقاربة بين الجبهتين كثيرة جداً، وبدأت بالتكشف. مسلسل التهديدات الاسرائيلية للبنان يكرر نفسه مع قطاع غزة. تهديد هنا وتهديد هناك، ومصدر امني يحذر من "كسر التوازن"، ويلوح بعملية عسكرية، لا تبقي ولا تذر. الا ان التهديد الذي لا يتحوّل الى فعل، ولا يتوقع ان يتحول الى فعل، وبالاخص بعد ان وقفت الوحدات العسكرية الاسرائيلية على حدود القطاع، من دون التحرك الى داخله، هو تهديد لن يلقى صدى في الجانب الآخر، ويثبت له مدى ومنسوب الارتداع الاسرائيلي المحقق.
تهديد "اسرائيل" باجتياح القطاع، من جديد، وبعد ان امتنعت قهراً عن الدخول اليه خلال العملية العسكرية الاخيرة، يذكر بالايام التي اعقبت الحرب على لبنان عام 2006. في حينه، حددت تل ابيب، وبشكل قاطع، انها لن تسمح بإعادة ترميم قدرات حزب الله العسكرية، وعدّت ذلك خطاً احمر، يوجب ويتيح لها ان تتحرك عسكرياً للحؤول دونه. الآن، وبعد ايام على عملية "عمود السحاب"، تعيد تل ابيب المشهد مع غزة، مع التأكيد انها لن تتوانى عن اجتياح القطاع، اذا استأنفت حماس تسلحها من جديد.
سبب تهديد وتلويح "اسرائيل" بفعل قصرت عنه، خلال العملية الاخيرة، لا يشير الى جرعة شجاعة متأخرة، فالحال على حالها، وتأكيد مصدر اسرائيلي رفيع على ان "اقمار التجسس الاسرائيلية رصدت شحنة صواريخ من طراز فجر، متجهة من ايران الى غزة"، والتهديد بتدميرها، قد يكون موجهاً الى ضامني اتفاق وقف اطلاق النار المعلن عنه اخيراً، وتذكيرهم بضرورة التقيد بالموجبات الملقاة على عاتقهم، جراء هذه الضمانة، مع ترجمة ذلك الى فعل مبادر اليه، للحؤول دون إعادة تسلح فصائل المقاومة في قطاع غزة.
المقدر ان يتواصل مسلسل التهديدات الاسرائيلية لغزة، تماماً كما حصل ويحصل في المواجهة الباردة، المستمرة منذ سنوات، مع لبنان، بدءاً من التهديد على خلفية منع اعادة ترميم القدرات العسكرية، مروراً بأسلحة "كاسرة للتوازن"، على انواعها المختلفة، وصولاً الى التزود بأسلحة غير تقليدية، لم تستثن الا السلاح النووي.
في كل حلقة من حلقات مسلسل التهديد، تحدد تل ابيب خطوطاً حمراء، لن تسمح بتجاوزها، ومع تجاوزها، تحدد خطوطاً حمراء اخرى. هذا ما حصل ويحصل مع لبنان، وهذا ما سيحصل مع غزة.
صحيح ان نتيجة العدوان الاسرائيلي الاخير على القطاع، والصورة "غير السوية" التي خرجت بها تل ابيب، توجب العمل على اعادة ترميم مستوى الردع وإفهام الفلسطينيين، ومن خلالهم حزب الله، أن التردد في اتخاذ قرارات عدائية ساحقة لن يتكرر، الا انه في نفس الوقت، كانت نتيجة العدوان فرصة للكشف من جديد عن حدود القدرة العسكرية، وانه لا يمكن التعويل عليها كثيراً في تحقيق كل نتيجة مطلوبة تجاه قطاع غزة، وبشكل آكد تجاه لبنان.
برزت جملة من التصريحات والمواقف الاسرائيلية المحذرة، والداعية الى وجوب التعاطي مع التهديد الصاروخي، سواء من غزة ام من لبنان، بطريقة مغايرة تماماً للتعاطي الاسرائيلي التقليدي. طالب عدد من المعلقين الاسرائيليين بضرورة التواضع في توقع النتائج، مع اعداء "دون مستوى دولة"، مثل الفصائل الفلسطينية في القطاع، او حزب الله في لبنان. ولا يعود ذلك الى فقدان "اسرائيل" للارادة، بل لأن توقع نتائج حاسمة مع هذا النوع من الاعداء هو توقع في غير محله، مهما كانت القدرات المادية متاحة لـ"اسرائيل".
نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية، موشيه يعلون، اكد خلال المواجهة الاخيرة، على استحالة ازالة هذه الفئة من الاعداء، وقال في حديث للقناة الثانية العبرية 16/11/2012 ان "التوقع بالقدرة على تدمير حماس، هو تماماً كما التوقع بالقدرة على تدمير حزب الله، فحزب الله تنظيم موجود في قلوب الناس، ولا يمكن اخراجه منها، لذلك يجب وضع اهداف واقعية، وممكن تحقيقها".
وفيما يخص لبنان ايضاً، وربما هي المرة الاولى، أكد وزير شؤون الاستخبارات، دان مريدور، بما لديه من معطيات بموجب منصبه، ان "ترسانة حزب الله الصاروخية باتت 100 الف صاروخ"، قياساً بالترسانة الصاروخية للفصائل الفلسطينية في القطاع، والتي تبلغ، بحسب مريدور، عشرة الاف صاروخ. دعا الوزير الاسرائيلي، ايضاً، الى ضرورة تواضع التوقعات، من اي مقاربة عسكرية في مواجهة هذا النوع من اعداء اسرائيل: التنظيمات المسلحة "ما دون دولة".
واذا كانت "اسرائيل"، بقدراتها وإمكاناتها، تُسلّم بأنها عاجزة عن تدمير حزب الله، فالاولى ببعض الجهات في لبنان، التي لا تملك بداهة قدرات وإمكانات "اسرائيل"، ان تتواضع قليلاً، وان تضع لنفسها اهدافاً واقعية، قابلة للتحقيق.