ارشيف من :آراء وتحليلات
سيناريوهات ما بعد الطالباني
ربما تكون الانتكاسة الصحية الأخيرة للرئيس العراقي جلال الطالباني قد كسرت جزءا من حاجز الحرج والتردد الذي كان يواجه البعض من القوى والشخصيات السياسية، سواء في اقليم كردستان او في بغداد، من الحديث عن الخيارات والسيناريوهات المحتملة في حال غياب الطالباني عن المشهد السياسي عبر الوفاة.
التهرب من الواقع
ورغم ان الوضع الصحي للطالباني(79 عاما) لم يكن خلال الاعوام القلائل الماضية على ما يرام، إلا ان احدا لم يتحدث، لا تصريحا ولا تلميحا، عن امكانية حصول فراغ سياسي جراء رحيله.
فالرئيس العراقي الذي يعاني من البدانة تعرض في شهر شباط/فبراير من عام 2007 لأزمة صحية نقل على اثرها الى العاصمة الأردن عمان ، حيث تلقى في مدينة الحسين الطبية العلاج اللازم، وبعد اكثر من عام ، وتحديدا في اب/اغسطس 2008 تعرض لأزمة اخرى عولج منها في مستشفى "مايو كلينك" الاميركية، اذ اجريت له عملية جراحية معقدة في القلب، وآخر رحلة علاجية له كانت في صيف العام الجاري في المانيا واستمرت ثلاثة شهور عاد منها الى البلاد في الثامن عشر من ايلول/سبتمبر الماضي، وقيل انه طرأ عليه تحسن ملموس، وخصوصا بعد اجراء عملية جراحية له في مفصل الركبة.
ولان الازمة السياسية كانت قد بلغت مستويات خطيرة ومقلقة، فقد عولت مختلف القوى السياسية على عودة الرئيس الطالباني لاحتوائها لما له من ثقل وتأثير وعلاقات متوازنة مع كل الاطراف، وبالفعل تحرك بحماسة وطرح مبادرات عديدة، ولعل آخر محطة في سلسلة تحركاته قبل تعرضه للانتكاسة الصحية الاخيرة، هي لقاؤه برئيس الوزراء نوري المالكي، وبدلا من يكون ذلك اللقاء عاملا في التخفيف من حدة المواقف المتشنجة والمتباينة، ادت الانتكاسة الصحية الى احداث قدر من التهدئة، والتي هي بمثابة الدواء المسكن للالم لفترة قصيرة من الزمن ليس الا.
مواجهة الامر الواقع
وهذه المرة، وبدلا من الحديث عن عودة الرئيس من مشفاه معافى ليستأنف ممارسة دوره السياسي، راح الحديث يتخذ منحى آخر يتركز على مرحلة ما بعد الطالباني، حيث بات يفهم من عبارة "مرحلة ما بعد الطالباني"، هو اما ان فرص بقائه على قيد الحياة لفترة طويلة تكاد تكون شبه معدومة، وان كانت الاعمار بيد الله، ويفهم منها ايضا، انه حتى لو لم يرحل الى الرفيق الاعلى، فإنه من الصعب جدا ـ ان لم يكن من المستحيل ـ ان يعود لممارسة حياته، فضلا عن عمله ومسؤولياته الكبرى بطريقة طبيعية، ولا سيما ان بعض التوقعات تذهب الى أن الجلطة الدماغية الاخيرة يمكن ان تجعله شبه حي وشبه ميت في نفس الوقت، بحيث تكون حالته شبيهة الى حد كبير بحالة رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ارييل شارون، الذي منذ سنين يعاني من حالة الغيبوبة الدائمة.
واستنادا الى ذلك فإنه من الطبيعي جدا ان تشهد كواليس السياسة في بغداد والسليمانية واربيل ـ وربما عواصم اقليمية ودولية ـ نقاشات ومباحثات جادة لايجاد بديل للطالباني في منصب رئاسة الجمهورية، وكذلك ايجاد بديل له في زعامة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ويقع في خطأ كبير من يتصور ان الأمور ليست على درجة كبيرة من التعقيد والصعوبة.
