ارشيف من :آراء وتحليلات
أوروبا تغرق في البطالة والاحتجاجات الشعبية تتصاعد

تتعرض أوروبا في السنوات الأخيرة لأزمة مالية واقتصادية لم يسبق أن تعرضت لها منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وبالرغم من كل الجهود المبذولة لا تزال أوروبا تتخبط في الأزمة وذلك، حسب رأي بعض الخبراء، لأن الاتحاد الأوروبي والحكومات تنحو نحو حلول "الاقتصاد الوهمي" وغير الانتاجي، اي نحو "الحلول المالية" المتمثلة في زيادة السيولة للبنوك والحكومات، عن طريق خفض الفائدة الأساسية (احيانا حتى الصفر)، وابتداع اشكال جديدة لزيادة الدين العام كبديل عن طباعة العملة، ورفع مستويات العجز في ميزانيات الدول، من جهة، ومن جهة ثانية: زيادة التضخم وزيادة أكلاف المعيشة وتشديد التقشف وتقليص الانفاق العام وخصوصا الإنفاق على الضمانات الاجتماعية والصحية. والنتيجة المباشرة لهذه السياسة المالية - اللااجتماعية واللاإنتاجية - هي تفاقم البطالة. وقد "بشّرت" المفوضية الأوروبية التابعة للاتحاد الاوروبي "شعوبها" بأن ملايين الاوروبيين في منطقة اليورو سوف يقفون وجها لوجه أمام البطالة التي ستبلغ نسبة قياسية سنة 2013، حيث ان ملايين الأوروبيين سينضمون الى فئة العاطلين من العمل اضافة الى الملايين الذين سبقوهم.
وتقول وكالة الانباء الفرنسية ان المفوضية الأوروبية تتوقع ان نسبة البطالة في منطقة اليورو ستزيد هذه السنة عن 12%. وهي تستند في ذلك الى احصاءات مختلف المؤسسات الاوروبية. في سنة 2012 بلغ مستوى البطالة في منطقة اليورو 4.11% من السكان القادرين على العمل. وتتوقع المفوضية الأوروبية ان نسبة البطالة هذه السنة سترتفع الى 2.12% ثم ستستقر سنة 2014 عند حدود 1.12%. وهذا يعني ان عدد العاطلين من العمل سيبلغ 20 مليون نسمة. اما في اسبانيا واليونان فستزيد النسبة عن 25%. وتتوقع المفوضية الاوروبية ان الاقتصاد في منطقة اليورو سيواصل في 2013 المراوحة في حالة الركود. وسينكمش الناتج الداخلي القائم في منطقة اليورو بنسبة 3.0% سنة 2013 وكان قد انكمش بنسبة 6.0% السنة الماضية، كما تقول المفوضية الاوروبية. وتقول وكالة الصحافة الفرنسية ان التوقعات حتى شتاء سنة 2014 هي ان منطقة اليورو لن تعود الى النمو.

كما يحذر خبراء الامم المتحدة من ان الاقتصاد العالمي سنة 2013 سيكون ضعيفا جدا وغير قادر على انقاذ الكثير من البلدان من ازمة البطالة. وان الحكومات اذا استمرت في انتهاج سياستها الحالية، فإن بلدان اوروبا وأميركا ستحتاج الى ما لا يقل عن خمس سنوات كي تعود الى مستوى الشّغالة لما قبل ازمة 2008 ـ 2009. وهذا ما جاء في التقرير المعنون "الوضع الاقتصادي في العالم وآفاق سنة 2013" الذي اصدره خبراء مؤسسة (WESP) التابعة لهيئة الامم المتحدة.
"ان ضعف اقتصاد البلدان المتقدمة الكبيرة يكمن في اساس التباطؤ الاقتصادي العالمي. وتعتبر WESP ان غالبية تلك البلدان ولا سيما البلدان الاوروبية، قد وقعت في حلقة مفرغة من البطالة، القطاع المالي الهش، المخاطر المتزايدة على الدول وديونها، التضييقات المالية والنمو المتدني"، كما جاء في التقرير. ويضيف "بسبب دينامية هذه الحلقة المفرغة فإن خطر حدوث سيناريو اسوأ بكثير يبقى خطرا عاليا، ويمكن ان يقع بفعل المزيد من التضييقات الشديدة على النفقات وإبطاء اللجوء الى الاصلاحات".
ويعتبر خبراء الامم المتحدة انه آن الأوان للانتقال من الاجراءات المؤلمة القصيرة الأجل من أجل تخفيض النفقات والتركيز على السياسات المتوسطة والطويلة الأجل لتحقيق الاستقرار المالي. ومع تطبيق إعادة التوجيه هذه، بما في ذلك الاصلاحات الهيكلية في القطاع المالي، يتوجب ان يتم التعاون على المستوى الدولي طبقا للسياسات البنيوية من أجل إيجاد وظائف العمل للناس ودعم ما يسمى النمو الاخضر.
هذا وقد خرج مئات آلاف الاسبانيين للمشاركة في التظاهرات استنكارا لتقليص انفاقات الدولة والوضع السياسي الراهن في البلاد. وقد جرت أكبر مظاهرة في العاصمة مدريد.
وكما أذاعت وكالة ريا نوفوستي الروسية، فإن المشاركين في المظاهرات عبروا ليس فقط عن الاحتجاج على اجراءات التقشف الشديدة، بل وكذلك الاحتجاج على فضائح الفساد، التي من المحتمل أنه يتورط فيها ايضا رئيس الوزراء.

وجرت المظاهرات في 80 مدينة في مختلف انحاء البلاد. وكما اوردت وكالة ايتار تاس الروسية، فإن اكبر مظاهرة احتجاج جرت في العاصمة مدريد. وقد سارت اربعة طوابير من المتظاهرين في الشارع المركزي في مدريد، ومن ثم نظم تجمع جماهيري في ساحة نبتون.
"ان اختيار هذا التاريخ ليس عفويا: فقبل 32 سنة نزل الاسبانيون الى الشوارع للدفاع عن الديمقراطية ضد العسكر، والان نحن نناضل ضد استبداد الماليين" ـ هذا ما جاء في بيان منظمة اتحاد "الموجة المدنية"، التي تتولى تنظيم اعمال الاحتجاج.
وفي بلغاريا اضطرت حكومة حزب GERB التي يترأسها الجنرال بويكو بوريسوف الى تقديم استقالتها تحت ضغط المظاهرات الجماهيرية احتجاجا على رفع اسعار الكهرباء والتدفئة. ومع ان بوريسوف حصل على تأييد البرلمان الذي يمثل حزبه الاغلبية فيه، فقد اعلن في البرلمان "لقد وعدت بتقديم استقالة الحكومة. وانا لا اريد المشاركة في عمل الحكومة في الظروف التي يتم فيها الاصطدام بين الشرطة والشعب". وفي رأيه ان حزبه اليميني المسمى GERB "المواطنون لاجل التطور الاوروبي لبلغاريا" لا ينبغي ان يشارك ايضا في حكومة تكنوقراط من اجل اجراء انتخابات جديدة. وقال "ان الدولة بحاجة الى رصيد مصداقية جديد". وكانت قد جرت الاصطدامات بين الشرطة والمتظاهرين يوم الاربعاء الماضي في مدينة صوفيا ووقع 14 جريحا واعتقل 25 شخصا.
كاتب لبناني مستقل