ارشيف من :آراء وتحليلات

الجبالي يرفض رئاسة الحكومة

الجبالي يرفض رئاسة الحكومة
حصل ما كان يخشاه كثير من التونسيين، بعد اعتذار حمادي الجبالي رئيس الحكومة المستقيل عن إعادة ترشيحه لتشكيل حكومة جديدة. فالجبالي الذي خبر الحكم بدا أنه مصر على تشكيل حكومة من التكنوقراط دون سواهم ولم يقبل بـ"حلول" الوسط التي توافقت عليها أغلب التيارات السياسية.

لقد رفضت حركة "النهضة" مبادرة أمينها العام كما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يرأسه المرزوقي. فيما باركتها قوى المعارضة كحل توافقي قد يرضي جميع الأطراف ويساهم في إنقاذ البلاد من الأزمتين السياسية والاقتصادية التي تمر بهما.

الصقور والحمائم

ويبدو من خلال مجريات الأحداث أن ما يسمى بـ"معسكر الصقور" داخل حركة النهضة الذي يقوده رئيس الحركة راشد الغنوشي أقوى بكثير من "معسكر الحمائم" بزعامة رئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي. فالغنوشي وجماعته نجحوا في إقناع قواعدهم بأن حكومة التكنوقراط التي اقترحها الجبالي هي انقلاب على الشرعية، وأنها ضرب للإسلام في تونس. وقد تجلى ذلك من خلال الشعارات التي رفعت خلال مظاهرة نظمتها الحركة يوم السبت الماضي من بينها "شعب مسلم لن يستسلم" و"حكومة التكنوقراط انقلاب على الشرعية"، وشعارات أخرى تخوّن المعارضة والإعلام.

الجبالي يرفض رئاسة الحكومة

ورغم أن أعداد المتظاهرين لم تكن كبيرة، برغم أن الحركة دعت إلى مليونية على غرار تلك الجماهير الغفيرة التي حضرت جنازة شكري بلعيد، فإن الرسالة قد وصلت إلى التونسيين. وتتمثل في إصرار الغنوشي على مواجهة قوى المعارضة. وأن مبادرة حكومة التكنوقراط مجهضة لا محالة، وأن حركة النهضة سائرة نحو الصدام مع قوى المعارضة ونحو المزيد من "الراديكالية" بعد سيطرة المتشددين على القرار داخلها.

رئيس الحكومة الجديد

لقد رفض الجبالي إعادة ترشيحه لرئاسة الحكومة الجديدة، بحجة أن هذه الحكومة ستكون نسخة عن الأولى سواء من حيث الأحزاب التي ستشارك فيها أو من حيث برامجها. وبالتالي فقد توقع الجبالي أن يكون مصير هذه الحكومة هو الفشل على غرار سابقتها. وبالتالي فإن الجبالي الذي اعتذر أمس للشعب التونسي عن التقصير في سابقة لم يعرف لها التونسيون مثيلا، واعترف بفشل فريقه الحكومي وتحمل المسؤولية كرجل دولة حقيقي، بدا وكأنه لا يرغب في تحمل مسؤولية فشل جديد وترك للتونسيين وللتاريخ مهمة تقويم أدائه.

وتفيد الأنباء المسربة من اجتماع مجلس شورى حركة "النهضة" أن هناك أربعة أسماء مرشحة لخلافة الجبالي وهي: نور الدين البحيري وزير العدل وعبد اللطيف المكي وزير الصحة ومحمد بن سالم وزير الفلاحة ووزير الداخلية علي العريض. لكن يبدو أن البحيري هو الأقرب إذا لم يتدخل رئيس الحركة راشد الغنوشي ويفرض غيره من بين الأربعة المشار إليهم والذين عرف عنهم قربهم من الغنوشي.

تعمق الأزمة

ما حدث في تونس خلال اليومين الماضيين، اعتبره أغلب المراقبين مؤشرا على تعمق الأزمة عوض السير بها نحو الانفراج. فالمعارضة وجماهيرها التي ظهرت إثر اغتيال شكري بلعيد وفاقت المليون ونصف المليون لن تقبل بعودة الأمور كما كانت قبل اغتيال بلعيد. وحركة "النهضة" في المقابل لن تتنازل عن الحكم رغم أنها انتخبت لتحكم سنة واحدة لا أكثر، وهي المدة التي تم الاتفاق عليها للمرحلة الانتقالية الثانية. وتم تجاوز أجل السنة ولم يكتب الدستور ولم يتم تحديد موعد للانتخابات القادمة. ما جعل جهات عديدة تتهم الحركة بمحاولة تأبيد حكمها للبلاد.

الجبالي يرفض رئاسة الحكومة

ويتوقع أغلب الخبراء والمحللين أن ترفض الأحزاب السياسية الانخراط في حكومة النهضة الجديدة ما عدا حزب الرئيس المرزوقي الذي فقد جماهيريته ولم يعد ذا وزن في الشارع التونسي. كما يتوقع أن تعود المواجهات إلى الشارع المحتقن الذي تحركه المطالب الاجتماعية. كما يتوقع أيضا أن يعود الاتحاد العام التونسي للشغل إلى دعواته إلى الإضراب وتجييش الجماهير احتجاجا على سياسات الحكومة، وهو ما قد يدخل البلاد في نفق مظلم ما قد يدفع الجيش إلى التدخل، وهذا "كابوس" تخشاه القوى الديمقراطية التي ترغب باستمرار في تحييد المؤسسة العسكرية وإبعادها عن الحياة السياسية.

الإقتصاد في البال

كل هذه العوامل ستؤثر سلبا على الاقتصاد التونسي الذي يواجه الكثير من الصعوبات منذ اندلاع شرارة الثورة وفرار زين العابدين بن علي. وذلك بفعل عدم الاستقرار وفشل الحكومة المنتخبة في إدارة شؤون البلاد ولهفة حكام تونس الجدد ـ باستثناء الجبالي ـ على السلطة والجاه. وكذلك بفعل كثرة الإضرابات التي تشل المؤسسات وتعيقها عن الإنتاج، وذلك بفعل عجز الحكومة عن إدارة حوار مع منظمة الشغيلة (الاتحاد العام التونسي للشغل) والجنوح إلى الصراع معها وتأليب أنصارها للاعتداء على مقراتها.

وسيساهم التصنيف الجديد لوكالة التصنيف الائتماني ستاندار آند بورز في تعمق الأزمة الاقتصادية. فبعد أن خفضت هذه الوكالة في وقت سابق تصنيف تونس نقطتين زادت وخفضته نقطة إضافية منذ أيام معدودات بعد اغتيال شكري بلعيد. حيث كانت البلاد قبل الثورة تصنف من قبل هذه الوكالة مع إيطاليا وإسبانيا في ذات المستوى فأصبحت بعد التصنيف الأخير في مرتبة سيريلانكا وبعض البلدان المتخلفة في القارة السمراء، وهو أمر يبعث بالفعل على الحيرة والقلق لدى أغلب خبراء الاقتصاد في البلاد الذين نبهوا إلى هذا الأمر منذ استقالة وزير المالية حسين الديماسي احتجاجا على السياسات الاقتصادية للحكومة.

2013-03-03