ارشيف من :آراء وتحليلات

"دولة فلسطينية" من غير فلسطين!!

"دولة فلسطينية" من غير فلسطين!!
"كان موقف إسرائيل على الدوام أنه لا يمكن اعتبار مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة من الأراضي المحتلة بموجب القانون الدولي"
من مذكرة لوزارة خارجية الكيان الصهيوني

فلسطين كرسي في الأمم المتحدة، بدل عن ضائع، أو تعويض عن حقٍ ما انفك مهدوراً طوال ستة عقود ونيف. فجأةً تتفتق أريحية العالم على قرار يمنح فلسطين صفة "دولة مراقبة غير عضو في هيئة الأمم المتحدة". " السلطة" في الضفة الغربية استمرأت (المنحة) فحولتها إلى كرنفال للرقص، وكأن في الأمر فتحاً، في حين أن ما حصل ينضم إلى مسيرة مُجرَّبة من "أوسلو" إلى يومنا وخلاصته: وأد القضية.
من الواضح أن هذا الغرب العرَّاب لـ"إسرائيل" المتواطئ على الحق الفلسطيني، قد بدأ مسيرة تصفية القضية عملياً بترويض معظم القيادات العربية ـ والفلسطينية منها بشكل خاص ـ على التنازل عما كان من الثوابت قبل عقد أو اثنين، بدءاً من القبول بالكيان الصهيوني ثم الاعتراف به، وحتى شطب "الكفاح المسلح" من ميثاق منظمة التحرير، وصولاً إلى المفاوضات العبثية، وحيث قمة الترويض تعبر عنها المقولة الإرشادية لأبو مازن: "لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات نفسها"!!. أوراق مجانية تقدم لـ "إسرائيل"؛ والحصيلة 100 مستوطنة صهيونية اضافية أُنشئت منذ اتفاقية أوسلو!!. فيما يعلنها صراحةً "يارون ازراحي" المحاضر في العلوم السياسية في الجامعة العبرية بقوله: "إن اسرائيل استثمرت المفاوضات للتغطية على تسمين المستوطنات"!.

"دولة فلسطينية" من غير فلسطين!!

ومع هذا الترويض على مستوى القيادات أصبح ما هو شكلي هدفاً فلسطينياً ثميناً: كرسي بلا عضوية
في الأمم المتحدة!!؛ فيما المضمون يظل وكما أرادته "اسرائيل": إطلاق يدها في مصادرة مزيد من الأراضي وفق عملية ممنهجة لقضم الضفة الغربية ـ أي ما تبقى من فلسطين! ـ بمزيد من المستوطنات والمستوطنين. وهذه هي الأرقام تشي بالحقائق من غير لبس ولا سيما أن مصدر البعض منها يأتي من"إسرائيل " نفسها:

جاء في تقرير لحركة "السلام الآن" أن هناك" 220 مستوطنة في الضفة الغربية يبلغ مجمل سكانها 550 الفاً منهم 119 الفا في القدس"، وهؤلاء يشكلون 10% من سكان الضفة. وجاء في التقرير أن هذه المستوطنات "مُقامة على 520 الف دونم، أي ما يعادل 9.3 % من مساحة الضفة". غير أن المستوطنات تسيطر عملياً على حوالي 60% من مساحة أراضٍ كلها موثَّقة لدى "مركز أبحاث الأراضي" التابع لجمعية الدراسات العربية في فلسطين. كما ولفت المركز إلى أن الاحتلال يخطط لمد سكة حديد بطول (456 كم)،للربط بين المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية ما سيترتب عليه "مصادرة حوالي 30 ألف دونم ومنع استخدام حوالي 70 ألف دونم أخرى من أراضي الضفة".

بموازاة ما سبق يتبع الاحتلال سياسة التضييق وضرب البنية الإقتصادية لدفع السكان إلى الهجرة.من هذه هدم البيوت أو إخلاؤها بالقوة، هدم حظائر مواشٍ، محلات تجارية، حرق أو قطع أشجار من بينها 3000 شجرة زيتون 70% منها من النوع المعمر. وفضلاً عن ذلك يأتي وضع اليد على مصادر المياه، أبرزها "مياه حوض نهر الأردن" في مخالفة صريحة للقوانين الدولية ما ترتب عنه فيما ترتب انخفاض مساحات الأراضي المروية في الضفة بنسبة تقارب 50%. تجدر الإشارة إلى أن كل ما سبق أو سواه موثق بتفاصيله لدى "مركز أبحاث الأرض" الآنف الذكر.

