ارشيف من :آراء وتحليلات

المؤتمر الوطني وخارطة الطريق الصحيحة

المؤتمر الوطني وخارطة الطريق الصحيحة
بين الفينة والأخرى ترتفع وتيرة الحديث عن ضرورة عقد مؤتمر أو ملتقى وطني موسع لمختلف القوى الوطنية العراقية، ويرتبط ارتفاع وتيرة الحديث عن ذلك بتصاعد حدة الأزمة، أو الازمات السياسية في البلاد، واتجاه الأمور إلى المزيد من التعقيد والتأزيم.

واليوم، وفي خضم استمرار التظاهرات الاحتجاجية في المناطق الغربية من البلاد، وارتفاع الأصوات المطالبة بإسقاط الحكومة الحالية، وعدم حسم الخلافات بين حكومة المركز وإقليم كردستان، وشلل البرلمان، يعود الحديث مجدداً عن أهمية عقد المؤتمر الوطني، وتنطلق إشارات عن نية رئيس اقليم كردستان إطلاق مبادرة لعقد مثل ذلك المؤتمر في أربيل، بعد عودته من روسيا التي يقوم بزيارة لها حاليا، وتنطلق كذلك دعوات صريحة له بضرورة الإسراع بإطلاق مبادرة بهذا الشأن.

واذا كان انعقاد المؤتمر الوطني أمر مهم وخطوة في الاتجاه الصحيح، فإن الأكثر أهمية من ذلك هو أن تكون الأسس والمنطلقات والأرضيات له صحيحة وقوية ورصينة، بحيث لا يكون مجرد انعقاده هدفا بحد ذاته.

ومفتاح نجاح المؤتمر في حال انعقاده هو التوافق والاتفاق على المبادئ العامة والثوابت الوطنية، أي على القضايا الكلية، وحصر الاختلافات في جزئيات وتفاصيل لا يمكنها ان تعطل وتعرقل التوصل الى حلول للمشاكل والأزمات القائمة.

وفكرة عقد مؤتمر ـ او ملتقى ـ وطني موسع ليست بالجديدة، بل إنها تعود الى ما قبل عامين تقريبا، بعدما تشكلت الحكومة بعملية قيصرية وانطلقت بعملها بصورة متعثرة ومرتبكة بسبب غياب التوافقات والتفاهمات الحقيقية وانعدام الثقة، ولأن تلك الفكرة لم تبصر النور جراء تقاطعات الارادات والاجندات، فإنه من الطبيعي ان تثار الآن جملة تساؤلات وإثارات للإحاطة بمختلف جوانب الموضوع، ومن تلك التساؤلات والاثارات.

المؤتمر الوطني وخارطة الطريق الصحيحة

هل أرضيات ومقدمات عقد المؤتمر باتت في هذه المرحلة مهيأة؟.. هل من الصحيح ان يدعو البارزاني الى المؤتمر وفي اربيل علما أنه يعتبر اليوم أحد اطراف الازمة؟.. من سيحضر من كبار القيادات والزعامات السياسية؟.. في حال عقد المؤتمر، هل ستتمخض عنه نتائج ايجابية ام أنه لن يختلف عن مؤتمرات ولقاءات سابقة؟...

ومن الطبيعي ان تكون المواقف والتوجهات حيال عقد مثل هذا المؤتمر متباينة، فهناك من يشدد على أهمية اجتماع جميع الكتل السياسية على طاولة الحوار من أجل معالجة المشاكل وتنفيذ فقرات ومواد الدستور، وهناك من يرى أن مبادرة البارزاني ليست جديدة وسيكتب لها الفشل، وأن الأخير غير مخول لطرح مبادرة كهذه لأنه على خلاف مع دولة القانون، وهناك من يقول إنه لا توجد مبادرة فعلية، وليس في نية رئيس إقليم كردستان طرح أية مبادرة، بل إن هناك مطالب من بعض القوى السياسية لعقد مؤتمر موسع، وهي ترى أن البارزاني هو افضل طرف يمكن أن يجمع الفرقاء، لا سيما بعد حصول حلحلة وانفراج في العلاقات بين الأكراد والمالكي بعد ارساله وفدا الى اربيل برئاسة مدير مكتبه السابق طارق نجم وعضوية القياديين في حزب الدعوة الشيخ عبد الحليم الزهيري وحسن السنيد، والقيادي في كتائب حزب الله أبو مهدي المهندس، وأشخاص اخرين.

وتنقل مصادر اعلامية عن شخصيات سياسية في التحالف الكردستاني قولها "ان اللقاءات الأخيرة بين عدد من الوفود العراقية، وبينها وفد كتلة دولة القانون والقائمة العراقية والتيار الصدري، مع قيادة الإقليم، أسفرت عن التوصل إلى إجماع على ضرورة عقد المؤتمر، وفي الجانب الكردي أسفر اجتماع بارزاني مع الأطراف السياسية عن إجماع على ضرورة الخروج من هذه الأزمة، وبذل أقصى الجهود لحلها عبر الحوار الوطني".

