ارشيف من :آراء وتحليلات

الغارة الإسرائيلية على موقع سوري: محاولة يائسة لخلط الأوراق

الغارة الإسرائيلية على موقع سوري: محاولة يائسة لخلط الأوراق
عقيل الشيخ حسين

عندما بدأت الحرب على سوريا وسط توقعات أطلقتها جميع الأطراف المعادية بالسقوط الوشيك للنظام، سرت تحليلات مفادها أن بشار الأسد قد لا يتردد، إذا ما أيقن بأن لا فرص أمامه للنجاة، في إطلاق ما في ترسانته من صواريخ وربما من رؤوس حربية غير تقليدية على المدن والتجمعات الإسرائيلية، وذلك في محاولة لخلط الأوراق قد تنفرج عن مخرج من أوضاعه الصعبة.

وبعد مرور 22 شهراً من هذه الحرب الشرسة التي لا يقوى على تحملها إلا من كان بمستوى سوريا لجهة الاستعداد لتحمل ما يستدعيه سمو القضية، قضية التحرر والوحدة والكرامة العربية، من أثقال وتضحيات، ها هو نظام الأسد يبرهن بشكل ساطع أن سوريا بشعبها وجيشها ودولتها وقيادتها قد بدأت بالخروج كما وعدت منذ البداية... أقوى وأشد تماسكاً وتمسكاً بالقضية.

وبالتوازي مع تباشير انتصار سوريا ـ عن طريق الحوار أو عن طريق السلاح ـ بدأت جبهة العدوان والإرهاب بالتفكك والتداعي وظهرت على أطرافها معالم الارتباك والإحباط. وبطبيعة الحال، فإن الكيان الصهيوني، المستفيد الرئيسي والمدبر الأساسي لتلك الحرب، يحتل رأس قائمة المحبطين. وللسخرية، فإن هذا الكيان، لا سوريا، هو من يحاول الآن خلط الأوراق عسى أن يساعده ذلك على الخروج من أوضاعه الصعبة.

نعم قد يكون بنيامين نتنياهو قد أرسل طائراته لضرب موقع للأبحاث العلمية في سوريا بهدف إشاعة جو من الاستنفار العسكري والأمني قد يعينه على تشكيل حكومة إسرائيلية قادرة على صرف الانتباه مؤقتاً عن الواقع المتمثل بانهيار الأحزاب القيادية وعجز الكيان الصهيوني عن التحرك كجسم موحد كما كان عليه الأمر قبل عصر الهزيمة الإسرائيلية في لبنان وغزة. ولكن ذلك لا يعني أن العمل العدواني ذاك لم يكن يهدف في الوقت نفسه إلى إدخال تغيير في مسار الحرب الدائرة في سوريا لمصلحة "إسرائيل" وسائر القوى الإقليمية والدولية الضالعة في تلك الحرب.

ولتكوين فكرة أكثر وضوحاً، لا بد من التذكير ببعض الوقائع الضرورية.
منها أن الكيان الصهيوني قد اعتاد منذ قيامه على أن تقدم له الانتصارات والخدمات على طبق من ذهب من قبل الغرب الامبريالي وامتداداته الإقليمية بما فيها العربية. وأن القادة الإسرائيليين قد انتظروا، كغيرهم من أعداء سوريا، أن لا تتأخر الحرب في إسقاط سوريا وإضعاف معسكر المقاومة بشكل يسمح بعودة الروح للمسار الاستسلامي العربي الذي عطلته سوريا بكل مفاعيله التطبيعية والتوطينية إلى سابق عزه.

لكن الأحلام الصبيانية هذه تبخرت رغم ضراوة الهجمة بفعل صمود سوريا والطبيعة الاصطناعية لمعارضات الخارج ولما يسمى بالجيش الحر وغيره من جماعات المرتزقة والإرهابيين الذين تحركهم غرف عمليات تديرها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأطلسية. كما فشلت الضغوط والعقوبات وحملات الافتراء الاعلامي وشتى التهويلات بإنشاء مناطق عازلة ومناطق حظر جوي أو باللجوء إلى التدخل الغربي المباشر على الطريقة الليبية.

وإذا كان من الصحيح أن أعداء سوريا، والادارة الأميركية خصوصاً، ما زالوا متمسكين لفظياً، ولحفظ ماء الوجه بمطلب رحيل الأسد (تصريحات جون كيري الأخيرة) أو بالإيحاء بأن التدخل العسكري الأميركي ما زال ممكناً (حيرة أوباما التي عبر عنها مؤخراً بين مثل هذا التدخل أو عدمه)، فإن الإسرائيليين يعلمون أكثر من غيرهم بكثير أن الحرب على سوريا قد دخلت في مرحلتها الأخيرة، وأن الذين غمسوا أكفهم في دم سوريا لن يلبثوا، كما فعلوا أكثر من مرة، أن يقفوا على أبوابها صفوفاً لطلب الصفح والمغفرة.

ولأن الإسرائيليين يعلمون أكثر من غيرهم بأن خروج سوريا ظافرة من هذه الحرب سيستتبعه حتماً انهيار نظم إقليمية ودولية وتعديلات كبرى في موازين القوى تصب كلها في غير مصلحة "إسرائيل" المأزومة أساساً، فقد قرروا اللجوء إلى هوسهم المعروف بـ "إيقاف الريح على حد السكاكين": توجيه ضربة إلى سوريا على أمل أن ترد بقوة من شأنها أن تجبر الناتو والولايات المتحدة على التدخل... وبالتالي ـ وفق ما يزينه الظن البائس ـ على إعادة الأمور إلى نصابها المشتهى من قبل تل أبيب. لكن مسعاهم باء بالفشل على جبهتين:

جبهة سوريا التي لا تتعامل بلغة ردود الأفعال، ولا يمكنها أن تسمح لتطور يفتعله صهاينة الخارج أن يلحق الضرر بمسيرتها نحو النصر على أدواتهم من صهاينة الداخل. لكن سوريا سترد بالتأكيد، وردها لن يكون لمجرد الرد أو لشفاء الغيظ، لأنه سيكون متكاملاً مع فعل التحرير والحل النهائي القريب.

وجبهة الغرب الإمبريالي: رغم كل التهويلات بتدخلات لتفادي ما يسمى بالخطر الكيميائي، وإدراكاً منه لعجزه عن أن يفعل بسوريا ما فعله في ليبيا، سارع حلف الناتو على لسان أمينه العام إلى التأكيد بأن الحلف لا يمتلك معلومات عن امتلاك سوريا لأسلحة كيميائية. ما يعني أن الغرب لم يعد في وضع يسمح له بتقديم الانتصارات والخدمات للكيان الصهيوني لا على طبق من ذهب أو أي نوع آخر من الأطباق.
2013-02-07