ارشيف من :ترجمات ودراسات
تقويم التعاون الأميركي والأوروبي لمكافحة "الإرهاب"
إعداد: علي شهاب
مايكل جاكوبسون(*)
في نيسان/ أبريل 2009، أصدرت كل من وزارة الخارجية الأميركية والاتحاد الأوروبي تقريرهما السنوي عن الإرهاب، رسما فيهما صورة مختلفة عن الجهود الدولية التي تُبذل في مجال مكافحته.
وفقاً لتقريري وزارة الخارجية الأميركية والـ"يوروبول" (جهاز تنفيذ القانون في الاتحاد الأوروبي) ينبع الخطر الإرهابي الكبير على الدول الغربية من المناطق القبلية في باكستان وأفغانستان حيث تختفي قيادة «القاعدة» بأمان. وتظهر الأرقام الصادرة عن "المركز القومي لمكافحة الارهاب"، كما جاءت في تقرير وزارة الخارجية، عن نمو خطر الإرهاب داخل باكستان بصورة ملحوظة. ففي عام 2008، وقعت على الأقل 1839 حادثة إرهابية في باكستان قتل خلالها 2293 شخصاً، بزيادة كبيرة عن عام 2007.
الموضوع الذي يمكن أن يكون أكثر مدعاة للقلق هو توسيع الهجمات إلى ما وراء «المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية» (FATA) "فاتا"، وإلى أماكن أخرى من باكستان. وفي حين ارتفعت الهجمات في مناطق "فاتا" من 61 إلى 321 حادثا، ارتفعت الحوادث التي وقعت في «الإقليم الحدودي الشمالي الغربي» من باكستان من 28 إلى 870 حادثا.
ووفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأميركية، تستمر جماعة أسامة بن لادن "في التقهقر من الناحية الهيكلية وعلى ساحة الرأي العام العالمي على حد سواء". وقد كرر ذلك الأدميرال دينيس بلير، مدير الاستخبارات القومية الأميركية، في تعليقاته خلال شهادته أمام الكونغرس في شباط/ فبراير. فقد أشار الأدميرال بلير بأن "تنظيم «القاعدة» فقد، في عام 2008، عناصر مهمة من هيكل قيادته، في سلسلة من الضربات التي أضرت المجموعة بقدر ما أضرتها أي ضربة أخرى منذ سقوط نظام طالبان في أواخر عام 2001". وقد تم أيضاً إضعاف بعض المجموعات التابعة لتنظيم «القاعدة» التي أصيبت بالضرر، وفقاً لما ذكرته تقارير وزارة الخارجية الأميركية والاتحاد الأوروبي.
كما أن تنظيم «القاعدة في العراق» تضرر بشكل خاص بسبب الجهود التي بذلت للحد من عملياته، ويشكل اليوم خطراً أقل بكثير من السابق. كما تم إضعاف قدرات «الجماعة الإسلامية» في اندونيسيا بصورة ملحوظة، من خلال نجاح حملة مكافحة الإرهاب التي تقوم بها اندونيسيا، حيث مقر المنظمة.
ومع ذلك، يوضح كلا التقريرين، بأنه لم يتم إضعاف كل المجموعات التابعة لتنظيم «القاعدة». ففي الصومال، على سبيل المثال، "اكتسحت حركة «الشباب» - منظمة لها صلات بتنظيم «القاعدة» - أجزاء من البلاد، وخلقت ملاذاً آمناً لعدد من عناصر «القاعدة». ولا يزال تنظيم «القاعدة في اليمن» يشكل تهديداً، حيث تمكن من إطلاق العديد من الهجمات في العام الماضي، بسبب افتقار الحكومة إلى الإرادة السياسية والقدرة على اتخاذ إجراءات صارمة على نحو فعال ضد المنظمة. كما أصبح تنظيم «القاعدة في المغرب الاسلامي» أكثر خطورة منذ اندماجه مع تنظيم «القاعدة» "المركزي" في عام 2006.
وعلى سبيل المثال، ووفقاً لتقرير الاتحاد الأوروبي، شن تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» هجمات انتحارية في عام 2008 في الجزائر، أكثر مما قام به في العام الذي سبقه.
