ارشيف من :آراء وتحليلات
بلدان يوغوسلافيا السابقة أمام التحديات
خلال السنة المنصرمة 2012 كانت جميع بلدان يوغوسلافيا السابقة تقف أمام تحديات جدية، التي كان يتوجب عليها مواجهتها من اجل ان تستطيع مواصلة التقدم، بعضها نحو انجاح عملية الاندماج بأوروبا، وبعضها نحو الانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو.
ولا شك بان اكبر بلد في هذا الإقليم وهو صربيا، كانت تواجه اكبر التحديات. ففي اطار السياسة الداخلية جرت في صربيا انتخابات ثلاثية: رئاسية، برلمانية ومحلية. وقد برز كقوة سياسية رئيسية الحزب التقدمي الصربي (يمين الوسط) الذي تشكل منذ ثلاث سنوات فقط. وقد شكل الحزب، بالاشتراك مع "الحزب الاشتراكي في صربيا" و"حزب الـ17 الكبار +"، حكومة ائتلافية جديدة في بلغراد برئاسة إيفيتسا داتشيتش. في حين كسب رئيس "الحزب التقدمي الصربي" اياه توميسلاف نيكوليتش الانتخابات الرئاسية متغلبا على منافسه زعيم الديمقراطيين بوريس تاديتش. وتخلى نيكوليتش عن مركزه القيادي في الحزب لنائبه الكسندر فوتشيتش، الذي شغل ايضا منصب نائب رئيس الوزراء وهو يحمل لواء حملة مكافحة الفساد. وقد بدأت تسقط اوائل ضحايا هذه الحملة، مثل ميروسلاف ميشكوفيتش، الذي يعتبر اغنى رجل في صربيا، والذي تم توقيفه بسبب ارتكاب مخالفات بقيمة 30 مليون يورو.
وفي السياسة الخارجية ستقف صربيا في السنة الجديدة امام التحدي الأكبر، بما يحمله من مخاوف وكوابيس، ونعني به مسألة كوسوفو.
فهذه المقاطعة الصربية السابقة ذات الحكم الذاتي تسير في طريقها الى الامام، وليس لديها اي نية في مجرد النظر الى الخلف. وبالنسبة لبرشتينا فإن بلغراد هي طرف خارجي لا يختلف عن غيره، وعليها ان تحل معه عددا من القضايا المشتركة العالقة. والمجتمع الصربي الذي ينوء بمسألة "كوسوفو" لن يكون من السهل عليه ان يبتلع اي عمل، الذي يدفعه ولو بطريقة غير مباشرة الى الاعتراف باستقلال كوسوفو، وهذا يعتبر اسوأ كابوس للقسم الاكبر من الطبقة السياسية الصربية.
وعلى الصعيد الاقتصادي ستواجه صربيا اختبارات صعبة عديدة، بدءا من توقيع اتفاق التزام "ستاندباي" "Standby" مع صندوق النقد الدولي، وصولا الى معالجة مسألة الفقر والبطالة في البلاد، التي وصلت الى اكثر من 25%. واهم تحد تواجهه البلاد في السنة الجديدة هو تحديد موعد لمباشرة مباحثات الانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي، وهي المحادثات التي سيتم ربطها من جديد بشكل مباشر او غير مباشر بتطور عملية المباحثات مع ألبان كوسوفو.
