ارشيف من :آراء وتحليلات
تحديات قد تفجر الاستقرار في لبنان

كلما لاحت في المحافل الدولية بوادر تسوية سياسية في سوريا، ارتفع منسوب العنف في المنطقة، وانزلق لبنان الى مخاطر العنف وعودة دورة الحروب المتنقلة. في الاونة الاخيرة ارتفع منسوب القلق في لبنان على كل المستويات الرسمية والسياسية والشعبية، مع ارتفاع منسوب المخاطر التي تھدد السلم الاهلي... وأبرز التحديات التي تواجه المرحلة المقبلة:
1- إلغاء الانتخابات الذي بات خطرا وشيكا وداھما مع تدني وتقلص احتمالات التوصل الى توافق على قانون انتخابات جديد. ومع ارتفاع وتقدم احتمالات تأجيل الانتخابات تحت مسميات وعناوين "التأجيل التقني أو الإداري أو الاضطراري"... وفي حالة التأجيل، فإن الضرر والخطر لا يكمن فقط بإخفاق لبنان في تنظيم انتخابات في موعدھا وفي تأمين تداول ديمقراطي للسلطة، وإنما يكمن خصوصا في أن التأجيل إذا حصل كأمر واقع ومن دون أن يكون مرفقا بتوافق سياسي على "مرحلة ما بعد تأجيل الانتخابات" سوف يشمل مسألة التمديد للمجلس النيابي مع خلاف على مدته وظروفه وشروطه، لأن التأجيل في ھذه الحال سيكون بمثابة إلغاء للانتخابات واستيلاد لأزمة وطنية وسياسية كبيرة تدخل البلاد في المجھول: الفراغ الدستوري والفوضى...

تحديات قد تفجر الاستقرار في لبنان
2 - بعكس ما كان يرفعه فريق 14 آذار من شعار مثل لبنان أولا، سرّب الأزمة السورية ونقلها الى لبنان بفعل دعمه العلني والمباشر للمعارضة المسلحة ورهانه على انتصارها باسقاط النظام وانعكاس ذلك على موازين القوى في لبنان لمصلحته. وتوسع ترابط وحدة المسارين ووحدة المسار والمصير، كلما طال أمد الازمة السورية واتجھت الى مزيد من العنف الدموي الذي بدأ يأخذ في الآونة الأخيرة أشكال "العنف الطائفي"... ويحصل ھذا التسرّب الى لبنان أكثر من أي بلد آخر من دول الجوار بوصفه "الحلقة الأضعف" والأكثر تفاعلا وترابطا مع الأزمة السورية التي شھدت انخراطا مباشرا من قوى لبنانية مع اختلاف في طبيعة وحجم ھذا التورط. ويمكن تحديد مسارب الخطر السوري على لبنان بالعوامل الثلاثة التالية: التوترات والخروقات والصدامات الحدودية شمالا وشرقا، تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة تفوق قدرة لبنان على التحمل بإمكاناته المحدودة وتوازناته الدقيقة، وقدوم عناصر متطرفة وتكفيرية الى لبنان عن طريق التسلل الذي تتيحه عملية قدوم النازحين بطريقة تجعلھا خارج السيطرة المحكمة من جانب السلطات اللبنانية.
3- ھاجس الصراع المذهبي الذي يسجل مسارا تصاعديا من التوتر والتشنج والاحتقان، ولم يسبق أن بلغ ھذه المستويات المتقدمة وأن أصبح يدور عند "حافة الھاوية" وينطوي على خطر الانتقال الى مرحلة جديدة من التأزم عند حدوث أي حادث أو خطأ غير محسوب... وتلعب في تكوين ھذا الخطر ورفع منسوبه جملة عوامل منھا ما ھو داخلي ويرتبط بارتفاع حدة الصراع العمودي والتجاذب الحاد في مرحلة الانتخابات والاستحقاقات والتبدل الحاصل في الخارطة الجغرافية السياسية الأمنية، وارتباط ھذا الصراع بما يدور من صراع إقليمي كبير في المنطقة.
