ارشيف من :آراء وتحليلات

مخطط لتجنيد النازحين في ميليشيات

مخطط لتجنيد النازحين في ميليشيات
دخلت لبنان مشكلة جديدة بالاضافة الى مشاكله المستعصية وهي في طريقھا لأن تصبح من أكثر المشاكل دقة وصعوبة، وھي مسألة النازحين السوريين والفلسطينيين الى لبنان. وهي مسألة كانت موجودة بشكل محصور نتيجة لتداعيات الازمة السورية وانتشار العنف خلال السنة المنصرمة. استطاع لبنان "تمرير" ھذه المشكلة واستيعابھا رغم إمكاناته الضعيفة والمحدودة وأن يبقيھا تحت السيطرة. ولكن تطور الوضع في سوريا نحو الأسوأ وبوتيرة سريعة خاصة خلالمخطط لتجنيد النازحين في ميليشيات الاسابيع الماضية أدى الى تفاقم أزمة النازحين الذين تجاوز عددھم "الخط الأحمر" وفاق طاقة لبنان وقدرته على حمل أعباء ھذا الملف..وتفيد المعلومات والإحصاءات أن المعدل الشھري للنزوح السوري الى لبنان ارتفع الى نحو ثلاثين ألفاً منذ ثلاثة أشھر، وأن المعدل اليومي للنزوح ارتفع منذ أيام الى نحو ثلاث آلاف أغلبھم من الفلسطينيين القاطنين في مخيم اليرموك. وھذا المخيم الذي يسكنه نحو مئتي ألف شخص أكثريتھم من الفلسطينيين وبينھم عدد وافر من السوريين، شهد معارك طاحنة بين الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام السوري، وخصوصا الجبھة الشعبية  القيادة العامة وفصائل أخرى معارضة للنظام ھي خليط من عناصر الجيش الحر ومقاتلي جبھة النصرة ... وحتى الآن يكتفي الجيش السوري النظامي بمحاصرة المخيم وإغلاق مداخله لعزله عن العاصمة دمشق، وحيث تريد المعارضة المسلحة أن تستخدمه قاعدة تمركز وانطلاق وكممر حيوي لھا الى معركة دمشق... ورغم التسوية المؤقتة التي اتاحت عودة بعض الفلسطينيين الا ان الوضع في المخيم ومحيطه ينذر بتطورات مقلقة والنار ما زالت تحت الرماد.

مشكلة النازحين  السوريين والفلسطينيين ترتب على لبنان ليس فقط أعباء مالية واقتصادية، وإنما أيضا أخطاراً أمنية واجتماعية. ويمكن اختصار أبعاد المشلكة وأخطارھا في النقاط التالية:

1-ليس في مقدور السلطات اللبنانية مواجھة الأعباء والكلفة المالية الناجمة عن إيواء وإطعام النازحين ورعايتھم صحياص. فلا أموال لدى الھيئة العليا للإغاثة التي يجري تغذية صندوقھا بسلفات مالية يتم استھلاكھا سريعا تحت وطأة الطلبات والحاجات المتزايدة... ولا مساعدات مالية تذكر من المنظمات الدولية والدول الغربية التي لم تتجاوب حتى الآن كما يجب مع "نداءات" الحكومة اللبنانية. ورغم أن لبنان ھو البلد الذي شھد التدفق الأكبر للنازحين من بين كل بلدان الجوار السوري، فإن حصته من الأموال الأوروبية التي خصصت للنازحين السوريين ( 400 مليون يورو) كانت ھزيلة ولم تتجاوز ال 41 مليون يورو... ولذلك فإن لبنان يحتاج الى مساعدات عاجلة مالية وليس فقط عينية، والى خطة مساعدات منظمة ومبرمجة لأشھر قادمة يضع أسسھا اجتماع للدول والمنظمات المانحة...وهذا لم يحصل حتى الان ولا يوجد في الافق مؤشرات بهذا الاتجاه .