التطور
من الصعب تقويم التقدم الإجمالي المحرز في مجال مكافحة خطر الإرهاب الدولي بسبب استمراره في التغير؛ ويحدث ذلك في كثير من الأحيان استجابة لجهود الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وفي الوقت الذي تحرز فيه واشنطن وحلفاؤها تقدما في مجال معين، فإنها تتراجع في مجالات أخرى. فعلى سبيل المثال، مع تحسن الوضع في العراق، وضعف تنظيم «القاعدة في العراق»، بدأ الكثير من الجهاديين المحتملين يفضل الذهاب إلى أماكن أخرى. ويشير تقرير الاتحاد الأوروبي الى أن أفغانستان وباكستان حلتا الآن محل العراق كالوجهات المفضلة للجهاديين المحتملين، بما فيهم الأوروبيون. كما تشكل المملكة العربية السعودية مثالاً آخر. ففي حين اتخذ السعوديون - على مدى السنوات العديدة الماضية - خطوات جريئة لقهر شبكات تنظيم «القاعدة» في المملكة، تواجه السعودية الآن تهديداً خطيراً من الخلايا العاملة خارج اليمن.
كما أن طريقة تجنيد الإرهابيين قد تغيرت أيضاً؛ ويعزى ذلك في المقام الأول بسبب سعي الجماعات الإرهابية إلى تجنب اكتشافها من قبل جماعات تنفيذ القانون ووكالات الاستخبارات. ووفقاً لتقرير الاتحاد الأوروبي، لم تعد الجماعات الإرهابية والمتطرفة، بصفة عامة، تستخدم المساجد مكاناً لتجنيد أعضاء جدد. ومنذ أن اضطرت جهود التجنيد إلى اتباع وسائل سرية لم يعد الأئمة المتشددون - والكثير منهم معروفون لدى الحكومات - يلعبون دوراً كبيراً. وبدلاً من ذلك، يقوم "نشطاء" آخرون بتكثيف جهودهم لبث رسالة الجهاديين واستقطاب مجندين جدد، أمثال محمد صديق خان زعيم العصابة الذي قام بتجنيد وتدريب الخلية المسؤولة عن تفجيرات قطارات أنفاق لندن في تموز/ يوليو 2005. وتستفيد الجماعات الإرهابية أيضاً بصورة متزايدة من الانترنت وتعمل على زيادة هذه الجهود، لأن التجنيد وجهاً لوجه هو أكثر عرضة لخطر الفضح.
كما تشير التقارير إلى اتجاه يبعث على القلق: فقد تمكنت الجماعات الجهادية العالمية من توسيع نطاق مجموعاتها من الانتحاريين المحتملين، كما أن موضوع ازدياد استخدام المرأة في التفجيرات الانتحارية، تم توثيقه بصورة جيدة. ولكن من ناحية أخرى يمكن أن يكون هناك تطور آخر أكثر إثارة للقلق - من منظور الأمن القومي - وهو الزيادة في الهجمات الانتحارية من قبل مجندين من الدول الغربية. ففي عام 2008، قام أول انتحاري ألماني المولد بشن هجمات في أفغانستان. وفيما يتعلق بمواطني الولايات المتحدة، فقد شارك مواطن أميركي من أصل صومالي في عملية انتحارية في تشرين الأول/أكتوبر 2008. ويبدو أنه دُفع إلى التطرف وتم تجنيده في منطقة مينيابوليس، فيما يَعتقد مكتب التحقيقات الفدرالي بأنها أول حالة لعملية انتحارية قام بها مواطن أميركي في أي مكان. وجاء في تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي، "كانت هناك محاولة متعمدة ونشطة"، في مينيابوليس، "لتجنيد أفراد -- كلهم من الشبان، وبعضهم في أواخر سنوات المراهقة - للسفر إلى الصومال للقتال أو التدريب كممثلين من قبل حركة «الشباب»".
