ارشيف من :آراء وتحليلات
نزيف الدماء يتواصل في العراق... الأزمات السياسية تلقي بظلالها على حياة الناس
بغداد ـ عادل الجبوري
خلال الايام الثلاثة الماضية كانت مدن كركوك وديالى ونينوى وتكريت اضافة الى العاصمة بغداد مسرحاً لعمليات ارهابية عديدة أوقعت عشرات الشهداء والجرحى، ومع انّ الامر لم يشكل مفاجأة بالنسبة لكثير من الناس، لانّ الاوضاع الامنية لم تشهد في اي وقت من الاوقات طيلة الاعوام العشرة المنصرمة اي تحسن حقيقي، الا ان التصعيد الارهابي الاخير لا يمكن ان يقرأ بمعزل عن جملة معطيات ووقائع سياسية قد لا تنحصر في داخل الجغرافيا العراقية فقط، وانما تمتد الى ما وراء حدودها.
وفي اطار القراءة المرتبطة بالمعطيات والوقائع السياسية الراهنة لا بد من الاشارة الى المسائل التالية:
-إن التفجيرات الاخيرة جاءت في وقت بلغت الازمة السياسية في البلاد مستويات خطيرة، وباتت فرص الحل شبه معدومة ان لم تكن معدومة بالكامل، وخصوصاً بين رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني.
-معظم المناطق التي وقعت فيها العمليات الارهابية تعد احدى ابرز مفردات الازمة، باعتبار أنها من المناطق المتنازع عليها، والتي اطلق عليها الاكراد مؤخرا "المناطق الكردستانية خارج الاقليم"، بينما اطلقت عليها الحكومة الاتحادية "المناطق المختلطة"، فخط العمليات الارهابية الاخيرة انطلق من قضاءي خانقين وجلولاء التابعين لمحافظة ديالى ليمر بكركوك وتكريت والموصل وينتهي عند تخوم مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان.
-لم تستهدف العمليات الارهابية الاخيرة مكونا اجتماعيا معينا دون غيره، فبعضها استهدف اماكن عبادة "حسينيات" تابعة لاتباع أهل البيت (ع) ومن ابناء القومية التركمانية في كركوك، وبعضها الاخر استهدف مقرات ومراكز حزبية وعسكرية كردية، وبعضها الاخر استهدف زواراً عراقيين واجانب ـ لبنانيين وايرانيين ـ في مناطق يقطنها ابناء قومية الشبك في الموصل، وتحديداً قرية خزنة التي تعرضت في عام 2009 لانفجار شاحنتين محملتين بالمتفجرات أودى بحياة عشرات الناس الابرياء، والبعض الاخر من العمليات الارهابية استهدف نقاط تفتيش عسكرية تابعة للجيش العراقي.
وفي ظل هذه المعطيات لا يمكن بأي حال من الاحوال الحديث عن التداعيات الامنية الاخيرة بمعزل عن مجمل أجواء التصعيد السياسي، وعملية الربط بين الاثنين لا يعني بالضرورة توجيه اصابع الاتهام الى اطراف التصعيد بالوقوف وراء تلك العمليات الارهابية، وان كانت بعض الجهات قد حاولت الايحاء بذلك، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن لأي منهما التنصل من المسؤولية، فالمتعارف عليه في العراق ـ وربما في اي مكان آخر ـ أنّ الازمات السياسية غالباً ما تفرز اهتزازات وتصدعات امنية خطيرة، اذ انها توفر ارضيات ومناخات ملائمة للجماعات الارهابية للتحرك، الى جانب استغلال بعض الخصوم من الاطراف الداخلية والخارجية الاوضاع السياسية السيئة للدفع باتجاه تأزيم الاوضاع الامنية، ولعل الكثير من العراقيين باتوا يتوجسون كثيرا ويشعرون بالقلق حينما تزداد حدة الاحتقانات والتشنجات السياسية بين الفرقاء.
وارتباطا بالازمة الاخيرة بين الاقليم والمركز، والتي تصاعدت وتيرتها بسرعة قياسية، تواردت انباء عن دخول عناصر من سوريا ودول اخرى الى بعض المناطق المتنازع عليها، وقيامهم بتشكيل خلايا ومجاميع ضمن اطار ما يسمى بـ"الجيش العراقي الحر"، وكذلك تواردت معلومات عن نشاطات وتحركات استثنائية لاجهزة مخابرات خارجية مثل التركية والاسرائيلية لارباك الاوضاع، وصب المزيد من الزيت على النار، أضف الى ذلك ان طبيعة ولاءات واصطفافات وارتباطات عناصر تمسك مفاصل ادارية وسياسية وعسكرية وامنية مع هذا الطرف او ذاك من اطراف الازمة، قد يكون ساهم بشكل او بآخر في احداث ثغرات أتاحت للاهابيين النفوذ والتغلغل من خلالها.
وطبيعي انه اذا كانت هناك ارضيات ومناخات ملائمة، ومبررات وحجج، وأدوات وعناصر للتأزيم، ان تتعرض مناطق الازمة لضربات ارهابية.
والعمليات الارهابية الاخيرة تزامنت مع حدثين مختلفين كل منهما عن الآخر، الاول انطلاق المسيرات الراجلة لزيارة اربعنية الامام الحسين عليه السلام، من مختلف مدن ومناطق العراق، لا سيما البعيدة، وهذا ما يدفع الجماعات الارهابية الى استغلال هذه الحشود وتنفيذ عمليات ارهابية لعلها تثني الملايين عن التوجه نحو الامام الحسين عليه السلام، ولعل استهداف عدة حسينيات في كركوك مؤشر واضح على ذلك.
أما الحدث الثاني فتمثل بقرب حلول الذكرى السنوية الاولى لانسحاب قوات الاحتلال الاميركية من العراق، ولا شك ان هناك اكثر من جهة تريد ان توصل رسالة مفادها أنّ العراقيينـ وبالتحديد الحكومة ـ عاجزون عن ادارة شؤون البلاد بأنفسهم وتوفير الامن والاستقرار في البلاد، وان خروج الاميركيين لم يكن هو الخيار الصحيح.
واذا لم تكن واشنطن ضالعة بما يجري من عمليات ارهابية في العراق، فانها ربما لا تكون بعيدة عنها بالكامل، اذ ان مصالحها وأجنداتها قد لا تتقبل حقيقة استتباب الاوضاع الامنية بالكامل، وانتهاء دوامة الصراعات السياسية بين الفرقاء.
وبما انه لا توجد في الافق مؤشرات لاحتواء او حلحلحة الازمة السياسية، وبما ان زخم الحشود المليونية الزاحفة نحو كربلاء المقدسة سيزيد خلال الايام المقبلة، وبما ان اصلاحات ومعالجات حقيقية في اداء المنظومات الامنية العسكرية لم تظهر حتى الان، فعلينا توقع حصول المزيد من التداعيات والتصدعات الامنية خلال الاسابيع القلائل القادمة.
والسؤال هنا ما الذي ستفعله الحكومة وأجهزتها الامنية والاستخباراتية والعسكرية للحد من نزيف الدماء، وكيف سيتصرف الفرقاء السياسيون مع بعضهم البعض وهم يشهدون ويشاهدون الصور التراجيدية تتكرر يوما بعد اخر، بل ساعة بعد اخرى؟؟.