4 - تداعيات الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي ازدادت حدة وبلغت نقطة المأزق، وحيث إن الحكومة التي نجحت في إدارة أزمات سياسية وأمنية أخفقت في إدارة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية. فمن جھة، فشل حوارھا مع الھيئات الاقتصادية، ومن جھة ثانية فقدت مصداقيتھا مع الھيئات النقابية وتطورت الأمور الى مواجھة وحدث انتقال للحركة المطلبية الى الشارع بعدما سلكت ھذه الحركة وللمرة الأولى طريق "الإضراب المفتوح". والى الفرز الطائفي والسياسي الذي يزداد حدة، يبرز فرز جديد في لبنان، اجتماعي طبقي، وتبرز ملامح صراع عابر للطوائف لم يكن ظاھرا بھذه الحدة من قبل الى حد أنه بات يختزن عوامل "انفجار اجتماعي"، وھذا عائد في أحد أسبابه الى اتساع الفوارق الطبقية وحيث الأغنياء يزدادون غنى والفقراء فقرا.
5 ـ تأزم الوضع داخل " 14 آذار" والتباعد في العلاقة بين "القوات" و"المستقبل"، ما استدعى اجراء اتصالات لرأب الصدع الانتخابي وإنقاذ التحالف السياسي الذي تعرض لأعنف اھتزاز منذ العام 2005. ولم تحقق الاتصالات تقدما حاسما حتى الان رغم المساعي العديدة.
وحتى الآن لا مؤشرات على توافق محتمل على قانون جديد للانتخابات، حيث يلاحظ أن تنسيق المستقبل مع الاشتراكي في شأن قانون الانتخابات يسير على قدم وساق، فيما تغيب كل أشكال التنسيق بين المستقبل والقوات اللبنانية...
كما يلاحظ أن الرئيس السنيورة استثنى من زياراته الى المنطقة المسيحية الدكتور سمير جعجع واكتفى بلقاءات مع البطريرك الراعي والرئيس الجميل وأرفق لقاءاته بكثير من التنويه والإشادة بمواقف الرئيس ميشال سليمان ودوره الوطني...
كما إنه لا مؤشرات الى اجتماع قريب لقوى 14 آذار على مستوى قيادات الصف الأول، بعدما كان عقد اجتماع في بيت الوسط بدعوة من الرئيس السنيورة غابت عنه الكتائب والقوات. في حين بدا تركيز المستقبل واضحا على الأمانة العامة لتفعيلھا وعلى "المسيحيين المستقلين" في 14 آذار ليتصدروا الحملة ضد المشروع الأرثوذكسي...
المستقبل حتى الآن غير متقبل وغير مستوعب لموقف القوات اللبنانية في اندفاعتھا نحو القانون الأرثوذكسي في ھذا الظرف الذي لا يحتمل أخطاءً سياسية بحجم ھذا الخطأ. و"القوات" مصدومة من رد فعل المستقبل الذي انطوى على كثير من الانفعال والحدة... المطلعون على مناخ العلاقة يقرون أنھا أصيبت بانتكاسة وأنھا في حاجة الى وقت وجھد للتخلص من آثار وذيول ما حدث.
تصدع فريق 14 آذار سوف يسرع خلط الاوراق ويعجل بانفجار الوضع الامني من اجل اعادة رص الصفوف وتجميع ما فرقه قانون الانتخابات.
فهل يتجه الوضع في لبنان الى الانفجار لملاقاة الازمة السورية وتعطيل التسوية السلمية المحتملة في سورية وترميم حلف 14 آذار لمواجهة التحديات في لبنان؟
سؤال يتصدر مجموعة أسئلة تجيب عنها مساعي التسوية الدولية وتداعيات الاتصالات الاميركية ـ الروسية.