ارشيف من :مقاومة

"الاخبار": عملاء من حيث يحتسب الناس أو لا يحتسبون!

"الاخبار": عملاء من حيث يحتسب الناس أو لا يحتسبون!
صحيفة "الاخبار " - إبراهيم الأمين

تقترب إسرائيل من مرحلة حرجة في مواجهة القوى المقاومة لاحتلالها في فلسطين ولبنان. وقد يكون أكثر الدروس قوة هو المتصل بإعداد الجبهات الداخلية لخصومها، أمنياً وسياسياً، كي تكون ملائمة لأي عدوان تريده. وقد اشتهرت إسرائيل بأنها نجحت، خلال عقود تلت قيامها، بتحقيق نجاحات على هذا الصعيد. لكنّ الصورة بدت مختلفة بعض الشيء منذ ربع قرن. وربما يمكن التدقيق في مسائل تخص ساحة لبنان التي باتت تفرض على العدو سياقاً من العمل لا يشبه أي مكان آخر.

وإذا كانت إسرائيل تقوم بما يتناسب ومصلحتها، فهي بدأت منذ بضع سنوات برفع منسوب الحذر داخل مدنها ومجتمعها، وذلك بناءً على تقديرات ومعطيات تشير إلى إمكان اختراق الأعداء ساحتها الداخلية، وهي في مواجهة هذا الخطر، لا تقف على خاطر أحد، ولا تحتاج إلى خطب أو بيانات أو اتصالات أو تبريرات لأي خطوة تقوم بها، سواء كانت مصيبة أو من دون نتائج عملية، لكنها تتصرف على أساس أنها أمام معركة لا مزاح فيها. وهو الأمر الذي لم يقم عندنا بعد، برغم أن نتائج التجسس الإسرائيلي في لبنان كانت ولا تزال كارثية، وأودت بحياة الآلاف من المدنيين الأبرياء إلى جانب المقاومين.

وإذا كان نشاط أجهزة مكافحة التجسس الإسرائيلي في لبنان قد شهد حركة لافتة خلال الأسابيع الماضية، فإن الأمر لا يستوي على القدر نفسه الذي يقوم، لا في إسرائيل فقط، بل في أي دولة تقول بإجماع أهلها عن هذه الجهة أو تلك إنها العدو. ولذلك، فإنه لا بد من بضع أسئلة، عسى أن يعمل البعض على وضع الإجابات عنها، لأن ما هو مقبل على صعيد مكافحة التجسس الإسرائيلي قد يثير خيبات وصدمات تتجاوز ما هو متوقع، وخصوصاً أن الحرب لا تزال في بدايتها، وما انكشف حتى الآن بسبب «خطأ إسرائيلي» أو «نجاح في اختراق آلية عمله»، على حد تعبير مسؤول أمني، لا يمثّل إلا القسم البسيط من ملف تحوم الشبهات بشأنه حول كثيرين من حيث يحتسب الناس أو من حيث لا يحتسبون.

لكنّ الأسئلة واجبة من زاوية طريقة تعامل الطبقة السياسية مع عمليات التوقيف، ومحاولة البعض تهميشها أو التعامل معها كأنها جزء من اللعبة الداخلية التقليدية. وهذا ما يبرر بعض هذه الأسئلة، ومنها:

ـــــ ماذا لو أن جهاز أمن المقاومة كان قد تولّى بنفسه توقيف هذا المشتبه فيه أو ذاك من خارج الطائفة الشيعية؟ كيف سيكون الموقف لو أن الجهاز هو الذي أوقف زياد الحمصي أو أديب العلم؟

ـــــ ماذا لو أوقف مشتبه فيه، ولم تكن الأجهزة المستخدمة في التواصل في حوزته، أو كان يضعها في مكان خارج منزله أو مكتبه المعلن، أو يتكل على آخرين شركاء له للقيام بعملية الإرسال والتلقّي التقني؟

ـــــ كيف ستكون ردة الفعل لو أن الشبهات التي تحوم حول هذا أو ذاك من كوادر أو نشطاء أو قيادات في قوى لها نفوذها الطائفي أو المذهبي أو السياسي تحتاج إلى استكمال من خلال التوقيف أو الدهم أو خلافه؟...

ـــــ كيف ستكون صورة الموقف السياسي لو أن بين المشتبه فيهم في التعامل مع العدو شخصيات لها حضورها الفعلي والجدي في الشارع السياسي، أو في البيئة الاقتصادية، أو داخل مؤسسات الدولة؟... هل كل تحقيق ضروري يحتاج إلى غطاء من هذه المرجعية أو تلك؟

ـــــ ماذا يعني تدخل مرجعية روحية لدى تيار سياسي للتدخل لدى مرجعية قضائية لعدم الاستمرار في التحقيق مع متورطين في جريمة قتل مناضل سياسي تحت الاحتلال، وذلك بحجة أن التوقيف أو الاعتقال أو الاتهام سيسبّب مشكلة طائفية ويقسم الناس؟

ـــــ لماذا تحتاج الأجهزة الأمنية إلى أن تشرح لقوى سياسية، خارج إطار السلطة أو داخله، تفاصيل وحيثيات بشأن أعمال أمنية تقع في إطار مكافحة التجسس، ولماذا تحتاج القوى الأمنية الرسمية إلى ما يشبه «الإذن» أو «رفع الغطاء» حتى تكون قادرة على القيام بعملها؟

ـــــ لماذا يضطر قادة ومراجع ونافذون إلى أن يتصلوا بقادة الأجهزة الأمنية أو بقيادات سياسية للقول إنه إذا صحّت الاتهامات والشكوك، فإنهم في حلّ من المشتبه فيهم... هل بات على المقاومة وعلى الأجهزة العاملة ضد التجسس أن تدافع عن نفسها، بينما يرتاح مشتبه فيهم داخل غرف التحقيق لأن هناك «مَن سيتصل ويخرجنا»...

ـــــ هل يظن اللبنانيون أن إسرائيل نجحت، خلال ستة عقود، في أن تصيب كل جسم مقاوم، وأن تجتاح لبنان مرات ومرات، وأن تدمر وتقتل من دون أعين وآذان وأيدٍ تتعامل معها؟

ـــــ هل يظن أهل الحل والربط أن النشاط الأمني الإسرائيلي المتعاظم يوماً بعد يوم ليس له أذرعه داخل لبنان، كل لبنان؟ وهل يظن أهل الحل والربط أن التجسس الإسرائيلي يقتصر على فقراء يتذرّعون بالحاجة المالية، أو متوسطي الحال يعتقدون أنهم اضطروا إلى القيام بهذا العمل؟ وأن التجسس مخصّص لجهة واحدة، وطائفة واحدة، ومنطقة واحدة؟

ـــــ ألا يعتقد الناس، قبل أصحاب القرار، أن العمل الأمني الإسرائيلي يحتاج إلى كل دعم بعد مسلسل الخيبات والهزائم التي بدأت منذ منتصف الثمانينيات؟ وأن هزيمة عام 2006 تكفي وحدها لقلب الأرض رأساً على عقب بحثاً عن متعاون وعن جاسوس في أي موقع كان ومن أي طائفة كانت ومن أي منطقة؟
صحيح أن من يقوم بمكافحة التجسس لن يتوقف عن عمله، ولن يطلب إذناً من أحد، ولكن ثمة حاجة فعلية لأن يثبت أفرقاء كثر أن إسرائيل هي العدو، وأن يتركوا الأمر يسير كما يجب، وأن يساعدوا بسكوتهم ـــــ على الأقل ـــــ حيث يجب.
2009-05-18