ارشيف من :آراء وتحليلات

أزمة سياسية في تونس قد تعصف بالترويكا الحاكمة

أزمة سياسية في تونس قد تعصف بالترويكا الحاكمة
على الرغم من تحسن نسبة النمو، وإجماع الخبراء على أن تونس تجاوزت مرحلة الركود الاقتصادي، التي عرفتها مباشرة بعد الثورة، التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، فإن هناك أزمة سياسية وعدم رضا من السواد الأعظم من التونسيين على أداء الحكومة وفريق عمل حمادي الجبالي.

أزمة سياسية في تونس قد تعصف بالترويكا الحاكمة

عدم الرضا هذا استشعرته حركة النهضة ذاتها وشركاؤها في الحكم وأعلنوا منذ أشهر عن عزمهم إجراء تغيير وزاري بما أن الحقائب أسندت في البداية على أساس المحاصصة بين مكونات الأحزاب الثلاثة الحاكمة. كما منحت الحقائب الوزارية على أساس الولاءات وغاب معيار الكفاءة لدى عدد هام من وزراء حكومة الجبالي الذين تميز أداؤهم بالتذبذب، ولم يتقدموا قيد أنملة في سبيل إصلاح ما كان سائداً من فساد.

مماطلة

ومرت الأيام والأشهر والتغيير المنتظر لم يحصل، الأمر الذي اعتبرته المعارضة مماطلة من الفريق الحاكم، وذر رماد في العيون وإلهاءً للشعب التونسي عن الانتخابات التي لم يتم تحديد موعدها، وعن الدستور الذي لم يكتب على الرغم من مرور أكثر من سنة على انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. وخاصة أن حركة النهضة تعهدت في وقت سابق بأن هذه المرحلة الانتقالية الثانية التي تلت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011 لن تتجاوز السنة وقد مرت السنة ولم تتحقق الوعود.

أزمة سياسية في تونس قد تعصف بالترويكا الحاكمة

وعلى ما يبدو فإن المجلس الوطني التأسيسي يترك مشاريع القوانين الملحة (المتعلقة بإنشاء الهيئة المستقلة الوقتية المشرفة على القضاء والهيئة الوقتية المستقلة التي ستشرف على الانتخابات، وقانون العدالة الانتقالية) وكذا الدستور جانبا، ويضع ضمن أولوياته قانون إقصاء من تقلدوا مناصب عليا في زمن بن علي ومنهم زعيم المعارضة الباجي قائد السبسي الذي شغل منصب رئيس مجلس النواب في بدايات حكم بن علي، وشغل حقائب الدفاع والداخلية والخارجية زمن بورقيبة، وترأس الحكومة الثانية بعد الثورة، وذلك حتى تتم إزاحته من المنافسة خلال الانتخابات القادمة باعتبار أن استطلاعات الرأي ترشحه للفوز بها في حال أجريت في الوقت الراهن.

مفاوضات

ودخلت حركة النهضة في مفاوضات مع أحزاب من المعارضة لتوسعة الائتلاف الحاكم، لكن محاولاتها باءت بالفشل. حيث رفض الحزب الجمهوري وزعيمه أحمد نجيب الشابي حقائب وزارية وعلى رأسها الخارجية. كما رفض حزب المسار الاجتماعي المنتمي إلى قوى اليسار الدخول في الائتلاف الحاكم باعتبار أن الأمر ومن وجهة نظره لا يتعلق بتغيير أشخاص بل بسياسات في المقام الأول. واختار كلا الحزبين الانضمام إلى ما بات يسمى بترويكا المعارضة التي تضمهما إلى جانب حزب "نداء تونس" الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي.

أزمة سياسية في تونس قد تعصف بالترويكا الحاكمة

ولعل من أسباب رفض هذين الحزبين الانخراط في العمل الحكومي هو عدم التزام حركة النهضة بحل ما يسمى بـ"رابطات حماية الثورة" التي تتهم بأنها الذراع العنيفة للحركة والمتورطة في أعمال عنف وشغب كثيرة طالت بالخصوص حزب نداء تونس والاتحاد العام التونسي للشغل. كما قامت هذه الرابطات مؤخرا بالاعتداء على اجتماع للحزب الجمهوري بمدينة القيروان وحاصرت أمينته العامة مية الجريبي التي جاء في تصريحها أنها اتصلت بوزير الداخلية لكنه لم يرد على اتصالها. وقد اعتبر البعض هذا السلوك بمثابة العقاب من حركة النهضة للحزب الجمهوري بسبب رفض رئيسة أحمد نجيب الشابي الانضمام إلى الحكومة والانخراط في جبهة معارضة مع قائد السبسي.

