ارشيف من :آراء وتحليلات

اربعة اسباب تمنع حل الازمة بين أربيل وبغداد

اربعة اسباب تمنع حل الازمة بين أربيل وبغداد
يوماً بعد آخر تترسخ الرؤية القائلة بتضاؤل ـ او انعدام ـ فرص احتواء الأزمة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان في العراق، فمؤشرات ومصاديق التصعيد هيمنت كثيراً على مؤشرات ومصاديق التهدئة والتسكين.

واذا كان طرفا الأزمة الى وقت قريب يتحدثان عبر قنواتهما الرسمية وغير الرسمية عن مساع وتوجهات ومحاولات للخروج من المأزق، باتا اليوم يؤكدان أن الأمور بلغت نقطة اللاعودة، فالبيانات والتصريحات الرسمية لهما تقول ذلك، والخطاب الاعلامي المتشنج الى أبعد الحدود عبر وسائلهما الاعلامية المرئية والمقروءة والالكترونية، وتحشيد وتعبئة الشارع في كلا الاتجاهين تذهب بذات الاتجاه والمنحى.

وبصرف النظر عما اذا كان التصعيد المتواصل سوف يؤدي الى المواجهة المسلحة الشاملة بين الطرفين أم لا، فإن القول بانحسار فرص الحل يعود لاسباب عدة، يمكن ان نشير الى أربعة منها تعد رئيسية:
اربعة اسباب تمنع حل الازمة بين أربيل وبغداد- انهيار الثقة بين الطرفين وعلى أعلى المستويات، متمثلة برئيس الوزراء وزعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، وليس أدل على ذلك من الاتهامات الصريحة والمباشرة سواء على لسانيهما ام من خلال المقربين اليهما. ففي بيان رسمي للمالكي مؤخراً اعتبر "ان تطور الأحداث الجارية في المناطق المختلطة وطبيعة التصريحات الصادرة عن المسؤولين في الاقليم لا تنم عن نية حسنة ورغبة حقيقية في حل المشاكل عن طريق الحوار".

وفي بيان شبه رسمي لـ"ائتلاف دولة القانون" صدر قبل يومين نجد حزمة من الاتهامات للبارزاني حيث يشير البيان الى "ان البارزاني خرق الدستور وكل القوانين العراقية حين آوى طارق الهاشمي المجرم المطلوب بالارهاب وكان سبباً في هروبه الى تركيا وبعدها قام بتوفير ملجأ آمن للمسلحين السوريين في الاقليم وسعى في كل سفراته الى اظهار الحكومة المركزية ورئيس الوزراء نوري المالكي في موقف العدو المهدد لسلامة الاقليم بغية عرقلة اي صفقة سلاح في محاولة لابقاء الجيش العراقي ضعيفاً مقابل توفير الاسلحة المتطورة للميليشيات الكردية في الاقليم والمناطق المتنازع عليها".

اما اقليم كردستان، وتحديداً قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني فتقول "ان المالكي يحرض على الصراع القومي بين العرب والأكراد، وهو اول رئيس وزراء في العراق يعد الجيش للحرب والاقتتال الداخلي"، وهذا ما ادلى به رئيس حكومة الاقليم والرجل الثاني في الحزب الديمقراطي نيجرفان البارزاني خلال كلمة له في مراسم افتتاح مؤتمر للطاقة عقد قبل عدة ايام في مدينة اربيل. وبنفس المعنى والمضمون تحدث رئيس الاقليم مسعود البارزاني مؤخراً لصحيفة الزمان اللندنية ولوسائل اعلام اخرى.

وما يعزز الاعتقاد بانهيار الثقة استمرار تدفق الحشود العسكرية من قبل كلا الطرفين الى المناطق المتنازع عليها، والتي اصبح الاكراد يسمونها "المناطق المقتطعة من الاقليم"، بينما الحكومة الاتحادية تطلق عليها "المناطق المختلطة".

اربعة اسباب تمنع حل الازمة بين أربيل وبغداد

- السبب الآخر يتمثل في حدوث استقطابات حادة واصطفافات جديدة، لا يمكن ان تساهم في التهدئة والحل، فبعدما كان المشهد الكردي يعاني من تشظيات واختلافات في التوجهات والمواقف جعلت البعض يطرح قراءات تشاؤمية لمآلاته ونتائجه، حصل توحد وانسجام بين مختلف الفرقاء، فالطالباني الذي كان - وحزبه - متعاطفاً مع المالكي وقريباً منه اصطف مع البارزاني، وكذلك الامر بالنسبة لحركة التغيير الكردية بزعامة نوشيروان مصطفى والحركة الاسلامية والاتحاد الاسلامي الكردستاني، واليوم فقد اصبح ما يقوله البارزاني معبراً عن عموم الموقف والتوجه الكردي. اضف الى ذلك فإن هناك عناوين سياسية وعشائرية تركمانية في كركوك ومناطق اخرى تبنت مواقف مؤيدة للاقليم.