في ما يتعلق برئاسة الجمهورية، ابتداءً تشير الفقرتان ثانيا وثالثا من المادة 72 من الدستور العراقي الى انه:
"ثانيا: يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه
ثالثا: يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لاي سببٍ كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الخلو".
وهذا النص يعني بوضوح ان نائب الرئيس يمكن ان يقوم بمهام الرئيس في حال الوفاة او العجز عن القيام بوظائفه لاي سبب، لمدة لا تتجاوز في ابعد التقديرات ثلاثين يوما.
والى هذا الحد ليس هناك مشكلة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في اختيار البديل المناسب والمقبول، لا وفق السياقات الدستورية، بل استنادا الى التوافقات السياسية، وهذا امر لامناص منه.
وفي اطار الخطوات التراتبية لاختيار البديل، فإن الوضع القائم (التوافق او المحاصصة) حدد منصب رئاسة الجمهورية للمكون الكردي، وعند هذه النقطة فإن الكرة ستكون في الملعب الكردي، من دون ان يعني ذلك بأن الشركاء السياسيين الاخرين غير معنيين بالاختيار، بل ان عدم قبولهم لا يفضي الى الحسم، مع الاخذ بنظر الاعتبار وجود طموحات لدى المكون السني بالحصول على رئاسة الجمهورية في مقابل اعطاء الاكراد رئاسة مجلس النواب كما كان عليه الامر في عام 2005، وهذا الخيار من المستبعد جدا ان يوافق عليه الاكراد.
واذا توقفنا عند المكون الكردي، فإن صيغة المحاصصة والتوافقات بين الحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني، حددت منذ اعوام بأن تكون رئاسة الاقليم للديمقراطي، ورئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني، على ان تكون رئاستا الحكومة والبرلمان في الاقليم بالتناوب، واذا لم يقرر الأكراد إحداث تغييرات على تلك الصيغة فهذا يعني ان على الاتحاد الوطني الكردستاني ترشيح شخصية منه لرئاسة الجمهورية بدلا عن الطالباني، خلال فترة قياسية، وخصوصا اذا اكدت التقارير الطبية ان الرئيس لم يعد قادرا على الاستمرار بمهامه الرسمية، اي ان الكرة ستكون في ملعب الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي لا يمكنه ترشيح شخصية معينة لهذا المنصب ما لم تحظ بالقبول الكردي العام قبل القبول الوطني (الشيعة والسنة)، الى جانب القبول الاقليمي والدولي بمقدار معين.
العقدة الرئيسية
وفي داخل الاتحاد الوطني ستكون القضية معقدة وشائكة، لأنها ستتداخل مع استحقاق آخر هو اختيار زعيم للحزب، واذا كان الطالباني قد تولى الزعامة الرسمية والزعامة الحزبية، فإنه من المستبعد جدا ان تبقى الزعامتان بيد شخص واحد مستقبلا، ومن يمكن ان يصلح لمنصب رئاسة الجمهورية قد لايصلح، او لا يحظى بالقبول ليكون زعيما للحزب.
واستعراض الاسماء البارزة والمرشحة من شأنه ان يوضح الصورة الى حد ما.
ـ كوسرت رسول علي نائب رئيس اقليم كردستان والنائب الأول لحزب الاتحاد الوطني، والسيدة هيرو ابراهيم احمد زوجة الطالباني، وفؤاد معصوم القيادي المخضرم في الحزب، وبرهم احمد صالح النائب الثاني للطالباني.