وفي السنة المنصرمة جرت ايضا انتخابات في فيديرالية البوسنة والهرسك. اذ تمت انتخابات محلية في شهر تشرين الاول/اوكتوبر الماضي. وفي مقاطعة "الجمهورية الصربية" (التي هي جزء من البوسنة والهرسك التي تضم: صربا، والبانيين وكروات) فان "حزب الاشتراكيين الدمقراطيين المستقلين"، الذي يقوده رئيس "الجمهورية الصربية" ميلوراد دوديك تعرض لهزيمة كبيرة على يد مزاحمه الاساسي: "الحزب الدمقراطي الصربي" بقيادة ملادن بوسيتش، وقد اسرع بعض المعلقين للاستنتاج بأن "عهد دوديك" في "الجمهورية الصربية" والبوسنة والهرسك قد شارف على نهايته. وقد برزت في فيديرالية البوسنة والهرسك ثلاث قوى سياسية رئيسية: "الحزب الاشتراكي الدمقراطي" بزعامة وزير خارجية البوسنة والهرسك زلاتكو لاكومدجيا، "حزب العمل الدمقراطي" بزعامة سليمان تيخيتش و"حزب لاجل مستقبل افضل" بزعامة القطب الاعلامي ووزير الامن في البوسنة والهرسك فخرالدين رادونتشيتش. وكل التقييمات السياسية المتعلقة بالبلاد تدور حول مسألة امكانية التقدم في عملية الاندماج الاوروبي حيث ان طريق البوسنة والهرسك للانضمام الى الاتحاد الاوروبي هو مسدود. ولا تزال البطالة في البلاد مرتفعة جدا، هذا بالرغم من الاستقرار المالي، الذي يعزوه الكثير من المحللين الى ان المهاجرين من البوسنة والهرسك يرسلون سنويا الى اهاليهم مبلغا يتراوح بين 2-2،5 مليار يورو، وهذه الاموال تساعد "الماكرو" و"الميكرو" اقتصاد (الاقتصاد الاجمالي والاقتصاد التفصيلي) على الاستقرار. ولا يتوقع ان يحدث تبدل جذري في الوضع السياسي او الاقتصادي في البوسنة والهرسك سنة 2013. ومن المشكوك فيه ان تستطيع البلاد تسريع عملية اندماجها الاوروبي، اذ ان التناقضات بين مقاطعة "الجمهورية الصربية" والحكومة المركزية للبوسنة والهرسك لا تتضاءل بل بالضد فهي تتعمق بشكل يهدد بالانفجار.
اما الجمهورية اليوغوسلافية السابقة الاصغر، اي جمهورية الجبل الاسود، فقد اعادت انتخاب رئيس الوزراء السابق ميلو دجوكانوفيتش زعيم "الحزب الدمقراطي للاشتراكيين في الجبل الاسود". وتسير البلاد بثبات في طريق الاندماج اليورواطلسي، وحتى الان لا يتوقع تعميق المشكلات بين اكثرية "الجبليين" والاقلية الصربية التي تبلغ حسب بعض التقديرات 30% من سكان الجبل الاسود. وتقف البلاد على عتبة معركة شديدة وصعبة ضد الفساد والتهريب ـ وهي شروط حازمة وضعتها بروكسل امام بودغوريتسا (عاصمة الجبل الاسود).
ولا شك ان كرواتيا هي الاكثر تقدما في تطورها. وفي 1-7-2013 ستصبح كرواتيا عضوا كامل العضوية في الاتحاد الاوروبي. ولكن مقابل ذلك تواجه زغرب عددا من المصاعب الاقتصادية: دين خارجي ضخم (44 مليار يورو)، بطالة متنامية، خلافات مع شركة MOL الهنغارية بخصوص خصخصة شركة النفط الحكومية الكرواتية INA، والخصخصة المرتقبة لاحتكارين حكوميين هما ـ شركة التأمين الكرواتية وبنك البريد الكرواتي، وكذلك اعادة هيكلة قطاع بناء السفن وترميم السفن، الذي يعمل فيه حوالى 10.000 شخص.
