ارشيف من :آراء وتحليلات

هدوء السلاح الكيميائي في سوريا... المعارضة المسلحة خذلت الأميركيين

هدوء السلاح الكيميائي في سوريا... المعارضة المسلحة خذلت الأميركيين
يفترض أن التهديدات والتحذيرات الصادرة من كل حدب وصوب، ضد النظام في سوريا، على خلفية إمكان استخدامه للسلاح الكيميائي، قد انتهت ووصلت الى مقاصدها. مع ذلك، الموجات الارتدادية للتهديدات ما زالت قائمة، وتُعد مادة خصبة لاطلاق مزيد من التحليلات، وتحديداً حول احتمالات جديدة للتدخل الخارجي في سوريا، الامر الذي يعطي قوى 14 آذار دفعة امل بحلة جديدة، عن قرب سقوط النظام السوري، والنتائج الطيبة التي سيتلقونها في لبنان، بناءً على سقوطه.
لا يعني ذلك ان توجيه ضربة عسكرية لمنشآت ومستودعات السلاح غير التقليدي في سوريا، باتت منتفية، الا ان اصل الاهداف الكامنة وراء التهديدات المساقة اخيراً تحققت بالفعل.

الدوافع وراء التهديدات، "الاسرائيلية" والاميركية والغربية عموماً، كانت شبه واضحة في اللحظة التي أطلقت تل أبيب بداياتها، واتضحت اكثر في اعقابها. فالتقدير المتداول لدى الاستخبارات الغربية و"اسرائيل"، ان ضيق الخناق على النظام في سوريا، والاقتراب اكثر من سقوطه، من شأنه ان يدفع الرئيس بشار الاسد لاستخدام السلاح غير التقليدي، ضمن منطق "عليّ وعلى اعدائي". انطلاقاً من هذا التقدير، جرى التعامل مع الانباء التي سادت الاعلام في الاسبوعين الاخيرين، حول المعارك الدائرة بالقرب من العاصمة السورية ومطارها، والتي كادت ان تعلن ان النظام قد سقط بالفعل. فاذا كان الاسد سيسقط، بحسب الفهم الغربي والاسرائيلي، فالمعقولية مرتفعة لان يقدم على ما من شأنه حرق المشهد السوري بما ومن فيه، على ان لا يقتصر الحريق على سوريا وحدها.

الا ان انباء نهاية الاسبوعين الاخيرين اظهرت أن نتيجة المعارك الاخيرة لا تنبئ بسقوط الاسد، بل تشير، وربما بوضوح اكثر، الى ان زمام السيطرة الميدانية والمناورة ما زال موجوداً بالفعل في ايدي النظام. ومع تقلص منسوب الخطر على النظام، في هذه المرحلة، تنتفي بموجبه هواجس استخدام سلاح، يخشاه الجميع، وبالتالي تنتفي مسوغات التهديدات بالتدخل العسكري الخارجي، خاصة ان اصل هذا التدخل لم يكن وارداً، بل ولا يريده احد، حتى الان.هدوء السلاح الكيميائي في سوريا... المعارضة المسلحة خذلت الأميركيين
مع ذلك، اصل الزوبعة التهديدية، التي رافقت التحذير من السلاح الكيميائي، كانت كافية، كي تشكل ذريعة للتدخل، لو كانت الارادة الخارجية سائرة باتجاهه، سواء صح الحديث عن تحرك كيميائي سوري ام لم يصح. واحدى اهم النتائج التي ظهرت في اعقاب "الزوبعة" إعادة التأكيد على ان الخيار العسكري الخارجي ما زال مستبعداً.

نصيب لبنان من التهديدات الاخيرة كان محفوظاً. تكفلت به "اسرائيل"، وهي التي تتكفل بمثل هذه التهديدات، حتى من دون مناسبة، كيميائية او غير كيميائية. اذ حرصت المؤسسة العسكرية "الاسرائيلية" على ان تسرب للمراسلين والمعلقين العسكريين والسياسيين، ان الخطر الكيميائي السوري، من جهة تل أبيب، لا يتعلق بإمكان استخدامه في الداخل السوري وحسب، بل يتركز في اتجاهين اثنين آخرين، وكافيين بأن يدفعاها للتحرك عسكرياً: نية استخدامه باتجاه "اسرائيل" نفسها؛ وإمكان انزلاقه الى جهات معادية، وفي المقدمة حزب الله.
هذا ما حرص على تأكيده رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي اثنى على تهديدات الرئيس الاميركي باراك اوباما، وتحذيره من مغبة استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، اذ قال: "اسرائيل تتابع عن كثب آخر التطورات في سوريا، حيال مستودعات السلاح (الكيميائي)، وقد سمعت التصريحات التي أدلى بها الرئيس أوباما، وهي تصريحات مهمة، اذ من غير المسموح استخدام هذا السلاح، ومن غير المسموح أيضًا وصوله إلى جهات إرهابية"، المصطلح الذي يعني وصوله الى ايدي حزب الله في لبنان.

لكن هل كانت الاوضاع الميدانية في سوريا قد وصلت بالفعل الى الحد الذي يدفع الرئيس الاميركي كي يقف مهدداً ويلوح بعملية عسكرية ضد سوريا؟ اذا كانت الاجابة نعم، فهذا يعني ان الغربيين، والاميركيين تحديداً، يواصلون الوقوع في اخطاء استخبارية وسوء فهم للواقع الميداني، على غرار الاخطاء التي وقعوا فيها طوال العامين الماضيين، والتي ادت الى اعلان قرب سقوط النظام، اكثر من مرة، من دون ان يحدث ذلك.

اما اذا كانت الاجابة لا، فإن الامور تتجه الى سياقات اخرى، قد تكون مرتبطة بـ"إسرائيل" نفسها، ومحاولة من واشنطن لازاحة تل ابيب عن الواجهة، والتصدي بنفسها للهواجس والاخطار، التي تعلن تل ابيب عنها، وتحديداً ما يتعلق باستخدام السلاح الكيميائي او تهريبه لأيد معادية لـ"اسرائيل"، ومنها لبنان. يعني هذا التصدي ان الاميركيين سلبوا من تل ابيب امكان الدخول على خط المواجهة المباشرة مع النظام في سوريا، من خلال توجيه ضربات جوية لمستودعات الاسلحة غير التقليدية، ما قد يؤدي بدوره الى تداعيات سلبية على اصل المواجهة القائمة مع النظام، والتي يريدها الغرب حتى الان، ان تكون غير مباشرة، من دون أي تدخل عسكري خارجي.

اللافت ان الاميركيين استعاروا من "الاسرائيليين" المقاربة المعتمدة من قبلهم، في مواجهة الملف النووي الايراني: الحديث المفرط عن عملية عسكرية، بما يشمل تفاصيلها وأدواتها وتوقيتها والدول المشاركة فيها، بل جرى الحديث عن انواع الاسلحة التي سوف تستخدم ومدة التدخل وكيفية الحصول على "الشرعية الدولية".. وغيرها.

التهديد انتهى. مع ذلك، لا يمكن القول انه بات منتفياً، فحراك الساحة السورية وتفاعلاتها وتقلباتها غير قابلة للتقدير المسبق، وتوجد ضبابية وعدم يقين لليوم الذي يلي اي حادثة او واقعة. هل يعيد الغرب و"اسرائيل" الخطأ بالتقديرات؟ الامر وارد.. لكن الى الان يمكن القول، نتيجة التهديدات الاخيرة، ان لا نية غربية في التدخل العسكري المباشر في سوريا، وهي نتيجة كان البعض يراها معاكسة.
2012-12-10