وبالنسبة لكوسرت رسول علي (60 عاما)، في الوقت الذي يتمتع بكاريزما حزبية ـ ثورية باعتباره من المقاتلين ( البيشمركة) الاوائل، اذ بدأ نشاطه السياسي في منتصف عقد السبعينيات، ويمتلك قاعدة جماهيرية جيدة في الوسط الكردي الحزبي، بيد انه يفتقر الى الكاريزما السياسية المناسبة في الاوساط والمحافل السياسية الرسمية المحلية والخارجية، وهو بعيد عن دوائر صناعة القرار ورسم السياسات في بغداد، حيث انه لم يشغل موقعا رسميا في الدولة، ولم يكن عضوا في البرلمان العراقي، الى جانب ذلك فإنه يعاني من بعض الامراض التي تعيقه عن الحركة والنشاط والفاعلية التي يتطلبها العمل السياسي، واذا كان يطمح الى تولي زعامة الحزب، فإنه قد لا يفكر كثيرا برئاسة الجمهورية لانه يدرك صعوبة تسويقه وعرضه على الشركاء السياسيين.
اما السيدة هيرو التي تنحدر من عائلة سياسية مناضلة ـ اذ ان اباها ابراهيم احمد يعد من ابرز مؤسسي الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الملا مصطفى البارزاني عام 1946- فقد اتسع دورها وحضورها السياسي خلال الاعوام القلائل الماضية، وخصوصا مع تراجع الوضع الصحي لزوجها، واصبحت من العناصر القيادية الفاعلة في صناعة القرار السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، واليوم فإن اسمها يتداول بقوة في كلا الاتجاهين، رئاسة الجمهورية وزعامة الحزب، بيد ان فرص توليها منصب الرئاسة تبدو ضئيلة ان لم تكن معدومة، لاسباب عديدة، اهمها وابرزها ان التركيبة والثقافة والاجتماعية للشعب العراقي التي قد لا تستوعب حقيقة وجود امرأة في الموقع الاول للدولة، لا سيما اذا كانت ذات توجه علماني ليبرالي، وتبقى فرص الزعامة الحزبية لها اوفر، وهي ربما ستكون منافسة قوية لاخرين مثل كوسرت رسول علي.
الشخص الاخر هو برهم صالح (52 عاما)، الذي يعتبر من القيادات الشابة، فهو يعتبر رجل دولة ناجحا، فقد شغل عدة مناصب مهمة في الحكومات الاتحادية ببغداد بعد سقوط نظام صدام، منها وزير التخطيط، ونائب رئيس الوزراء، وشغل ايضا منصب رئيس حكومة اقليم كردستان، وكان هذا اخر موقع رسمي له، ويتمتع صالح بحضور ومقبولية جيدة لدى الأوساط والمحافل السياسية العراقية وكذلك الاقليمية والدولية، وهو ما يجعل فرصه لخلافة الطالباني في رئاسة الجمهورية جيدة، الا انه لا يتمتع بنفس الفرص لزعامة الحزب، فهو يعد من قيادات الرعيل الثاني، وقضى الجزء الاكبر من مسيرته السياسية في الغرب ما بين الدراسة والعمل السياسي مسؤولا لمكتب العلاقات الخارجية وممثلا للحزب في الولايات المتحدة الاميركية، وقد يجد تأييدا من الكوادر الشبابية في الحزب لكن ذلك في كل الاحوال لن يكون كافيا له لتبوؤ موقع الصدارة.
يبقى القيادي الاخر فؤاد معصوم (80 عاما)، وهو من جيل الطالباني، وربما كان تقدمه في السن يجعله ينأى بنفسه عن دائرة التنافس والصراع سواء على موقع الرئاسة او موقع زعامة الحزب، ويقدر ان مثل ذلك النأي يتيح له ان يلعب دورا محوريا في المساهمة بتوجيه الامور وتخفيف حدة الاحتقانات والتقاطعات المتوقعة بين قيادات الاتحاد الوطني بعد غياب الرئيس الطالباني عن المشهد.