أما عن التوزع الجغرافي لهذه المستوطنات، فيشير الخبراء العسكريون الى أنه جاء وفقاً لخطة مدروسة تتحول فيها التجمعات السكانية الفلسطينية مع السنين إلى "جيوب صغيرة وسط المحيط الإسرائيلي المتمثل في المستوطنين". ويلحظ تقرير بهذا الخصوص "أن توزيع هذه المستوطنات يميل إلى الانتشار مع التمركز في مواقع حساسة خصوصاً بالقرب من التجمعات السكانية الفلسطينية الكبيرة". متوخياً تحقيق ثلاثة أهداف:
الهدف الأول: خلق حاجز لمنع التواصل الجغرافي بين الفلسطينيين وعمقهم العربي. وهذا توفره مجموعة "المحور الشرقي" من المستوطنات المُقامة على كامل امتداد الغور أو ما يُعرف: "خط ألون".

"دولة فلسطينية" من غير فلسطين!!

الهدف الثاني: تجزئة الأراضي الفلسطينية وإعاقة التواصل الجغرافي فيما بين مدن الضفة وقراها. وهذا يتم بواسطة سلسلة مستعمرات "المحورالوسطي" ـ أو محور أرئيل ـ والذي يبدأ من بلدة كفر قاسم ـ القريبة من"خط الهدنة" غرباً ـ ويتجه إلى الشرق مخترقاً منطقة سلفيت ليتقاطع مع الطريق الرئيسي رام الله ـ نابلس بالقرب من بلدة زعترة، ثم يواصل امتداده شرقاً ليلتقي مع الطريق الرئيسي في منطقة الغور مخترقاً مدينة أريحا. وقد كثفت "إسرائيل" من مستوطناتها على طول هذا المحور الذي يضم كُبرى المستوطنات الاسرائيلية في الضفة: "أرئيل".
الهدف الثالث: خلق حاجز سكاني فاصل بين فلسطينيي الضفة وامتدادهم مع اخوانهم من عرب فلسطين المحتلة عام 48. وهذا عبر سلسلة مستعمرات "المحور الغربي" التي تصل إلى 35 مستعمرة رئيسية غير تلك المنتشرة حول القدس.

بناءً على ما سبق من حقائق، فإن وقائع الأرض تشي بأن الضفة الغربية اقتربت من الذوبان لا سيما إذا ما حققت "اسرائيل" مخططها الهادف إلى استيعاب مليون مستوطن صهيوني لمرحلة الأربع سنوات القادمة. والحقيقة أن هذا يبدو ممكناً مع تلك السلطة الفلسطينية في "رام الله" وحيث سقفها السياسي: "لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات نفسها"!! وانسجاماً معه (الواقع) قامت السلطة المذكورة بدورها على أكمل وجه بمحاصرة أي خيار آخر!! فيما الواقع يُظهر بوضوح لمن يرغب! بأن تلك المستوطنات بقدر ما تشكل من سلاح بيد "اسرائيل" فإنها يمكن بسهولة أن تنقلب عبئاً عليها، إذا ما أصبحت هدفاً للقذائف الفلسطينية هذا إذا اعتُمدت المواجهة خياراً بديلاً. ولعل ملاحم البطولة في غزة قد كشفت عن مدى هشاشة الكيان الصهيوني وبالتالي امكانية الانتصار عليه، على قاعدة: "الشجاعة صبر ساعة"!.. هذه لوحدها كفيلة بأن تضع بيد "سلطة رام الله" أكثر الأوراق ربحاً حتى ولو اعتمدت التفاوض طريقاً لتنتزع الضفة الغربية من براثن الاحتلال!.

لا شك بأن ما حدث قبل أسابيع في غزة قد أحرج القيادة الفلسطينية أمام شعبها. وكشف بؤس خيار التفاوض الأعزل من السلاح. لذلك جاء إفساح المجال للإنجاز الشكلي في الأمم المتحدة بموافقة ضمنية من الغرب من قبيل التعويض المعنوي عن الماء المهروق فوق وجه السلطة في"رام الله" على مدى الأعوام المنصرمة. نوع من المكياج لتجميل خيارها بوصفة خياراً مجدياً!!. لكن هيهات!! فحتى هذا التعويض الشكلي الذي لا يقدّم ولا يؤخر لم يتقبله المجتمع الصهيوني وقد اعتاد أن يرى أمامه سلطة خانعة مستجدية. لذك سارع نتنياهو وهو على أبواب الانتخابات إلى إسترضاء هذا المجتمع بالاعلان عن بناء 3000 وحدة سكنية في الضفة، وهو يعرف بأن تداعيات هذا (التمرد) لن تتعدى الشكل، حيث سيعوض الغرب الصفعة على وجه عباس وسلطته بتصريحاتٍ شاجبة لقرار نتنياهو وحسب. فلقد أخذ كل طرفٍ من الغرب حصته التي رضي بها؛ للسلطة مقر في رام الله، وحرس للتشريفات !!ولـ " إسرائيل" أرض فلسـطين، والقدس!!.
* (كاتب من لبنان)
2012-12-07