ارشيف من :آراء وتحليلات

المعادلة المستحيلة أميركياً في سوريا!

المعادلة المستحيلة أميركياً في سوريا!
من الأفضل أن نسأل بعض الأسئلة من أن نعرف كل الاجابات.
(جيمس ثوربرـ كاتب أمريكي )

"تدفق جديد لأسلحة نوعية وثقيلة للثوار السورين" ؛ هذا ما نقلتة "واشنطن بوست" عن مسؤلين أمنيين عرب؛ وأن هذه الاسلحة تم نقلها "عبر الحدود الأردنية إلى مدينة درعا جنوبي سوريا" !! غير أن حيثيات هذا التدفق كما أوردتها الصحيفة تدعو للوقوف عندها فقد جاء في الخبر: "إن تسليح الثوار المعتدلين في جنوبي سوريا يأتي في محاولة من قوى خارجية لمواجهة النفوذ المتزايد للجماعات الإسلامية المتطرفة شمالي البلاد، وذلك من خلال تعزيز موقف المقاتلين المعتدلين في الجنوب". إنه لأمر مثير للاستهجان بل للسخرية! إذ من المعروف بأن المعركة في الجنوب أصبحت بحكم المنتهية من الوجهة العسكرية!! فيما هي تتركز في الشمال هذا أولاً.. أما ثانياً فإن المطلع على هشاشة ميليشيا ما اسموهم: "الثوار المعتدلين"، لا يستبعد ان يقوم (ديوك) هذه الميليشيات ببيع هذا الدفق إلى "الجماعات المتطرفة " ـ الغنية بالمال ـ وهناك سوابق مشابهة!!! الأرجح أن هذا الكلام ينطوي على مبالغات، وينفيه المنطق العسكري، فالخبراء العسكريون يدركون بأن كل ما هو ثقيل مضر وغير مجدٍ في أسلوب حرب العصابات التي تخوضها أية ميليشيات؛ هذا من الوجهة التكتية! كما وإن استيعاب هذه الأسلحة من الوجهة الفنية يحتاج لأهلية وشروط خاصة لا تتوافر إلا للجيوش النظامية، فكيف والحال بميليشيات ـ كتلك التابعة لما أسموها "معارضة معتدلة"ـ هي بالواقع كيان بلا مضمون تنظيمي؛ إلا أن المشهد السياسي يشي بأن ما سبق يأتي في إطار شد الأعصاب ولأسباب محض سياسية كما سنبين لاحقاً. ومن المفيد هنا أن نذكر بجذر هذه الحرب التي تشهدها سوريا كي لا يضللنا أي دخان مصطنع.

المعادلة المستحيلة أميركياً في سوريا!

كانت غاية الولايات المتحدة من الحرب على سوريا، شطبها من المعادلة الإقليمية، ليس أقل. أما عبارة: "تنحي الأسد" فكانت الواجهة الخارجية لبقاء لعبة الموت والدمار تلف هذا البلد وصولاً لتحقيق الغاية المذكورة ؛ لذلك لم يطرح الأمريكيون أي موقف جدي لحل الأزمة السورية قبل أن يجري استثمارها بالكامل. ومن هنا جاء حرصهم ـ ولم يـزل ـ على أن لا يتمكن أي طرف من حسم المواجهة، فرفضت منذ البداية تزويد ميليشيات المعارضة بأسلحة متطورة تمكنها من ذلك، مكتفية بما في حوزتها من أسلحة الحقبة السوفيتية التي جاءت من المخازن المنهوبة للجيش الليبي، لكنها من جهتها كانت تصحح الخلل في ميزان القوى العسكري المائل بطبيعة الحال للجيش السوري بتقديم دعم تقني، ومعلوماتي لميليشيات المعارضة. غير أن هذا لم يحل دون أن يحقق الجيش السوري إنجازات ملموسة، والحديث هنا يطال المرحلة التي كان القتال فيها ما زال محصوراً في أماكن محدودة في درعا وبعض أحياء حمص وريف أدلب، حيث كان حضور ما يسمى (الجهاديين) لم يتجذر بعد. مع هذه الإنجازات للجيش السوري استنفرت الولايات المتحدة (حلفاءها) الإقليميين لتصدير المزيد من (الجهاديين) الذين باتوا بحجم جيش موازٍ، والغاية توسيع رقعة المواجهة لتشتيت القوات المسلحة النظامية، وبالتالي إلحاق أكبر أذى ممكن فيها في إطار شطب سوريا من المعادلة الإقليمية كما أسلفنا؛ وبذا امتدت رقعة المواجهة لتطال دمشق، تلتها حلب، ثم مناطق الفرات مؤخراً، مشتملةً على قواعد جويّة ومواقع الصواريخ ومؤخراً السدود الاستراتيجية، الأمر الذي أخذ يثير تساؤلات مُقلقة!!. تساؤلات عن مدى وحجم العامل الاستخباري الغربي والعربي في التسهيل لهذه الميليشيات في تحقيق ما سبق!!!!!.