خارطة جديدة
ويتوقع في خضم الاصطفافات المرتقبة ظهور اسماء اخرى تبحث لها عن موطئ قدم ان لم يكن في القمة فقريبا منها، وهذا الامر من الممكن ان يفضي الى اطلاق دعوات الى اعادة توحيد حركة التغيير المنشقة عن الاتحاد الوطني بزعامة القيادي البارز نوشيروان مصطفى الذي كان يعد الرجل الثاني بعد الطالباني قبل الانشقاق، ولعل دعوات من هذا القبيل تستتبع طرح اسم نوشيروان لزعامة الحزب، وهي يمكن ان تجد لها صدى غير قليل في اوساط الاتحاد فضلا عن اوساط حركة التغيير، في ذات الوقت تذهب توقعات اخرى الى ان قيادات وكوادر وتنظيمات من الحزب ستنشق، واما ستنضم الى حركة التغيير او تشكل تنظيما جديدا، ولا شك انه وفق حقائق المشهد السياسي الكردي الراهن، وتراكمات الصراعات التاريخية بين مكوناته، من المحتمل ـ ومن الممكن جدا ـ ان تدخل اطراف كردية لها خصومات طويلة مع الطالباني وحزبه على الخط لتزيد من حالة التشظي والضعف التي شهدها الحزب خلال الاعوام القلائل الاخيرة، لاعادة تشكيل الخارطة السياسية ومراكز القوة الحقيقية فيها.
والدخول على الخط لن يقتصر على اطراف كردية معينة، بل ان إطرافا سياسية عراقية ـ وخصوصا من المكون السني ـ وقوى اقليمية ودولية ستدخل، او دخلت فعلا على الخط مثل الولايات المتحدة الاميركية وايران وتركيا، لتوجيه الامور بما ينسجم ويتناسب مع مصالحها وحساباتها.
خلاصة القول، ان غياب الطالباني اذا كتب له ان يمر بهدوء نسبي في بغداد، فلن يكون كذلك في السليمانية ومعها اربيل، وان خليفة الطالباني لن يكون واحدا، وان كفة احتمالات وفرص التشظي والتفكك سترجح على كفة التماسك والانسجام والتفاهم، فالاسماء كثيرة والمغانم كبيرة، والطموحات عظيمة.
التهرب من الواقع
ورغم ان الوضع الصحي للطالباني(79 عاما) لم يكن خلال الاعوام القلائل الماضية على ما يرام، إلا ان احدا لم يتحدث، لا تصريحا ولا تلميحا، عن امكانية حصول فراغ سياسي جراء رحيله.
فالرئيس العراقي الذي يعاني من البدانة تعرض في شهر شباط/فبراير من عام 2007 لأزمة صحية نقل على اثرها الى العاصمة الأردن عمان ، حيث تلقى في مدينة الحسين الطبية العلاج اللازم، وبعد اكثر من عام ، وتحديدا في اب/اغسطس 2008 تعرض لأزمة اخرى عولج منها في مستشفى "مايو كلينك" الاميركية، اذ اجريت له عملية جراحية معقدة في القلب، وآخر رحلة علاجية له كانت في صيف العام الجاري في المانيا واستمرت ثلاثة شهور عاد منها الى البلاد في الثامن عشر من ايلول/سبتمبر الماضي، وقيل انه طرأ عليه تحسن ملموس، وخصوصا بعد اجراء عملية جراحية له في مفصل الركبة.
ولان الازمة السياسية كانت قد بلغت مستويات خطيرة ومقلقة، فقد عولت مختلف القوى السياسية على عودة الرئيس الطالباني لاحتوائها لما له من ثقل وتأثير وعلاقات متوازنة مع كل الاطراف، وبالفعل تحرك بحماسة وطرح مبادرات عديدة، ولعل آخر محطة في سلسلة تحركاته قبل تعرضه للانتكاسة الصحية الاخيرة، هي لقاؤه برئيس الوزراء نوري المالكي، وبدلا من يكون ذلك اللقاء عاملا في التخفيف من حدة المواقف المتشنجة والمتباينة، ادت الانتكاسة الصحية الى احداث قدر من التهدئة، والتي هي بمثابة الدواء المسكن للالم لفترة قصيرة من الزمن ليس الا.
