ارشيف من :آراء وتحليلات

أعداء سوريا... لماذا كل هذا الخوف من الحل السلمي ؟

أعداء سوريا... لماذا كل هذا الخوف من الحل السلمي ؟
إذا اعتبرنا أن مؤسسة "قطر فوندايشن" التي ترأسها زوجة الأمير القطري قد عكست الواقع بشكل أمين ولم تلجأ إلى خفض الأرقام عندما بينت، في استطلاع للرأي أجرته مطلع العام الماضي، أن أكثر من 55 بالمئة من السوريين يتمسكون بقيادة الرئيس الأسد لسوريا، فإن هذه النتيجة وحدها كافية لمنح النظام السوري شرعية يفتقر إلى مثلها كثيرون ممن يفوزون على خصومهم في الانتخابات الديموقراطية بالحصول على 51 أو 50 بالمئة من أصوات المقترعين.
وإذا اعتبرنا أن من الأرجح أن يكون هذا الاستطلاع قد تعمد خفض الأرقام لأن الجهة التي قامت به وثيقة الصلة بنظام يحتل موقعاً متقدماً جداً على لائحة أعداء سوريا، فإن ذلك يمنح النظام السوري شرعية أكبر بكثير. 

وإذا كان الأمر كذلك في بداية العام 2012، فالأكيد أن نسبة التأييد للرئيس الأسد في صفوف الشعب السوري قد ارتفعت بشكل كبير بعد عام طويل حافل بـ "إنجازات" ما يسمى بالثورة السورية".

  أعداء سوريا... لماذا كل هذا الخوف من الحل السلمي ؟

والأكيد أن هذا التأييد هو ما دفع منذ البداية وما زال يدفع أعداء سوريا إلى إفشال كل ما طرح من مبادرات تفضي إلى حل سلمي للأزمة لسبب بسيط هو في كون جميع الحلول الحقيقية والصحيحة لا يمكن، أياً كانت المبادرات، إلا أن تكون سورية. ولا يمكن للكلمة الفصل فيها، إذا كانت الديموقراطية وحرية التعبير والموقف هي المرجع الحاسم والأخير، إلا أن تكون لهذا الشعب السوري الواعي لمصالحه الوطنية والقومية والمتمسك بقيادته انطلاقاً من هذا الوعي.  

وبالطبع، فإن إفشال هذه المبادرات، وآخرها مبادرة الإبراهيمي التي اقتربت كثيراً من الفشل بسبب تخلي هذا الأخير، تحت ضغط أكيد من قبل أعداء سوريا، عن دوره كوسيط، ليتخذ موقف الانحياز المكشوف، كان وما زال يتم بهدف واحد واحيد : إطالة أمد الحرب الدائرة في سوريا إلى الحد الأقصى الممكن على أمل أن تحقق واحدة من نتيجتين كل منهما تكمل الأخرى وتصب في مصلحة المشروع الصهيو-أميركي :
إما أن يسقط النظام وتصبح سوريا لفترة طويلة من الزمن مسرحاً واسعاً للفوضى والاقتتال والتقسيم بين جماعات "المنتصرين" العاجزين -متفرقين أو متوحدين- عن مجرد الحكم، فكيف بإعادة إعمار البلد وقيادته نحو الأهداف "الكبرى" التي انطلقت الثورة المزعومة من أجل تحقيقها. 

أعداء سوريا... لماذا كل هذا الخوف من الحل السلمي ؟

وإما أن يستمر النظام بالصمود ويستمر، بالتوازي مع ذلك، إرسال المرتزقة والإرهابيين الأجانب بعشرات الألاف إلى سوريا بعد تدريبهم وتسليحهم وشحنهم بالعقائد المنحرفة، بحيث يؤدي استمرار الحرب إلى إلحاق المزيد من الخسائر البشرية والمادية بسوريا، وإلى إنهاك الأطراف المتحاربة وفتح الطريق أمام غزوها من الخارج وإعادتها إلى بيت الطاعة تحت أحد الاحتلالين الغربي أو العثماني الجديد أو حتى إلى استباحتها من قبل الإسرائيليين. 

تلك هي الآمال التي عقدها أعداء سوريا على إطالة أمد الحرب الداخلية في ظروف عجزهم عن بلوغ هدفهم المعلن والمتمثل بالسقوط السريع للنظام على الصورة التي سقطت فيها أنظمة الربيع العربي لتستبدل بأنظمة يخشى لفشلها المتراكم منذ وصولها إلى السلطة أن يدفع شعوبها إلى التحسر على الأنظمة السابقة. 

لكن أمد الحرب طال أكثر من اللزوم. وعلى الرغم من الكلام الكثير عن السقوط الوشيك للنظام، لا يمر يوم إلا وتحقق فيه سوريا مزيداً من الانتصارات على جماعات الإرهابيين وفصائلهم التي بدأت تتنافس حتى الاقتتال على الغنائم المتحققة أو الموعودة. دون الحديث عن انقسامات المعارضات التي لا تفلح معها محاولات دفعها إلى التوحد لكثرة ولاءات أفرادها إلى ما هب ودب من أطراف خارجية متعارضة المصالح. 

ولا يمر يوم دون أن يزداد إحساس أعداء سوريا في الخارج بصعوبة المخارج من المأزق الذي أحاق بهم. حتى بات بإمكان بعض المراقبين أن يتنبأوا بأن كيد أعداء سوريا قد ارتد إلى نحورهم. 

فتركيا أردوغان التي كانت قادرة فعلاً على إقفال أبواب المشاكل، والتي فتحت أبوابها فعلاً لعلاقات جيدة مع جيرانها الاستراتيجيين، وخصوصاً مع سوريا والعراق وإيران، فتحت على نفسها، منذ تدخلها في سوريا، باب مشكلات خارجية وداخلية كبرى تشكل تهديداً لوحدتها ووجودها كبلد متعدد الانتماءات الدينية والعرقية والسياسية. 

أما مشيخات النفط التي سيطر عليها الوهم بأن طيور الحظ التي ترافقها في بناء الأبراج واستقبال المونديالات والمؤتمرات الدولية، وشراء العقارات في عواصم الغرب، واستلحاق بعض المتربعين على عروش عواصم العرب والمسلمين، لا بد وأن ترافقها أيضاً في شراء كل ما يلزم لإقامة امبراطوريات عظمى لا تغيب عنها الشمس. لكنها تكتشف الآن أنها أعجز من أن تستمر في دعم الإرهابيين في سوريا، بسبب مؤامرات "الأشقاء" الذين يرون، لا من غير إيحاءات غربية، أنهم أحق منها في وضع اليد على أموال النفط.

أما الآخرون، الأنظمة الحاكمة في البلدان الغربية والكيان الصهيوني، فقد جمعوا إلى ما أحاط بهم من هزائم عسكرية في السنوات القليلة الماضية، أزمات اقتصادية لا تتطور إلى باتجاه الهاوية. في وقت يزداد فيه حرجهم أمام شعوبهم ومعارضاتهم بسبب تورطهم وأكاذيبهم حول السقوط الوشيك للنظام السوري.

2013-01-15