في مقابل ذلك فإن المالكي استطاع ان يستقطب لخطابه ومواقفه قوى ومكونات سياسية واجتماعية من خارج كتلته البرلمانية وفضائه الحزبي، راحت تشجعه وتحفزه على المزيد من التشدد واتخاذ خطوات حازمة ضد الاكراد الذين ترى اوساط ومحافل عربية وغير عربية عديدة ان مطاليبهم لا سقف لها ومطامعهم لا حدود لها.

هذا الاستقطاب الحاد والخطير لا يمكن له الا ان يدفع الجميع نحو الحافات الخطرة والنقاط الحرجة، وحينما تدخل الاغراءات المادية على الخط من الطبيعي ان تنحو الأمور منحى أكثر خطورة، فالمال الى جانب تدفقه لتأمين الظروف والامكانيات العسكرية والوجيستية المطلوبة، فإنه راح يتدفق لكسب المزيد من المؤيدين والداعمين سياسياً واعلامياً وجماهيرياً.

- ان تدخل اطراف خارجية ودخولها على الخط ليس من أجل الحل وانما لدعم أحد طرفي الأزمة لاضعاف الطرف الآخر، ما يعني اضعافاً لفاعلية وتأثير جهود الاطراف الساعية الى البحث عن حلول سلمية ومعالجات واقعية بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، وهذا ما هو حاصل بالفعل، لا سيما وان تفاعلات الاحداث في العراق والصراعات بين قواه وشخصياته السياسية اقحمت او انه يراد اقحامها مع ما يجري في بعض الدول في المحيط الاقليمي مثل سوريا.

اربعة اسباب تمنع حل الازمة بين أربيل وبغداد

وبما ان الحكومة العراقية تبنت مواقف بدت وكأنها مساندة للنظام السوري ومنسجمة مع المواقف الايرانية، فإن اطرافاً اقليمية ودولية راحت تحرض وتؤلب وتدعم خصومها ـ اي خصوم الحكومة ـ من اجل اضعافها. وربما تبدو التسريبات السياسية والاعلامية عن دخول انقرة والدوحة على خط الازمة بين بغداد واربيل فيها شيء من الواقعية والمنطق، واغلب الظن انه كلما تعمقت الازمة في سوريا واتجهت الى الحافات الخطيرة، زادت حدة الاستقطابات السياسية في العراق بفعل العوامل والمؤثرات الخارجية.

- السبب الآخر في انحسار او انعدام فرص الحل هو ان الازمة الاخيرة لم تكن الاولى من نوعها، وانها في الواقع نتاج عدة ازمات امتدت وتراكمت على مدى الاعوام العشرة الماضية، ناهيك عن ان جذور بعضها تعود الى عقود سابقة، فأزمة "تشكيل قيادة عمليات دجلة"، كانت امتداداً لازمة تطبيق المادة 140 من الدستور التي تعود الى المادة 58 من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وامتداداً لأزمة حصة اقليم كردستان من الموازنة المالية الاتحادية السنوية، وتخصيصات قوات البيشمركة الكردية، وأزمة العقود النفطية المبرمة من قبل حكومة الاقليم مع الشركات الاجنبية، وازمة عوائد الاقليم المالية من الرسوم الكمركية والضرائب وغيرها من الموارد التي تعتبر موارد اتحادية، ناهيك عن المشاكل والازمات التفصيلية التي تعود الى التباين في وجهات النظر بشأن ادارة الدولة ورسم سياساتها وتحديد اولوياتها.

الازمة الاخيرة هي في واقع الامر نتيجة أكثر مما هي سبب، وخاتمة ـ سلبية او ايجابية ـ اكثر مما هي مقدمة، وعنوان واسع وشامل تقع ضمن اطاره مجمل الازمات والاشكاليات الاخرى، وحتى لو نزع فتيلها فإن ذلك لن يفضي الى نزع فتيل غيرها، وفي حال تحقق ذلك فإنه لن يكون الا لوقت قصير، والأسباب هي ذاتها التي أوردناها انفاً.
2012-12-07