مواجهة الامر الواقع
وهذه المرة، وبدلا من الحديث عن عودة الرئيس من مشفاه معافى ليستأنف ممارسة دوره السياسي، راح الحديث يتخذ منحى آخر يتركز على مرحلة ما بعد الطالباني، حيث بات يفهم من عبارة "مرحلة ما بعد الطالباني"، هو اما ان فرص بقائه على قيد الحياة لفترة طويلة تكاد تكون شبه معدومة، وان كانت الاعمار بيد الله، ويفهم منها ايضا، انه حتى لو لم يرحل الى الرفيق الاعلى، فإنه من الصعب جدا ـ ان لم يكن من المستحيل ـ ان يعود لممارسة حياته، فضلا عن عمله ومسؤولياته الكبرى بطريقة طبيعية، ولا سيما ان بعض التوقعات تذهب الى أن الجلطة الدماغية الاخيرة يمكن ان تجعله شبه حي وشبه ميت في نفس الوقت، بحيث تكون حالته شبيهة الى حد كبير بحالة رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ارييل شارون، الذي منذ سنين يعاني من حالة الغيبوبة الدائمة.
واستنادا الى ذلك فإنه من الطبيعي جدا ان تشهد كواليس السياسة في بغداد والسليمانية واربيل ـ وربما عواصم اقليمية ودولية ـ نقاشات ومباحثات جادة لايجاد بديل للطالباني في منصب رئاسة الجمهورية، وكذلك ايجاد بديل له في زعامة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ويقع في خطأ كبير من يتصور ان الأمور ليست على درجة كبيرة من التعقيد والصعوبة.
في ما يتعلق برئاسة الجمهورية، ابتداءً تشير الفقرتان ثانيا وثالثا من المادة 72 من الدستور العراقي الى انه:
"ثانيا: يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه
ثالثا: يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لاي سببٍ كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الخلو".
وهذا النص يعني بوضوح ان نائب الرئيس يمكن ان يقوم بمهام الرئيس في حال الوفاة او العجز عن القيام بوظائفه لاي سبب، لمدة لا تتجاوز في ابعد التقديرات ثلاثين يوما.
والى هذا الحد ليس هناك مشكلة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في اختيار البديل المناسب والمقبول، لا وفق السياقات الدستورية، بل استنادا الى التوافقات السياسية، وهذا امر لامناص منه.
وفي اطار الخطوات التراتبية لاختيار البديل، فإن الوضع القائم (التوافق او المحاصصة) حدد منصب رئاسة الجمهورية للمكون الكردي، وعند هذه النقطة فإن الكرة ستكون في الملعب الكردي، من دون ان يعني ذلك بأن الشركاء السياسيين الاخرين غير معنيين بالاختيار، بل ان عدم قبولهم لا يفضي الى الحسم، مع الاخذ بنظر الاعتبار وجود طموحات لدى المكون السني بالحصول على رئاسة الجمهورية في مقابل اعطاء الاكراد رئاسة مجلس النواب كما كان عليه الامر في عام 2005، وهذا الخيار من المستبعد جدا ان يوافق عليه الاكراد.