اما فيما يتعلق بمقدونيا فقد تلقت مؤخراً درسا جيدا من المجلس الاوروبي. فمنذ ثلاثة اسابيع قامت الشرطة المقدونية باحتلال البرلمان في سكوبيه وطردت نواب المعارضة وانصارهم الذين كانوا يتظاهرون احتجاجا على مشروع الميزانية المقدمة. وتمت المصادقة على الموازنة بدون مناقشة وباصوات نواب الموالاة فقط وذلك في غضون 40 دقيقة. وقد اعلن زعيم المعارضة برانكو تسيرفينكوفسكي ان مقدونيا هي على عتبة اقامة نظام استبدادي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
ولا شك بان اكبر بلد في هذا الإقليم وهو صربيا، كانت تواجه اكبر التحديات. ففي اطار السياسة الداخلية جرت في صربيا انتخابات ثلاثية: رئاسية، برلمانية ومحلية. وقد برز كقوة سياسية رئيسية الحزب التقدمي الصربي (يمين الوسط) الذي تشكل منذ ثلاث سنوات فقط. وقد شكل الحزب، بالاشتراك مع "الحزب الاشتراكي في صربيا" و"حزب الـ17 الكبار +"، حكومة ائتلافية جديدة في بلغراد برئاسة إيفيتسا داتشيتش. في حين كسب رئيس "الحزب التقدمي الصربي" اياه توميسلاف نيكوليتش الانتخابات الرئاسية متغلبا على منافسه زعيم الديمقراطيين بوريس تاديتش. وتخلى نيكوليتش عن مركزه القيادي في الحزب لنائبه الكسندر فوتشيتش، الذي شغل ايضا منصب نائب رئيس الوزراء وهو يحمل لواء حملة مكافحة الفساد. وقد بدأت تسقط اوائل ضحايا هذه الحملة، مثل ميروسلاف ميشكوفيتش، الذي يعتبر اغنى رجل في صربيا، والذي تم توقيفه بسبب ارتكاب مخالفات بقيمة 30 مليون يورو.
وفي السياسة الخارجية ستقف صربيا في السنة الجديدة امام التحدي الأكبر، بما يحمله من مخاوف وكوابيس، ونعني به مسألة كوسوفو.
فهذه المقاطعة الصربية السابقة ذات الحكم الذاتي تسير في طريقها الى الامام، وليس لديها اي نية في مجرد النظر الى الخلف. وبالنسبة لبرشتينا فإن بلغراد هي طرف خارجي لا يختلف عن غيره، وعليها ان تحل معه عددا من القضايا المشتركة العالقة. والمجتمع الصربي الذي ينوء بمسألة "كوسوفو" لن يكون من السهل عليه ان يبتلع اي عمل، الذي يدفعه ولو بطريقة غير مباشرة الى الاعتراف باستقلال كوسوفو، وهذا يعتبر اسوأ كابوس للقسم الاكبر من الطبقة السياسية الصربية.
وعلى الصعيد الاقتصادي ستواجه صربيا اختبارات صعبة عديدة، بدءا من توقيع اتفاق التزام "ستاندباي" "Standby" مع صندوق النقد الدولي، وصولا الى معالجة مسألة الفقر والبطالة في البلاد، التي وصلت الى اكثر من 25%. واهم تحد تواجهه البلاد في السنة الجديدة هو تحديد موعد لمباشرة مباحثات الانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي، وهي المحادثات التي سيتم ربطها من جديد بشكل مباشر او غير مباشر بتطور عملية المباحثات مع ألبان كوسوفو.