غير أن الغرب أخذ يدرك ضمناً بأن رهانه على ما يسميهم "الثوار المعتدلين" هو رهان خاسر، فقد برهنت التجارب بأن هذه الميليشيات لا أهلية لها، بل على العكس تنطوي على قدرٍ من التفلت القيمي، والتنظيمي، ولطالما شهدت صراعات فيما بينها على خلفية سرقات أو خوات، وهذا كله جعلها عالة على محيطها ومرفوضة من قبله في الأعم الغالب، الأمر الذي حصد نتائجه تنظيم (جبهة النصرة) وأخواتها (القاعديات!) حتى استحوذت على المشهد في المناطق أو القرى التي وقعت تحت سيطرتها. وعلى هذه الخلفية، أخذنا نشهد لأول مرة في تاريخ سوريا، بروز تيار سلفي مؤطر حزبياً بغية تعزيز هذا الواقع العسكري، أو إسباغ مضمون سياسي له. ومن باب التدليل على هذه الحالة نذكر منها: "حزب التوحيد الإٍسلامي السلفي السوري" برئاسة ابراهيم فارس الزعبي والاسم يغني عن أي شرح. لكن اللافت تنظيم آخر هو: "تيار الوسطية الاسلامي" برئاسة الدكتور أحمد فارس السلوم، حيث ليس فيه من الوسطية إلا الاسم فيما أهدافه المعلنة على خلاف ذلك؛ كمثال نستقي هذه العبارات من منشوره التأسيسي: "ويهدف التيار إلى إسقاط النِّظام السُّوريِّ الحالي بكلِّ رموزه، والهيئات الدَّاعمة له... وعدم التَّحاوُّر معهم بأيِّ شكل من الأشكال، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة مجالات الحياة..... اعتماد فهم السلف للكتاب والسنة، لأنهم الأقرب لعصر النبوة والأفقه في فهم مقاصدها والأحسن سلفية وفطرة والأبعد عن الأهواء".

المعادلة المستحيلة أميركياً في سوريا!

هذا المآل دفع أمريكا كي تعيد النظر في الأساليب وليس الهدف ـ منعاً للالتباس!! ـ فهي الآن في حالة إرباك. إذ كيف السبيل لحل المعادلة المستحيلة في سوريا أي: إزالة النظام، فيما البدائل (المأمونة أميركياً!) لا أهلية لها فضلاً عن تشتتها!، أو إبقاء الفوضى دون تمكين القوى (القندهارية) من الاستفادة منها وصولاً لإملاء الساحة السورية ومنها إلى الجوار!! هذا الأمر يثير قلق أكثر من طرف، وفي المقدمة (الحلفاء) من أتراك وأردنيين. والخليجيين الذين أخذوا بدورهم يتهامسون ندامةً على تورطهم ـ هذا باستثناء قطر!! ـ وبذا أصبحت لعبة (الفوضى الخلاقة) سلاحاً ذا حدين، يكشف مخاطرها ما يتردد في الأوساط الخليجية والغربية بأن الأسد لم يستنفد خياراته ما دام أن الجيش ما زال متماسكا من حوله، بل لعلهم يخشون مع هذه الحال بأن يصبح أي انكفاء للأسد ـ لاستحالة هزيمته بالضربة الفنية!!!ـ خطوة قد تهد الهيكل الإقليمي برمته! لذلك فإنهم يحاولون الآن هزيمته بالنقاط!!. أي عبر استبعاد ترشحه للانتخابات القادمة. ولعل ما سبق وذكرناه في البداية عن لعبة شد الأعصاب يأتي في هذا الإطار وحسب، هي لعبة رفع السقف ثم خفضه على طريقة خطوتين للأمام، خطوة للوراء!!.

حتى الأمس كان الأميركيون يتحدثون بثقة عن أن رحيل الأسد مسألة أسابيع، ثم أشهر، فيما آخر تصريح لوزير الخارجية الاميركي جون كيري يتحدث الآن "عن العمل لإقناع الأسد بأن حسم المعركة بالقوة غير ممكن"!!. البارحة كانت معارضة الخارج تصر على رحيل الأسد قبل البحث في أي حل سياسي، بينما هم الآن ذاهبون لموسكو لمفاوضة مبعوثه. فماذا بعدها في رحلة الألف ميل؟!.
لـؤي توفيق حـســــــــــن (كاتب من لبنان) *
2013-03-01