واذا توقفنا عند المكون الكردي، فإن صيغة المحاصصة والتوافقات بين الحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني، حددت منذ اعوام بأن تكون رئاسة الاقليم للديمقراطي، ورئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني، على ان تكون رئاستا الحكومة والبرلمان في الاقليم بالتناوب، واذا لم يقرر الأكراد إحداث تغييرات على تلك الصيغة فهذا يعني ان على الاتحاد الوطني الكردستاني ترشيح شخصية منه لرئاسة الجمهورية بدلا عن الطالباني، خلال فترة قياسية، وخصوصا اذا اكدت التقارير الطبية ان الرئيس لم يعد قادرا على الاستمرار بمهامه الرسمية، اي ان الكرة ستكون في ملعب الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي لا يمكنه ترشيح شخصية معينة لهذا المنصب ما لم تحظ بالقبول الكردي العام قبل القبول الوطني (الشيعة والسنة)، الى جانب القبول الاقليمي والدولي بمقدار معين.
العقدة الرئيسية
وفي داخل الاتحاد الوطني ستكون القضية معقدة وشائكة، لأنها ستتداخل مع استحقاق آخر هو اختيار زعيم للحزب، واذا كان الطالباني قد تولى الزعامة الرسمية والزعامة الحزبية، فإنه من المستبعد جدا ان تبقى الزعامتان بيد شخص واحد مستقبلا، ومن يمكن ان يصلح لمنصب رئاسة الجمهورية قد لايصلح، او لا يحظى بالقبول ليكون زعيما للحزب.
واستعراض الاسماء البارزة والمرشحة من شأنه ان يوضح الصورة الى حد ما.
ـ كوسرت رسول علي نائب رئيس اقليم كردستان والنائب الأول لحزب الاتحاد الوطني، والسيدة هيرو ابراهيم احمد زوجة الطالباني، وفؤاد معصوم القيادي المخضرم في الحزب، وبرهم احمد صالح النائب الثاني للطالباني.
وبالنسبة لكوسرت رسول علي (60 عاما)، في الوقت الذي يتمتع بكاريزما حزبية ـ ثورية باعتباره من المقاتلين ( البيشمركة) الاوائل، اذ بدأ نشاطه السياسي في منتصف عقد السبعينيات، ويمتلك قاعدة جماهيرية جيدة في الوسط الكردي الحزبي، بيد انه يفتقر الى الكاريزما السياسية المناسبة في الاوساط والمحافل السياسية الرسمية المحلية والخارجية، وهو بعيد عن دوائر صناعة القرار ورسم السياسات في بغداد، حيث انه لم يشغل موقعا رسميا في الدولة، ولم يكن عضوا في البرلمان العراقي، الى جانب ذلك فإنه يعاني من بعض الامراض التي تعيقه عن الحركة والنشاط والفاعلية التي يتطلبها العمل السياسي، واذا كان يطمح الى تولي زعامة الحزب، فإنه قد لا يفكر كثيرا برئاسة الجمهورية لانه يدرك صعوبة تسويقه وعرضه على الشركاء السياسيين.
اما السيدة هيرو التي تنحدر من عائلة سياسية مناضلة ـ اذ ان اباها ابراهيم احمد يعد من ابرز مؤسسي الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الملا مصطفى البارزاني عام 1946- فقد اتسع دورها وحضورها السياسي خلال الاعوام القلائل الماضية، وخصوصا مع تراجع الوضع الصحي لزوجها، واصبحت من العناصر القيادية الفاعلة في صناعة القرار السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، واليوم فإن اسمها يتداول بقوة في كلا الاتجاهين، رئاسة الجمهورية وزعامة الحزب، بيد ان فرص توليها منصب الرئاسة تبدو ضئيلة ان لم تكن معدومة، لاسباب عديدة، اهمها وابرزها ان التركيبة والثقافة والاجتماعية للشعب العراقي التي قد لا تستوعب حقيقة وجود امرأة في الموقع الاول للدولة، لا سيما اذا كانت ذات توجه علماني ليبرالي، وتبقى فرص الزعامة الحزبية لها اوفر، وهي ربما ستكون منافسة قوية لاخرين مثل كوسرت رسول علي.