المؤتمر الوطني وخارطة الطريق الصحيحة

وترى اطراف أخرى أنه ليس المهم مكان عقد اللقاء، ولا هوية الجهة التي تدعو اليه وتتبناه، بل المهم هو مضمون هذا اللقاء وما سيتم خلاله من حل للخلافات واحتواء الأزمات. ولعله من خلال مجمل المواقف والتوجهات المعلنة تتمثل صورة المشهد المتعلق بالمؤتمر الوطني بما يلي:

ـ طرف يسعى الى عقد المؤتمر انطلاقا من حسابات داخلية، وارتباطا بضغوط خارجية، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحديدا رئيسه البارزاني.

ـ طرف يسعى الى عقد المؤتمر لانه يبحث عن متنفس له بسبب المشاكل والأزمات والضغوط التي تحيط به، وهو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.

ـ طرف يرى ان طرح مبادرة جديدة وعقد مؤتمر آخر سواء من قبل البارزاني أو أي جهة أخرى لن يأتي بجديد ولن يغير شيئا، وهذا الطرف يتمثل بالقائمة العراقية، وهذه الرؤية يتبناها أيضا تيار الاصلاح الوطني بزعامة الجعفري، الذي تصدى في الاونة الأخيرة لعقد الملتقى الوطني في مقر التحالف الوطني الذي يتزعمه.

ـ اطراف عديدة ـ وان كانت لا تعول كثيرا على النتائج ـ الا انها ترى ان مجرد اللقاء بين اطراف مختلفة بشأن جملة من القضايا والملفات يمكن ان يحلحل بعض العقد، ويكسر بعض الحواجز.

بعبارة اخرى يمكن القول إنه رغم وجود توجه عام داعم بنسب متفاوتة لعقد المؤتمر الوطني، الا ان المنطلقات والدوافع لكل طرف تختلف عن منطلقات ودوافع الاطراف الاخرى، وهذا يعني ان الفرقاء ما زالوا بعيدين عن بعضهم البعض، وان اجواء عدم الثقة هي التي تهيمن على المشهد السياسي العراقي، فالقائمة العراقية ومعها جزء من التحالف الوطني والتيار الصدري وربما اطراف اخرى يسعون الى ان يطرحوا في المؤتمر قضية سحب الثقة من الحكومة، والبحث عن بديل للمالكي، وائتلاف دولة القانون يعتبر اسقاط المالكي خطا احمر، وهو يريد من المؤتمر ان يخرج بمواقف تدعم الحكومة، ويحاول ان يخفف من حدة الموقف الكردي، وإرسال وفد من قبل المالكي مؤخرا الى الاقليم مثّل خطوة بهذا الاتجاه.

المؤتمر الوطني وخارطة الطريق الصحيحة

والمرجح ان المالكي لن يحضر المؤتمر، وربما زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لن يحضر هو الآخر بل يمكن ان يوفد ممثلا عنه، وكذلك رئيس المجلس الاعلى الاسلامي السيد عمار الحكيم، وهذا يعني ان الحضور الشيعي في المؤتمر لن يكون بأعلى مستوياته، مقارنة بالحضور الكردي والحضور السني، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان اياد علاوي بحضوره لا يمثل الحالة الشيعية، بقدر ما يمثل الحالة السنية من خلال اطارها العام المتمثل بالقائمة العراقية.

وعليه من المستبعد جدا ان يخرج المؤتمر بنتائج ايجابية، وربما لن يكون سوى اجترار لمؤتمرات ولقاءات سابقة، لا سيما ان الجهة الداعية والراعية له هي خصم وطرف اساس في الصراع والازمة. وهنا يطرح التساؤل الذي طالما يثار، وخصوصا مع تصاعد حدة الازمات وتفاقمها، ألا وهو: ما هو الحل اذاً.

يجيب البعض ممن لديهم اطلاع وإحاطة بمجمل ما يجري خلف الكواليس، ان الحل الواقعي والحقيقي للأزمة العراقية لا يأتي من خلال مؤتمر او ملتقى يطغى عليه الطابع الدعائي والاعلامي، ويكون فرصة للمزايدات السياسية بين الاطراف المتصارعة، وانما لا بد من تهيئة ارضيات ومناخات مناسبة عبر حوار هادئ وجدي بعيدا عن وسائل الاعلام، يتبناه تيار وطني محايد لا يكون هو من بين اطراف الصراع، ويصار فيه الى تفكيك المشكلات وتبويبها وتصنيفها الى اساسية وثانوية، وطرحها بحسب الاولويات، والالتزام بما تم ابرامه من اتفاقيات سابقة وعدم التنصل منها، والاحتكام الى الدستور في كل المسائل، واذا كان هناك غموض في البعض منها فيكون المرجع حينذاك الجهات القضائية ـ الدستورية، وكذلك الاستفادة من تدخل بعض الاطراف الاقليمية والدولية التي يمكن ان تساهم في تقريب وجهات النظر، من دون ان يكون لها سلطة فرض املاءات وحلول على اصحاب الشأن.
انها خارطة طريق تبدو صحيحة، بيد انها في ظل المناخ السائد عسيرة التطبيق على ارض الواقع.

2013-02-26