من المرجح أن يستمر التهديد الذي تمثله الجماعات الجهادية العالمية في التطور بسرعة في السنوات المقبلة. ففي تقرير الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب الذي صدر في المملكة المتحدة في آذار/ مارس 2009، يتوقع البريطانيون بأنه في غضون ثلاث سنوات سيكون التهديد مختلفاً جداً عما هو الآن، ومن المرجح أن يتجزأ تنظيم «القاعدة» وربما لا يبقى في شكله الحالي، حسب وجهة نظر المملكة المتحدة. وبدلاً من ذلك، من المحتمل أن تصبح "مجموعات ذاتية المنشأ" التي هي أصغر حجماً وأقل عدداً، أقوى وأكثر بروزاً. وقد عرض الأدميرال بلير منظوراً يختلف قليلاً عن الطريقة التي يمكن أن يتطور معها الوضع، متكهناً بأن تنظيم «القاعدة» قد ينتقل إلى الخليج، أو أفريقيا، أو إلى أي مكان آخر في جنوب آسيا فيما إذا أزيل ملاذه الآمن في باكستان وأفغانستان.
السير على وتيرة واحدة
خلال رحلته إلى أوروبا في نيسان/أبريل الماضي، تحدث الرئيس الاميركي باراك أوباما عن الحاجة لتحسين العلاقات عبر الأطلسي وإقامة "حلول مشتركة لمشاكلنا المشتركة". وتشير دراسة التقارير التي أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية، والـ"يوروبول" الى أنه قد تكون هناك فرص أمام إدارة أوباما لتعزيز العلاقات مع أوروبا في مجال مكافحة الإرهاب، نظراً لما يبدو من تشابه وجهات نظر الولايات المتحدة وأوروبا تجاه التهديد الذي تمثله الجماعات الجهادية العالمية.
فعلى سبيل المثال، يشير تقرير الاتحاد الأوروبي الى أن باكستان وأفغانستان هي "الجبهة المركزية" في الحرب ضد تنظيم «القاعدة»، وهو شعور أعرب عنه أوباما في كثير من الأحيان. ويسلط كلا التقريرين الأضواء على اليمن والصومال والجزائر كـ"مناطق اهتمام ناشئة"، في حين تنظر كل من الولايات المتحدة وأوروبا إلى تنظيم «القاعدة في العراق» على أنه جماعة إرهابية آخذة بالانحدار بصورة حادة. ولعل الأهم من ذلك، يشعر الأميركيون والاوروبيون على حد سواء، بالقلق الشديد من الوضع داخل أوروبا نفسها، حتى وإن لم يحدث سوى هجوم إرهابي إسلامي واحد في أوروبا في عام 2008، وهو تفجير فاشل في إكسيتر، بريطانيا. ويوضح تقرير الاتحاد الاوروبي عن عدم تراجع التهديد داخل أوروبا، لافتاً الانتباه إلى عدد من المؤشرات الأخرى، مثل الاعتقالات، لكي يثبت أن مستوى التهديد لا يزال مرتفعاً.
قد تجد الولايات المتحدة أرضاً خصبة بصورة خاصة للتعاون مع الأوروبيين في ميدان مكافحة التطرف. فهناك عدد من البلدان الأوروبية، بما فيها المملكة المتحدة وهولندا، تقوم بوضع برامج واستراتيجيات لمكافحة التطرف، والتي يمكن أن يؤدي نجاحها وفعاليتها إلى ترك آثار مباشرة على الأمن القومي للولايات المتحدة. إن التوصل إلى فهم أفضل لعملية التطرف ـ وخاصة في مجال منعها أو حتى تحركها في الاتجاه المعاكس ـ سيكون محوراً رئيسياً لكل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. وفي ظل ما أُعلن مؤخراً عن قيام مواطن أميركي بالمشاركة في عملية انتحارية في الصومال، ربما تقدم الخبرة الاوروبية في هذا المجال دروساً حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة.
* مايكل جايكوبسون
باحث في برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن، وسبق أن شغل منصب مستشار كبير في مكتب الإرهاب والاستخبارات المالية التابع لوزارة الخزانة الأميركية.
الانتقاد/ العدد 1346 ـ 15 أيار/ مايو 2009