ارشيف من :آراء وتحليلات
تونس : جدل حول ترؤس علي العريض للحكومة الجديدة

أثار اختيار علي العريض من قبل حركة النهضة لرئاسة الحكومة التونسية المقبلة، ردود فعل غاضبة وصلت إلى حد نزول الناس إلى الشارع يوم السبت الماضي للتظاهر أمام مقر وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة، ما يدل لدى أغلب الخبراء والمحللين على أن الأوضاع لن تعرف الاستقرار في أرض الخضراء على المدى القريب، وأن الاحتقان سيبقى الغالب على المشهد السياسي في بلاد القرطاجيين.
إخفاقات
ويرى أغلب المعترضين على تكليف العريض، أن الأخير كان من المفروض أن يستقيل ويغادر الحياة السياسية نظراً لإخفاقاته على رأس وزارة الداخلية التي نال حقيبتها في حكومة الجبالي المستقيلة، لا أن تتم ترقيته ليصبح رئيسا للحكومة! فلم تنس المعارضة لعلي العريض قمعه لتظاهراتها يوم 9 أبريل/ نيسان من السنة الماضية حين نزل جمهورها إلى قلب العاصمة للاحتفال بذكرى شهداء معركة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي. وكذا عجزه عن الحيلولة دون انتشار السلاح المهرب من ليبيا إلى الأراضي التونسية، والذي تم اكتشاف كميات هائلة منه في مخازن بضواحي العاصمة، وهو سلاح ثقيل مخصص لكبرى الحروب ما أثار الهلع في صفوف المواطنين.

المعارضة تأخذ على العريض انه فشل بمهامه كوزير للداخلية
كما تعيب المعارضة وجمهورها على رئيس الحكومة المكلف، وزير الداخلية السابق عجزه عن حماية اجتماعاتها الشعبية واجتماعات اتحاد الشغل من عنف "رابطات حماية الثورة" التي يصفها البعض بأنها "الذراع العنيفة لحركة النهضة". كما يعيبون عليه عجزه عن حماية ضرائح "الأولياء الصالحين" من الحرق، وهي ظاهرة انتشرت في تونس وتعرض لها موقع "العهد" في تحليل سابق. كما يبدو من خلال مظاهرات السبت الماضي أن الجماهير لم تنس لوزير داخليتها السابق رشه لأهالي سليانة برصاص محرم دوليا يشوه أجساد المتظاهرين المنتفضين على غلاء المعيشة الذي لم تعرفه تونس حتى في عهود الديكتاتورية.
شكري بلعيد
ولعل أشد ما يعاب على علي العريض ـ بحسب الكثيرين ـ هو عجزه عن حماية شكري بلعيد من الاغتيال. فالأخير اتصل بوزارة الداخلية وأعلمها بتلقيه تهديدات بالقتل، لكنها لم تعر هذه التهديدات اهتماما، ولم توفر له الحماية اللازمة. وهو ما أكدته عائلة الشهيد وكذا بلعيد نفسه قبيل اغتياله بأيام معدودة. ويشار إلى أن العلاقة كانت جدا متوترة بين رئيس الحكومة المكلف والأمين العام السابق للجبهة الشعبية اليسارية، فبلعيد كان من أشد المنتقدين لأداء وزارة الداخلية التي كان علي العريض على رأسها. والعريض كثيرا ما ذكر في تصريحاته شكري بلعيد بالاسم واتهمه إلى جانب قيادات من حركة النهضة بأنه يقف وراء الاحتجاجات ضد الحكومة في عدد من المدن التونسية.

ويشار إلى ان التحقيقات في عملية اغتيال شكري بلعيد أسفرت عن القبض على شريكين للقاتل الذي ما زال فاراً، أحدهما من كان يقود الدراجة النارية التي تمكن الفاعل الأصلي من الهروب على متنها. وينتمي المشتبه بهم إلى التيار السلفي الجهادي الذي يكفّر اليساريين من أمثال شكري بلعيد. وتذهب بعض التحليلات إلى أن "النهضة" والسلفيين واحد، فبعض قيادات النهضة على غرار الشيخين الحبيب اللوز والصادق شورو وهما سلفيان وعلى علاقة وطيدة بـ"أبي عياض" زعيم التيار السلفي الجهادي في تونس. وبالتالي فإن الرأي العام في تونس يطالب وبشدة بإماطة اللثام عمن أعطى الأوامر بالاغتيال وليس فقط عمن نفذه، كما ارتفعت أصوات مطالبة بالكشف عما قيل إنه جهاز موازٍ داخل وزارة الداخلية تابع لحركة "النهضة" يتولى مهمة تدريب عناصر على استعمال السلاح ويتنصت على مكالمات الأطراف المعارضة.
مشاورات
ويواصل العريض مشاوراته مع الأحزاب السياسية لتشكيل حكومته التي رفضت أقطاب المعارضة المشاركة فيها. وسيقتصر التمثيل داخلها على الترويكا (حركة النهضة، حزب التكتل من أجل العمل والحريات، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحركة وفاء المنشقة عنه)، وبعض الأحزاب الصغيرة التي لا وزن لها على غرار حزب "الأمان" وهو حزب ذو مرجعية إسلامية تقرّب كثيرا من حركة "النهضة" في الآونة الأخيرة. وتفيد الأنباء المسربة من اجتماعات العريض بأن عددا من الوزراء من الحكومة السابقة سيحافظون على حقائبهم على غرار وزيرة المرأة والأسرة سهام بادي المنتمية إلى حزب "المؤتمر"، وشاركت في مظاهرات حركة النهضة في الآونة الأخيرة، ووزير التشغيل عبد الوهاب معطر، الذي طالب التونسيين بالهجرة إلى ليبيا للعمل.
وتتضارب الأنباء بشأن وزارات السيادة. فهناك من يتحدث عن استجابة حركة النهضة لمطالب المعارضة بتحييدها جميعا، وهناك من يتحدث عن استثناء في تحييد هذه الوزارات يتعلق بوزارة الداخلية التي قد تمنح الحركة حقيبتها لأحد "صقورها" المتشددين وزير الفلاحة السابق محمد بن سالم. وفي كل الحالات سواء احتفظت النهضة بالداخلية أو لم تحتفظ بها، فإن وزارة العدل سيكون على رأسها قاضٍ مستقل وليس محاميا على غرار ما كان سائدا في السابق باعتبار أن أغلب المحامين التونسيين متحزبين. كما إن الخارجية من المرجح أن تؤول إلى واحد من أبناء الوزارة من الديبلوماسيين المتمرسين. أما وزارة الدفاع فهي محيدة منذ حكومة قائد السبسي حيث يشغل هذه الحقيبة عبد الكريم الزبيدي المقرب من قائد الجيش رشيد عمار، ومن المرجح أن يواصل الزبيدي مهامه على رأسها.