ارشيف من :آراء وتحليلات
النجيفي وقطر والجزيرة !!

كان من الطبيعي جداً ان تثير زيارة رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي لدولة قطر ردود أفعال ومواقف أغلبها غاضبة ومستنكرة ومستهجنة، وربما جاءت أغلب ردود الافعال والمواقف من خصومه، وهذا أمر طبيعي جداً في خضم احتقانات سياسية حادة تشهدها الساحة العراقية منذ عدة شهور، وبدرجة اكبر من الفترات والمراحل السابقة.
بيد ان النظرة الموضوعية لما طرح، بعيداً عن التشنجات والانفعالات المنطلقة من حسابات سياسية ـ حزبية ضيقة، تؤكد ان الملاحظات والمؤاخذات والتحفظات والاعتراضات على الزيارة كانت في محلها، إن لم يكن بالكامل، فبمقدار كبير جدا.
ومن بين الملاحظات والمؤاخذات على زيارة النجيفي الى قطر:
ـ ان قطر كشفت خلال الأشهر الماضية عن توجهات سياسية خطيرة حيال العراق، وخصوصا عندما تصاعدت حدة الأزمة بين بعض الفرقاء السياسيين، وساهم اصطفافها الى جانب بعض الأطراف في صب المزيد من الزيت على النار، ولم يكن خافيا على الكثيرين أنها تبنت بقوة مع تركيا وأطراف إقليمية أخرى إسقاط الحكومة الحالية من منطلقات طائفية، وأنها حرضت الاكراد على بغداد، وأنها دعمت المتظاهرين في المناطق الغربية، لا من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة، ولكن لإضعاف الحكومة ومن ثم اسقاطها، كما فعلت في تعاطيها مع الملف السوري.

بحسب ما تم تداوله في وسائل الاعلام والمحافل السياسية، فإن زيارة النجيفي لقطر لم تكن بناءً على دعوة رسمية وجهت له من قبل الحكومة القطرية او من قبل نظيره القطري، وإنما بناءً على دعوة من قناة الجزيرة لتسجيل حوار ضمن برنامج "بلا حدود"، وبالفعل تم بث البرنامج مساء يوم الخميس الماضي، الرابع عشر من شهر شباط/فبراير الجاري، وهنا يرى البعض ـ وربما الكثيرون ـ ان ذهاب عضو برلمان عادي، او مسؤول بمستوى معين الى أي دولة من أجل التحدث عبر قناة تلفزيونية هو امر طبيعي، لكن ان يذهب شخص يشغل موقعاً متقدماً في الدولة، من خلال ترؤسه احدى السلطات العليا الثلاث، فهذا غير مقبول ولا مستساغ.
ولعله "كان الاولى ـ كما قال احد الساسة ـ ان تأتي قناة الجزيرة الى بغداد لإجراء الحوار مع النجيفي لا أن يذهب هو بعنوانه الرسمي الى هناك"، كما يذهب أي شخص لا عنوان رسمياً له يسعى الى الاقامة في فندق خمس نجوم، والحصول على مبلغ مناسب من المال!.
ـ وأكثر من ذلك فإن النجيفي تحدث لقناة الجزيرة بأسلوب فيه من التحريض وقلب الحقائق والتهجم على الدولة الشيء الكثير، مما لا يتناسب ولا ينسجم مع الموقع المتقدم الذي يشغله، ومن بين ما قاله في برنامج "بلا حدود"... "ان هناك احباطاً سُنّياً في العراق، واذا لم يعالج سريعاً، فقد يفكر السنة بالانفصال أو على الأقل تأسيس اقليم، وإن سُنّة العراق يشعرون بالتهميش وبأنهم مواطنون من الدرجة الثانية".

ودعا الى "تحديد طائفة كل عراقي في التعداد السكاني المقبل، لاعادة التوازن المفقود في البلاد، حيث ان نسبة الشيعة والسُنة متعادلة في العراق، وربما يكون عدد السُنة أكثر"! واتهم النجيفي رئيس الوزراء نوري المالكي بأنه "ينتهج نهجا ديكتاتوريا". واعتبر "ان نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي قد تعرض لظلم كبير"، علما ان عناصر من افراد حمايته ومنتسبي مكتبه اعترفوا بضلوعه بتنفيذ عمليات ارهابية عديدة!.
وتحدث رئيس مجلس النواب كثيرا، ولم يقترب في حديثه من منهج التهدئة والسعي لاحتواء الازمات والحؤول دون اتساع نطاقها.
ومن قال إن تصريحات النجيفي "حملت نبرة طائفية مقيتة ورغبات فئوية ممجوجة، فضلا عن تناغمها مع أجندات دول خارجية واقليمية وأطراف محلية تسعى الى تفتيت وحدة العراق أرضا وشعبا" كان مصيبا الى حد كبير.
ومن قال "ان كلام النجيفي في البرنامج الحواري يتماهى مع مشروع خبيث يهدف الى تقسيم العراق الى ثلاث دويلات على أساس مذهبي وعرقي"، لم يبالغ ولم يهول كثيرا.
تجدر الاشارة الى ان رئيس مجلس النواب كان قد أدلى بتصريحات مشابهة لما قاله عبر قناة الجزيرة خلال زيارته للولايات المتحدة الاميركية في صيف عام 2011.

ـ زيارة النجيفي لقطر وما تحدث به لـ"الجزيرة" جاءا في خضم تصاعد تفاعلات احداث المحافظات الغربية، حيث الخطاب الطائفي المتشنج لبعض الشخصيات السياسية والدينية السنية، والدعوات للموظفين الحكوميين من كل المستويات في الرمادي لترك دوائرهم، وإلا فإنهم سيتعرضون للعقاب، والمطالبة بإسقاط الحكومة، والتلويح بإعلان الاقليم السني، إضافة الى تصاعد العنف والارهاب من خلال سلسلة العمليات الإرهابية التي وقعت في العاصمة بغداد يوم الاحد، والتي اعلن ما يسمى بـ"دولة العراق الاسلامية" التابع لتنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، في بيان له قال فيه ان هدفه "الثأر من الجرائم المرتكبة من الحكومة التي يترأسها الشيعة"!.
ومن دون شك فإن أي خطاب ذي منحى تصعيدي وتحريضي لا بد ان تكون له انعكاسات وآثار سلبية على الأوضاع السياسية والامنية في البلاد، ومن غير الممكن قراءة أبعاد ودلالات سلسلة العمليات الارهابية والاغتيالات التي طالت مؤخراً مسؤولين في الدولة ورجال دين بمعزل عما يطرح من خطاب تأزيم في تجمعات المتظاهرين وعبر شاشات بعض القنوات الفضائية والمنابر السياسية، ولا جدال بأن تحرك النجيفي الأخير وكلامه يأتيان ضمن خطاب التأزيم الذي في حال استمراره سيدفع الى المزيد من التدهور والتفكك والتشظي، وتضييع أي فرص متاحة لتحقيق انفراجات والتوصل الى حلول.