2-مع  تزايد  أعداد النازحين، ومع توقع أن يقفز سريعاً مع اتجاه الوضع في سوريا الى الأسوأ والى معارك أشد عنفاً وشراسة...لا يعود ممكنا استيعاب ھذه الأعداد الكبيرة إلا بإقامة مخيمات، خصوصاً وأن الموجات الأولى للنزوح كانت في صفوف ميسوري الحال الذين بإمكانھم استئجار منزل أو حتى الإقامة في فندق، فيما الموجة الثانية للنازحين جرى استيعابھم في أبنية ومدارس فارغة أو حلّوا ضيوفا لدى أقارب وأصدقاء... ولكن الموجة الحالية ھي من المعدومين والفقراء الذين يحتاجون الى عناية كاملة والى خطة إيواء منظمة غير ممكنة من دون إقامة مخيمات على غرار ما حصل في الأردن وتركيا. ولكن الوضع فيمخطط لتجنيد النازحين في ميليشيات لبنان يتسم بخصوصية وحساسية معينة لاعتبارات طائفية وسياسية، ولوجود حذر وخوف لدى قطاعات وشرائح أساسية من تكرار تجربة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي أصبحت دائمة وتحولت بؤرا أمنية وتجمعات للبؤس الاجتماعي...

3-  الجانب الأخطر للمشكلة ھو الجانب الأمني من جراء ھذا التدفق الذي يصعب ضبطه رغم أن الأجھزة الرسمية العسكرية والأمنية، لا سيما جھاز الأمن العام، تعمل جاھدة في ضبط ومراقبة الحدود والمعابر وتأخذ في الاعتبار طبيعة الوضع الاستثنائي والحالات الإنسانية... وإضافة الى الخطر الأمني المباشر المتمثل في حوادث السلب والسرقة والقتل التي تكاثرت في الفترة الأخيرة وتبين أن أكثر مرتكبيھا من السوريين... يبرز الخطر الأمني غير المباشر والأكثر تھديدا للأمن والاستقرار في لبنان انطلاقا مما تشھده المخيمات الفلسطينية، لا سيما مخيمات عين الحلوة وبرج البراجنة والبداوي، من وصول أعداد متزايدة من فلسطينيي سوريا ولا سيما فلسطينيي مخيم اليرموك ويحملون معھم خلافاتھم وانقساماتھم بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، كما تشتد نزعة التطرف الديني والسياسي لدى فئة الشباب الذين يزيد انخراطھم في المنظمات والمجموعات المتطرفة، وھو ما سيؤدي الى تغيير في الھوية والخارطة السياسية  الأمنية للمخيمات والى تعاظم سيطرة الإسلاميين والى ارتفاع نسبة واحتمالات حصول مشاكل وصدامات داخل المخيمات أو مع محيطھا، وفي موازاة ارتفاع نسبة واحتمال تورط فلسطيني أكثر في الخلافات والصراعات اللبنانية...
 
4- يبرز المأزق اللبناني بين الاعتبار الانساني والروابط الاخوية المحقة من جهة وبين التخوف من وجود مخطط لتفجير الكيان اللبناني من جهة اخرى. في لبنان أصلاً مشكلة مزمنة هي خطر التوطين. فإذا تزايد عدد الفلسطينيين سوف يزيد الهواجس ويضاعف من المخاطر. كما ان اجتياح النازحين بموجات ضخمة وظروف انسانية صعبة قد يحولهم الى وقود في مخططات مشبوهة ترسم للبنان. ويتخوف البعض من تحويل المأساة الانسانية للنازحين الى تتطويعهم في ميليشيات هدفها الظاهر نصرة المعارضة المسلحة في سورية بينما الغرض الفعلي ضرب الاستقرار في لبنان وتشكيل جيش الردة مؤلف من تجنيد اقسام من النازحين الفلسطينيين والسوريين بالاضافة الى منظمات "القاعدة" واخواتها القادمة من دول عربية واسلامية واصبحت متمركزة في لبنان يساندها بقايا ميليشيات 14 اذار. الهدف من تجميع هذا الكوكتيل كسر التوازن في لبنان وتطويق المقاومة والانقلاب على الحكومة واستعادة السلطة بالقوة .
هل يمر هذا المخطط تحت ستار المساعدات الانسانية ام سيكون هناك موقف جذري للدولة قبل فوات الآوان؟

2012-12-23