ارشيف من :آراء وتحليلات
لهذه الاسباب ترفض "اسرائيل" اي اتفاق غربي مع ايران

"مضيعة للوقت"، هي الجامع المشترك ما بين التصريحات والتحليلات "الاسرائيلية"، حيال المفاوضات بين الدول الست الكبرى وايران، حول برنامج طهران النووي. ورغم الانباء الواردة عن المتفاوضين من كازاخستان، حول بوادر وإشارات ايجابية ظهرت من المواقف التي اطلقها المفاوض الايراني، وأيضا مفاوضيه من الغربيين، الا ان "المعزوفة الاسرائيلية" على حالها: مضيعة للوقت.
والخلاف ما بين الغرب و"اسرائيل"، حيال ايران، لا يتعلق فقط بالبرنامج النووي الايراني وكيفية مواجهته، بل يمتد وصولا الى اصل التهديد الذي تراه تل ابيب ماثلا امامها، بمناسبة النووي الايراني، وتلوح لها فرصة مواجهته، إن لم يكن باتجاه اجتثاثه بالكامل، فعلى الاقل الحد منه. الخلاف يتعلق بوجود النظام الاسلامي في ايران، اما الملف النووي، فليس إلا وجها من وجوه التهديد، وتعبيراً عنه.
من هنا يمكن فهم الخلافات المعلن عنها ما بين المقاربتين، الغربية و"الاسرائيلية"، اذ لا تكتفي تل ابيب بوضع عراقيل امام البرنامج النووي الايراني، بل ولا تكتفي بأي تسوية تؤمّن مسألة عدم تخطي طهران كونها "دولة عتبة نووية"، وستواصل السعي نحو مزيد من الضغوط، لان الخلاف يتعلق بأصل التهديد، وليس بانعكاساته، وهو النظام الاسلامي الايراني.
على هذه الخلفية، يمكن فهم المواقف "الاسرائيلية" التي جرى الاعلان عنها قبل بدء المفاوضات، وفي خلالها، وفي اعقابها. مع بدء المفاوضات الاخيرة، أكد الرئيس المؤقت للجنة الخارجية والامن في الكنيست "الاسرائيلي"، افيغدور ليبرمان، ان إسرائيل تعي أن إيران تمارس أساليب المماطلة والتسويف في الوقت الذي تواصل به تقدمها السريع للحصول على قدرات نووية عسكرية. وأضاف أنه يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن العقوبات بحد ذاتها لن تثني طهران عن التخلي عن طموحاتها النووية.. وفي موازاة ذلك، سارع الاعلام المدعوم من اسرائيل، الى الحديث عن منشأة اراك النووية، باعتبارها المنشأة التي تطور ايران فيها سلاحا نوويا، الامر الذي من شأنه ان يحرف اتجاه المفاوضات الجارية، من منشأة فوردو بالقرب من طهران، المحل الذي ينصبّ فيه الاهتمام الغربي ويتضمنه عرضهم الاخير على ايران، كنوع من المقايضة ما بين توقف التخصيب في مستوى عشرين بالمئة في هذه المنشأة، وبين العقوبات المفروضة على ايران.
وعلى نفس الخلفية، يمكن فهم التحذيرات التي اطلقها رئيس حكومة "اسرائيل"، بنيامين نتنياهو، بعد الانباء عن اجهزة طرد ايرانية جديدة، اكثر تطورا وقدرة عن سابقاتها، اذ اكد امام وفد اميركي ان "برنامج الاسلحة النووية لدى إيران مستمر بلا هوادة، وصحيح انهم لم يعبروا الخط (الاحمر) الذي وضعته في الامم المتحدة، الا ان ما يقومون به، هو تقصير الوقت الذي يحتاجون اليه لعبور ذلك الخط، والطريقة التي يفعلون بها ذلك هي وضع أجهزة جديدة للطرد المركزي أكثر سرعة تقلل الوقت بمقدار الثلث"، داعيا الى التلويح بشكل جدي، بالخيارات العسكرية.


في ذلك، وبناءً عليه، لا بد من الاشارة الى النقاط التالية:
الاصل في المقاربة "الاسرائيلية" للمسألة النووية الايرانية، هو ضرورة تفعيل الخيارات العسكرية، والعمل الحثيث على دفع الغرب للقيام بهذه الخيارات، ما دام ان القدرة الاسرائيلية محدودة ومقلصة في هذا المجال. اما اي خيار ضغط اخر على النظام الاسلامي في طهران، فيجب ان يؤدي الى نفس المفاعيل والتداعيات للخيارات العسكرية نفسها: اسقاط الجمهورية الاسلامية الايرانية. ومن هنا، فان الحديث الاسرائيلي عن التهديد النووي الايراني، ليس الا مطية، رغم اهميته القصوى كتهديد للأمن القومي الاسرائيلي، وصولا الى غاية اكبر وأشمل وأكثر طموحا.
تدرك تل ابيب جيدا بأن لا قرار ايرانيا بتطوير اسلحة نووية، وبالتالي فان اي تسوية تريح الايرانيين، وترفع مستوى العقوبات عنهم، فستكون خطوة غربية من دون مقابل، في اطار المساعي والطموحات الاسرائيلية الاساسية ضد ايران، وبالتالي فان خطوة رفع العقوبات ربطا بالقنبلة النووية غير الموجودة اساسا، هي خطوة مجانية ولا تخدم المصلحة الاسرائيلية.
من هنا، الاتفاق مع الغرب، ما دون القنبلة، يعني الابقاء على المكاسب الايرانية على حالها: دولة عتبة نووية. وعلى هذه الخلفية، سترى تل ابيب انها ستفقد مع اي تسوية، رافعة ضغط على النظام في طهران، ليس باتجاه القنبلة النووية نفسها وحسب، بل وباتجاه الدفع نحو صيرورة وتداعيات داخلية على خلفية العقوبات وما يمكنها ان تتسبب به من مشكلات داخلية تأملها.
ضمن هذه الرؤية، لن ترضى تل ابيب بأي تسوية قد يتوصل اليها المفاوضون، سواء في الجولة الحالية في كازاخستان، او في الجولة المقبلة في تركيا، وسواء رضي بها الطرفان وحققت ما كانا يطمحان اليه، ام لا. بالنسبة لاسرائيل، العقوبات المفعّلة ضد ايران، هي هدف بذاته ولذاته، وتعويض عن خيار عسكري مفقود ومتعذر، ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، كنظام وتهديد قائم بذاته.
من هنا، سيكون رد الفعل الاسرائيلي متوقعا. سواء وصل الطرفان الى اتفاق ام لا. ومن المتوقع، بناءً على ذلك " عجقة" تقارير اعلامية غربية، مدفوعة اسرائيليا، للتشويش على الاتفاق او اي تفاهم مبدئي في الطريق اليه.