وفي السنة المنصرمة جرت ايضا انتخابات في فيديرالية البوسنة والهرسك. اذ تمت انتخابات محلية في شهر تشرين الاول/اوكتوبر الماضي. وفي مقاطعة "الجمهورية الصربية" (التي هي جزء من البوسنة والهرسك التي تضم: صربا، والبانيين وكروات) فان "حزب الاشتراكيين الدمقراطيين المستقلين"، الذي يقوده رئيس "الجمهورية الصربية" ميلوراد دوديك تعرض لهزيمة كبيرة على يد مزاحمه الاساسي: "الحزب الدمقراطي الصربي" بقيادة ملادن بوسيتش، وقد اسرع بعض المعلقين للاستنتاج بأن "عهد دوديك" في "الجمهورية الصربية" والبوسنة والهرسك قد شارف على نهايته. وقد برزت في فيديرالية البوسنة والهرسك ثلاث قوى سياسية رئيسية: "الحزب الاشتراكي الدمقراطي" بزعامة وزير خارجية البوسنة والهرسك زلاتكو لاكومدجيا، "حزب العمل الدمقراطي" بزعامة سليمان تيخيتش و"حزب لاجل مستقبل افضل" بزعامة القطب الاعلامي ووزير الامن في البوسنة والهرسك فخرالدين رادونتشيتش. وكل التقييمات السياسية المتعلقة بالبلاد تدور حول مسألة امكانية التقدم في عملية الاندماج الاوروبي حيث ان طريق البوسنة والهرسك للانضمام الى الاتحاد الاوروبي هو مسدود. ولا تزال البطالة في البلاد مرتفعة جدا، هذا بالرغم من الاستقرار المالي، الذي يعزوه الكثير من المحللين الى ان المهاجرين من البوسنة والهرسك يرسلون سنويا الى اهاليهم مبلغا يتراوح بين 2-2،5 مليار يورو، وهذه الاموال تساعد "الماكرو" و"الميكرو" اقتصاد (الاقتصاد الاجمالي والاقتصاد التفصيلي) على الاستقرار. ولا يتوقع ان يحدث تبدل جذري في الوضع السياسي او الاقتصادي في البوسنة والهرسك سنة 2013. ومن المشكوك فيه ان تستطيع البلاد تسريع عملية اندماجها الاوروبي، اذ ان التناقضات بين مقاطعة "الجمهورية الصربية" والحكومة المركزية للبوسنة والهرسك لا تتضاءل بل بالضد فهي تتعمق بشكل يهدد بالانفجار.
اما الجمهورية اليوغوسلافية السابقة الاصغر، اي جمهورية الجبل الاسود، فقد اعادت انتخاب رئيس الوزراء السابق ميلو دجوكانوفيتش زعيم "الحزب الدمقراطي للاشتراكيين في الجبل الاسود". وتسير البلاد بثبات في طريق الاندماج اليورواطلسي، وحتى الان لا يتوقع تعميق المشكلات بين اكثرية "الجبليين" والاقلية الصربية التي تبلغ حسب بعض التقديرات 30% من سكان الجبل الاسود. وتقف البلاد على عتبة معركة شديدة وصعبة ضد الفساد والتهريب ـ وهي شروط حازمة وضعتها بروكسل امام بودغوريتسا (عاصمة الجبل الاسود).
ولا شك ان كرواتيا هي الاكثر تقدما في تطورها. وفي 1-7-2013 ستصبح كرواتيا عضوا كامل العضوية في الاتحاد الاوروبي. ولكن مقابل ذلك تواجه زغرب عددا من المصاعب الاقتصادية: دين خارجي ضخم (44 مليار يورو)، بطالة متنامية، خلافات مع شركة MOL الهنغارية بخصوص خصخصة شركة النفط الحكومية الكرواتية INA، والخصخصة المرتقبة لاحتكارين حكوميين هما ـ شركة التأمين الكرواتية وبنك البريد الكرواتي، وكذلك اعادة هيكلة قطاع بناء السفن وترميم السفن، الذي يعمل فيه حوالى 10.000 شخص.
اما فيما يتعلق بمقدونيا فقد تلقت مؤخراً درسا جيدا من المجلس الاوروبي. فمنذ ثلاثة اسابيع قامت الشرطة المقدونية باحتلال البرلمان في سكوبيه وطردت نواب المعارضة وانصارهم الذين كانوا يتظاهرون احتجاجا على مشروع الميزانية المقدمة. وتمت المصادقة على الموازنة بدون مناقشة وباصوات نواب الموالاة فقط وذلك في غضون 40 دقيقة. وقد اعلن زعيم المعارضة برانكو تسيرفينكوفسكي ان مقدونيا هي على عتبة اقامة نظام استبدادي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل