ارشيف من :آراء وتحليلات

الإبراهيمي في دمشق: محاولة لتحريك مياه التسوية في ظروف غير مكتملة

الإبراهيمي في دمشق: محاولة لتحريك مياه التسوية في ظروف غير مكتملة

 

تقع زيارة الأخضر الابراهيمي الى سوريا بين مشهدين: الأول قبل الزيارة والثاني خلالها.

قبل الزيارة ـ اعلامياً على الأقل ـ جرى الايحاء بالتالي:

أولاً: ان الاتصالات الروسية ـ الاميركية، ومن ثم اللقاء الروسي ـ الاميركي مع الابراهيمي أفضت الى نتيجة او قناعة أساسية تفضي بأن لا حل للأزمة السورية الا الحل السياسي، وأن بيان جنيف ما زال يشكل الأرضية الملائمة والمنطلق الأساسي لهذا الحل باعتباره محل توافق غربي ـ روسي... الخ...

ثانياً: قبل ذلك نسب الى نائب وزير الخارجية الروسي كلام مفاده أن موسكو لم تعد متمسكة بالأسد، وهذا ما طبل له الأميركيون وزمروا معتبرين أن الروس غيروا موقفهم أخيراً مقتربين من الموقف الغربي.

ثالثاً: اعطاء موسكو والولايات المتحدة قوة انعاش ودفع لمهمة الأخضر الابراهيمي، انطلق على أساسها للتحرك مجدداً على خط أطراف الأزمة المباشرة ليعلن لاحقاً بأنه ينتظر موعداً من الرئيس الأسد لزيارة دمشق، وأنه لن يذهب كما ذهب في المرة السابقة لينتظر أربعة أيام قبل أن يلتقيه الرئيس الأسد.
والذي زاد من زيارة الابراهيمي التباساً هو ما نسب اليه من أنه ما لم يحدد له الأسد موعداً سريعاً لن يذهب الى دمشق، وما لم تف موسكو بوعدها في هذا الإطار، فهو قد يقدم على تقديم استقالته.
باختصار ـ وبمعزل عما اذا كان ما نسب الى الابراهيمي صحيحاً أم لا، بدا واضحاً أننا ازاء مناورة سياسية واعلامية تتوخى أمرين:
أ ـ زرع شكوك في موقف موسكو الحالي من الأزمة السورية.
ب ـ حمل موسكو للضغط على القيادة السورية لتسهيل مهمة الابراهيمي، وبالتالي حمل الأسد نفسه على الاستجابة لشروط الابراهيمي.

رابعاً: خلافاً للمرات السابقة اختار الابراهيمي الدخول الى دمشق من لبنان بدلاً من مطار دمشق الدولي بالرغم من ارتفاع الموانع الأمنية، هذا الاختيار فسرته دمشق محاولة من الابراهيمي لتكريس الصورة التي أرادتها المعارضة المسلحة لوضع مطار دمشق، وللقول بأن وضع المطار ما زال مقلقاً وغير صالح لاستخدامه كوسيلة للاستقبال أو المغادرة.

خامساً: سبقت زيارة الابراهيمي تسريبات كثيرة حول صيغ الحل المطروحة، أبرزها تلك المكوّنة من البنود التالية:
أـ تشكيل حكومة انتقالية من المعارضة وشخصيات يسميها النظام.
ب ـ الحفاظ على المؤسسة العسكرية مع احداث تبديل في بعض الوجوه.
ج ـ قيام الحكومة استناداً الى صلاحيات مفوضة لها بانشاء هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد واجراء انتخابات تشريعية، ومن ثم انتخابات رئاسية من دون امكان اعادة ترشيح للرئيس الأسد.
تبدو هذه الصيغة بالفعل أقرب الى الحل الاميركي الذي يقوم على:
أ ـ الفصل بين النظام ورأسه أي الرئيس الأسد، وبالتالي تقول واشنطن انها مستعدة للاقرار بدور النظام في المرحلة المقبلة لكن من دون الأسد.
ب ـ المحافظة على المؤسسة الأبرز للنظام أي الجيش على أن يكون التغيير هنا صورياً وليس جوهرياً، الهدف هنا واضح اغراء موسكو بالموافقة باعتبار ان المؤسسة العسكرية هي ورقة الأمان لتأمين مصالحها في سوريا استناداً الى ارتباطاتها الوثيقة به واغراء الجيش بالانفكاك عن الأسد وعدم ربط مصيره بمصير الأسد، وصولاً الى تفكيك عرى العصبية الأساسية للنظام.
ج ـ ضرب كل ما قام به النظام وتحديداً الرئيس الأسد من انجازات سياسية اصلاحية واعادة الأمور الى المربع الأول من خلال فتح باب الأزمة داخلياً على مداها تحت عنوان صياغة دستور جديد، ويكفي توقع ابعاد المراد هنا من استحضار التجربة المصرية، فبالرغم من الفروق الكبيرة بين المكونات الاجتماعية بين سوريا ومصر، فإن اقرار الدستور الأخير لم يمر بدون ان يترك ندوباً وجراحات سياسية واجتماعية وطائفية كبيرة ستكون لها تداعياتها اللاحقة، فكيف الحال في ازمة معسكرة ومدولة الى هذا الحد كالأزمة السورية.

وفي كل الأحوال تسعى واشنطن الى تثبيت مقولة ان عقدة الحل في سوريا هي الرئيس الأسد، وان الموافقة على التخلي عنه هي المفتاح لهذا الحل، وهذه لعبة مكشوفة داخل سوريا وخارجها، لأن هدفها تأليب الداخل عليه وتحديداً أركان النظام، وتخسيره شعبياً من خلال تحميله مسؤولية اطالة الأزمة وتأليب الخارج عليه.

في هذا السياق العام، قام الابراهيمي بزيارته الى دمشق، فهل كان من المتوقع ان يعود بموافقة الأسد على خطته المستقاة من بيان جنيف، في الحقيقة ما فات الابراهيمي ومن يقف وراءه التالي:

أولاً: ان النظام ما زال متماسكاً وقوياً ازاء كل محاولات تفكيكه واضعافه، وليس حرص الأسد على استقبال الابراهيمي بكل القامات القيادية الأساسية، إلا رداً أسدياً مباشراً على هذه المحاولات وللقول إن الأسد ليس وحيداً وانما هو والنظام واحد، وكذلك مؤسسات الدولة. فالأسد حرص على لقاء الابراهيمي لقاءً دولياً بكل ما في الكلمة من معنى.

ثانياً: ان الأسد لم يستقبل الابراهيمي الا بعد ان قام بنفي لما نسب اليه، وهو نفي أقرب الى الاعتذار والتراجع والقول ان النظام والأسد تحديداً ليس الا أحد أطراف الأزمة، وليس المسؤول عنها على الأقل لوحده وكذلك عن استمرارها.

ثالثاً: لقد استقبل الأسد الابراهيمي وهو مستند الى انجازات عسكرية مهمة تمثلت باحباط كل محاولات المس بالعاصمة تطويقاً واستهدافاً مباشراً لها، وفي ظل الإمساك بالمبادرة العسكرية على نطاق واسع وكذلك الامساك بغالبية المحافظات الأساسية مع بقاء خروق ما تحت السيطرة، وحرية حركة للمسلحين في بعض الأرياف تستند الى دعم دول الجوار وتحديداً تركيا وللدعم اللوجستي الخارجي اكثر من أي شيء آخر.

رابعاً: لقد استقبل الأسد الابراهيمي في ظل تأكيد موسكو التزامه مواقفه المعلنة وغير المعلنة ازاء الأزمة والنظام والرئيس الأسد، وفي ظل تأكيدها ذلك عملياً عبر تدريبات مشتركة والمحافظة على تسليح النظام بأسلحة نوعية وارسال السفن الحربية الى ميناء طرطوس.

خامساً: لقد استقبل الأسد الابراهيمي في ظل حضور ايراني بقوة على خط المبادرات الايرانية التي هي وحدها الكفيلة بإنجاز الحل. هذا الاعلان في توقيته يشكل رسالة مهمة على أكثر من صعيد:
أ ـ ان الحل في سوريا لا تنفرد فيه لا واشنطن ولا موسكو.
ب ـ احداث توازن سياسي على صعيد المبادرات المطروحة، ما يترك هامشاً للمناورات والأخذ والرد لا سيما بالنسبة للنظام.
ج ـ ان ايران طرف رئيسي في الحل ومن موقعها ومواقفها المعروفة، وهي لن تترك أحداً يفرض حلاً على الأسد، في الوقت الذي تؤكد فيه حرصها على ضرورة الحوار بين النظام والمعارضة والتوصل الى حل سوري وطني بامتياز يلبي المطالب السورية الفعلية ويحفظ لها موقعها ودورها الوطني والتاريخي.

بناءً عليه، لا يتوقع ان تخرج زيارة الابراهيمي بأكثر مما خرجت به، لا سيما في ظل تأكيد الأسد أنه مع أي حل ينسجم مع حفظ السيادة، وهي جملة موجزة إلا أنها تقول الكثير، وأهم ما تقوله أن لا حل سيمر خارج الممثل الأبرز لسيادة الدولة وممارستها ألا وهو الدستور والقوانين المرعية الاجراء في أي دولة.
وعلى صعيد آخر، لا يتوقع أن يعطي الأسد بعد أن قطع وتجاوز ما قطع وتجاوز من المعارك الصعبة والكبيرة بنجاح ولو مكلف، وهو يشعر اليوم انه أقوى من السابق، وان الفوز ما هو الا مسألة وقت أيضاً.

 

2012-12-28