التكتل والمؤتمر مجدداً

وأمام هذا الرفض من المعارضة لم تجد حركة النهضة سوى حليفيها في الترويكا التكتل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية لتشكيل الحكومة الجديدة. لكنّ هذين الحزبين وضعا شروطا للانضمام إلى الحكومة الجديدة اعتبرتها النهضة مجحفة. فحزب التكتل الذي يرأسه رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر اشترط تحييد وزارات السيادة وخصوصا العدل والخارجية ومنحها لمستقلين، كما طالب بمنح صلاحيات وزير الداخلية الأمنية لكاتب دولة مستقل وكذا صلاحياته المتعلقة بالجماعات المحلية (البلديات والمجالس الجهوية). فيما اشترط حزب المؤتمر، وهو حزب رئيس الجمهورية المرزوقي، نيل هاتين الحقيبتين واستبعاد وزير الخارجية رفيق عبد السلام نهائيا من الحكومة على أثر ما بات يعرف بفضيحة "شيراتون غيت" التي يشتبه من خلالها في تورط الوزير المذكور وهو صهر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في فساد مالي.

حركة النهضة من جهتها أعلنت رسميا وبعد اجتماع لمجلسها للشورى أنها تتمسك بوزارات السيادة باعتبارها حزب الأغلبية، وخصوصا حقيبة العدل التي تمكن صاحبها بحسب أغلب المحللين من إصلات سيف القضاء على خصومه وامتلاك أحد عوامل القوة، باعتبار أن البلاد تعيش مرحلة انتقالية لا وجود فيها لهيئة مستقلة مشرفة على القضاء، وقد منحت صلاحيات هذه الهيئة مؤقتا لوزير العدل، وهو ما يفسر بحسب البعض مماطلة المجلس التأسيسي الذي تسيطر النهضة على أغلب مقاعده في سن مشروع القانون المتعلق بإنشاء الهيئة المستقلة المشرفة على القضاء.

الجبالي و"الصقور"

لقد كان من المفروض أن يعلن رئيس الحكومة حمادي الجبالي عن تركيبته الجديدة في قرطاج منذ أسبوعين لكنه اصطدم بهذه العراقيل ما جعله يقتصر على عقد ندوة صحفية بالقصر الرئاسي بقرطاج يعلن من خلالها أنه فوض الأمر للمجلس التأسيسي. ويعتبر الجبالي من "حمائم" حركة النهضة الباحثين باستمرار عن الوفاق، وهو رجل يحظى باحترام الجميع بما في ذلك المعارضة. ويختلف في كثير من المسائل مع زعيم حركته راشد الغنوشي، فهو يعتبر على سبيل المثال رابطات حماية الثورة جماعات عنيفة وجَبَ حلها ومحاسبة المسؤولين فيها عن ارتكاب العنف، فيما يعتبرها الغنوشي العين الساهرة على تحقيق أهداف الثورة. 

أزمة سياسية في تونس قد تعصف بالترويكا الحاكمة

ويرى كثير من المحللين بأن الجبالي بات رسميا قائدا لمعسكر الحمائم داخل الحركة في مواجهة "صقورها". وأن الحل والربط لإنقاذ البلاد من هذا المأزق السياسي بات بيده، وخاصة أنه أعلن في وقت سابق أن قرارات مجلس شورى حركته غير ملزمة له، وهو المعني بالدرجة الأولى بهذا التحوير الوزاري، ما فهم منه أن الجبالي قد يقدم على التنازل لحليفيه التكتل والمؤتمر ويضرب بقرارات مجلس شورى حركة النهضة عرض الحائط. ويتصرف كرجل دولة بعيدا عن الحسابات الحزبية وخاصة أن المرزوقي هدد بالاستقالة من رئاسة الجمهورية إذا لم تتم الاستجابة لمطالب حزب المؤتمر.

وتتحدث بعض التسريبات على أن من بين الفرضيات التي قد تشهدها الساحة السياسية في تونس أن يتم التراجع من قبل الصقور داخل النهضة عن التحوير الوزاري والابقاء على الحكومة الحالية وذلك لإظهار حمادي الجبالي بمظهر العاجز عن الوفاء بوعوده أمام الرأي العام وإجباره على الاستقالة، بعد أن أبدى الكثير من الحزم في الآونة الأخيرة مع هذا المعسكر داخل حركته الذي رغب في استحداث منصب جديد هو منصب "كاتب عام الحكومة" وذلك لخنق الجبالي وإعادته إلى "بيت الطاعة" بحسب بعض المحللين.
2013-02-08