الشخص الاخر هو برهم صالح (52 عاما)، الذي يعتبر من القيادات الشابة، فهو يعتبر رجل دولة ناجحا، فقد شغل عدة مناصب مهمة في الحكومات الاتحادية ببغداد بعد سقوط نظام صدام، منها وزير التخطيط، ونائب رئيس الوزراء، وشغل ايضا منصب رئيس حكومة اقليم كردستان، وكان هذا اخر موقع رسمي له، ويتمتع صالح بحضور ومقبولية جيدة لدى الأوساط والمحافل السياسية العراقية وكذلك الاقليمية والدولية، وهو ما يجعل فرصه لخلافة الطالباني في رئاسة الجمهورية جيدة، الا انه لا يتمتع بنفس الفرص لزعامة الحزب، فهو يعد من قيادات الرعيل الثاني، وقضى الجزء الاكبر من مسيرته السياسية في الغرب ما بين الدراسة والعمل السياسي مسؤولا لمكتب العلاقات الخارجية وممثلا للحزب في الولايات المتحدة الاميركية، وقد يجد تأييدا من الكوادر الشبابية في الحزب لكن ذلك في كل الاحوال لن يكون كافيا له لتبوؤ موقع الصدارة.
يبقى القيادي الاخر فؤاد معصوم (80 عاما)، وهو من جيل الطالباني، وربما كان تقدمه في السن يجعله ينأى بنفسه عن دائرة التنافس والصراع سواء على موقع الرئاسة او موقع زعامة الحزب، ويقدر ان مثل ذلك النأي يتيح له ان يلعب دورا محوريا في المساهمة بتوجيه الامور وتخفيف حدة الاحتقانات والتقاطعات المتوقعة بين قيادات الاتحاد الوطني بعد غياب الرئيس الطالباني عن المشهد.
خارطة جديدة
ويتوقع في خضم الاصطفافات المرتقبة ظهور اسماء اخرى تبحث لها عن موطئ قدم ان لم يكن في القمة فقريبا منها، وهذا الامر من الممكن ان يفضي الى اطلاق دعوات الى اعادة توحيد حركة التغيير المنشقة عن الاتحاد الوطني بزعامة القيادي البارز نوشيروان مصطفى الذي كان يعد الرجل الثاني بعد الطالباني قبل الانشقاق، ولعل دعوات من هذا القبيل تستتبع طرح اسم نوشيروان لزعامة الحزب، وهي يمكن ان تجد لها صدى غير قليل في اوساط الاتحاد فضلا عن اوساط حركة التغيير، في ذات الوقت تذهب توقعات اخرى الى ان قيادات وكوادر وتنظيمات من الحزب ستنشق، واما ستنضم الى حركة التغيير او تشكل تنظيما جديدا، ولا شك انه وفق حقائق المشهد السياسي الكردي الراهن، وتراكمات الصراعات التاريخية بين مكوناته، من المحتمل ـ ومن الممكن جدا ـ ان تدخل اطراف كردية لها خصومات طويلة مع الطالباني وحزبه على الخط لتزيد من حالة التشظي والضعف التي شهدها الحزب خلال الاعوام القلائل الاخيرة، لاعادة تشكيل الخارطة السياسية ومراكز القوة الحقيقية فيها.
والدخول على الخط لن يقتصر على اطراف كردية معينة، بل ان إطرافا سياسية عراقية ـ وخصوصا من المكون السني ـ وقوى اقليمية ودولية ستدخل، او دخلت فعلا على الخط مثل الولايات المتحدة الاميركية وايران وتركيا، لتوجيه الامور بما ينسجم ويتناسب مع مصالحها وحساباتها.
خلاصة القول، ان غياب الطالباني اذا كتب له ان يمر بهدوء نسبي في بغداد، فلن يكون كذلك في السليمانية ومعها اربيل، وان خليفة الطالباني لن يكون واحدا، وان كفة احتمالات وفرص التشظي والتفكك سترجح على كفة التماسك والانسجام والتفاهم، فالاسماء كثيرة والمغانم كبيرة، والطموحات عظيمة.